في أول اجتماع من نوعه لمجموعة «الدول السبع» الأساسية في التحالف الدولي ضد داعش (فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وأستراليا)، التي التقى وزراء دفاعها أمس في باريس بدعوة مشتركة من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، بغرض تقويم نتائج الحرب على تنظيم داعش والتخطيط للمستقبل، اتفق المجتمعون على أن الهدف العسكري القادم للتحالف هو «القضاء على مراكز السلطة» لـ«داعش» وضربها وإخراجها من الرقة والموصل.
إضافة لذلك، يهدف التحالف، وفق ما قاله وزير الدفاع الفرنسي في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع نظيره الأميركي عقب الاجتماع، إلى ضرب وتفتيت التواصل الجغرافي للأراضي التي تخضع للتنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، وفرض السيطرة على هذه الأراضي. وأضاف جان إيف لودريان أن تنظيم داعش «يتراجع في العديد من الجبهات» ولذا فإن «اللحظة مناسبة لتعزيز جهود التحالف ووضع خطة استراتيجية منسجمة» لا تكتفي فقط بالأعمال العسكرية على أهميتها، بل تشمل مسارين إضافيين: الأول سياسي، ويتمثل في العراق في ضم كل المكونات السياسية، وفي سوريا في الوصول إلى هيئة حكم تقبلها جميع الأطراف، بحيث تتركز كل الجهود على محاربة (داعش). أما المسار الثاني فهو آيديولوجي، حيث يتعين علينا أن نحارب (داعش) آيديولوجيا في سوريا والعراق وليبيا وبلدان الساحل وأفريقيا، ولكن أيضا في بلداننا».
من الناحية العملية، ولترجمة هذا التشخيص والتخطيط إلى واقع، أعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، في المؤتمر الصحافي نفسه، أن واشنطن ستدعو إلى اجتماع أوسع من الذي استضافته باريس أمس خلال ثلاثة أسابيع في بروكسل، وستوجه الدعوة إلى 26 وزير دفاع من بلدان التحالف الستين. وفي ما يبدو أنها ضغوط أميركية واضحة ومسبقة على الأطراف التي ستحضر إلى بروكسل، أعلن كارتر أنه يتعين على «جميع البلدان أن تحضر وهي جاهزة لمناقشة المساهمات (العسكرية والمادية) الجديدة» التي ستوفرها للتحالف الذي تقوده واشنطن. ولم يعين الوزير الأميركي هوية البلدان الـ19 «الإضافية» التي ستدعى إلى العاصمة البلجيكية، لكن فهم من حديثه أنه يفكر بالدرجة الأولى بالدول الخليجية، إذ أعلن أن «بلدان المنطقة يمكنها أن تسهم وهي قادرة على ذلك بشكل حاسم في نجاح الخطة (العسكرية الجديدة)»، مضيفا أنها «قادرة على فعل الكثير ليس فقط في الحرب على (داعش)، ولكن أيضا في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة». وكشف الوزير الفرنسي أن اجتماعا بالصيغة نفسها لاجتماع باريس سيحصل في لندن، عقب مؤتمر بروكسل في فبراير (شباط) المقبل.
ولم يكشف الوزيران، اللذان يمكن الاستنتاج من كلامهما أنهما يتحدثان أيضا باسم الآخرين، عن تفاصيل ما ينتظرونه من مساهمات سواء كانت خليجية أم من دول أخرى. لكن كارتر أوضح أن الأهداف المتوخاة ثلاثة: تدمير الورم السرطاني الأصلي «داعش» بالقضاء على مكامن سلطته في الرقة والموصل، والقضاء على تحولاته عبر العالم، مشيرا ضمنيا إلى ليبيا وبلدان الساحل وأفريقيا، وأخيرا «حماية مواطنينا».
ولم تغب ليبيا، التي أعلنت عن تشكيل حكومة اتحاد وطني، عن مداولات باريس أمس، بيد أن الوزيرين لودريان وكارتر أفادا بأنها لم تكن «الموضوع الرئيسي». ورغم ذلك، فإن وزير الدفاع البريطاني كشف في حديث لصحيفة «لوفيغارو» أمس أن البلدان الغربية أوكلت لإيطاليا مهمة تقديم دراسة عن حجم القوات العسكرية التي ستكون ضرورية للتدخل في ليبيا من أجل حماية حكومة الاتحاد الوطني الجديدة. وفهم من أوساط المجتمعين أمس أن روما هي الرافعة التي تدفع باتجاه تدخل عسكري سريع في ليبيا، خصوصا أن الغربيين ربطوا أي تدخل على الأراضي الليبية وفي المياه الإقليمية بوجود طلب رسمي من حكومة تمثل كل الليبيين وبغطاء من مجلس الأمن الدولي، علما بأن بعض القراءات للقرار الدولي الأخير حول ليبيا تعطي الضوء الأخضر لمثل هذا العمل العسكري. وتفيد هذه الأوساط كذلك بأن الرغبة في التحرك عسكريا سريعا في ليبيا مردها إلى رغبة الغربيين والبلدان الأوروبية بالدرجة الأولى في ضرب «داعش»، قبل أن يزيد في تمدده الجغرافي، وقبل أن يضع أيديه على مصادر الطاقة والمثلث النفطي.
وبانتظار ذلك، فإن الوزراء المجتمعين في باريس توافقوا على الحاجة الملحة لزيادة التنسيق العسكري والميداني في ما بينهم، وتعزيز القدرات والإمكانيات العسكرية والمادية الموضوعة بتصرف التحالف. وبحسب الوزير الأميركي، فإن «داعش» يتراجع، ولكن يتعين السير بـ«خطة» التحالف الجديدة التي تتضمن زيادة وتيرة الضربات الجوية وإرسال قوات خاصة، إضافة إلى القوات التي أرسلت حتى الآن، وتعزيز تدريب وتأهيل القوات التي تحارب «داعش» محليا، في إشارة إلى القوات الكردية والعراقية والمجموعات السورية التي تقاتل ضد التنظيم، وتبادل أفضل للمعلومات والحرب الإلكترونية. وبحسب الوزير الأميركي فإن «الجميع متفقون على الحاجة لزيادة الإمكانيات والقيام بالمزيد»، فيما أشاد لودريان بالمساهمات العسكرية التي قدمتها ثلاثة بلدان أوروبية، هي بريطانيا وألمانيا وبلجيكا، إلى العمليات العسكرية ضد «داعش» بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت باريس أواسط شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
يذكر أن دولتين غابتا عن اجتماع باريس هما روسيا وتركيا. وبخصوص روسيا، التي اعترف لودريان بأنها «لاعب مهم» في الملف السوري، لا تزال الدول الغربية «تتحفظ» على عملياتها العسكرية في سوريا. ودعا لودريان موسكو إلى تركيز ضرباتها على «داعش» وليس على الفصائل السورية التي قبلت المسار السياسي وهي مؤهلة إلى المشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة. وبحسب المجتمعين فإن موسكو على «المسار الاستراتيجي الخاطئ»، وبالتالي عليها أن تصححه. وبانتظار ذلك، فإن الوزيرين الفرنسي والأميركي اعتبرا أن التنسيق والتعاون العسكريين مع القوات الروسية سيبقى في حده الأدنى.
أما تركيا فلم يفسر أحد من المجتمعين ولا مصادرهم سبب الامتناع عن دعوتها، علما بأن باريس وواشنطن هما من وجها الدعوات. والمفارقة أن الغربيين جميعهم يريدون من تركيا أن تفعل المزيد لجهة إحكام إغلاق حدودها بوجه المتطرفين الداخلين والخارجين من سوريا. والحال أن مصادر استخبارية غربية أكدت أمس أن ما لا يقل عن مائة مقاتل جديد يلتحقون بـ«داعش» أسبوعيا، مما يعني أن الحدود التركية مع سوريا ما زالت مخترقة. لكن المراقبين يرون أن هذا الأمر سيتغير بعدما تصاعد التوتر بين «داعش» والسلطات التركية في الفترة الأخيرة، الأمر الذي سيدفع تركيا إلى إغلاق حدودها مع سوريا.
وزراء دفاع {التحالف} يتحركون في باريس لتفكيك أوصال {داعش}
زيادة وتيرة الضربات الجوية.. وواشنطن تدعو إلى عقد اجتماع أكبر في بروكسل يضم 26 من بلدان التحالف
وزراء دفاع {التحالف} يتحركون في باريس لتفكيك أوصال {داعش}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة