11 شيئًا لا ترتضي المرأة السعودية فعله

ثمرة التمكين والمسار «الغربي» المعاكس

امرأة سعودية لدى خروجها من مركز اقتراع بجدة بعد الإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية التي أجريت 12 ديسمبر الماضي (غيتي)
امرأة سعودية لدى خروجها من مركز اقتراع بجدة بعد الإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية التي أجريت 12 ديسمبر الماضي (غيتي)
TT

11 شيئًا لا ترتضي المرأة السعودية فعله

امرأة سعودية لدى خروجها من مركز اقتراع بجدة بعد الإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية التي أجريت 12 ديسمبر الماضي (غيتي)
امرأة سعودية لدى خروجها من مركز اقتراع بجدة بعد الإدلاء بصوتها في الانتخابات البلدية التي أجريت 12 ديسمبر الماضي (غيتي)

«مشاركة المرأة تمثل خطوة مهمة خطتها السعودية نحو عملية انتخابية أكثر شمولاً ستضمن تمثيل كل المواطنين في حكومة تكون مسؤولة أمام كل السعوديين»، هكذا علق جون كيربي الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، وهو منطق يزن التحول، مقدرًا ما ينطوي عليه من توسيع لنطاق مشاركتها، مع الإشارة إلى يمكن أن يؤول إليه «معياريًا».
وهذا التقييم لا يخلو من تمايزات ثقافية بين عالمين وحضارتين، تمايزات تجعل: الممكن والمقبول والمأمول غير متطابقين بين الحضارتين.
وليس جديدًا ولا مفاجئًا أن تكون قراءة شرائح من الرأي العام الغربي للانتخابات البلدية السعودية الأخيرة أقرب إلى «البكائيات» على ما لم يحدث – أو ما لا يحدث – وليس ما حدث.
وقد يرى البعض في الخطاب إعمالاً لـ«خذ وطالب»، وهذا أحد وجوه الخلل الكامنة خلف هذا الخطاب أن التغير ليس استجابة لمطالبات الخارج، وبالتالي فإن المزيد من الإلحاح على قائمة «النواقص» لن يكون قوة الدفع باتجاه المزيد تمكين المرأة السعودية، وهذا التمكين، لا يعني أبدًا أن تقترب من نموذج معدٍ سلفًا، هو بالضرورة النموذج الغربي.
مجلة «ذي ويك» اختارت التعليق على الانتخابات البلدية السعودية انطلاقًا مما اعتبرته «مسارًا معاكسًا» تعيش وفقًا لقانونه المرأة السعودية في حياتها اليومية. وربما، لم يكن ما نشرته المجلة ليستحق التوقف أمامه بالتعليق، لولا هذا الربط الذي قد يكون واضح الافتعال، بين محتواه وبين الانتخابات البلدية السعودية الأخيرة.
وما يشير إليه المنشور أولاً، أن التاريخ يسير في مسار خطي، وأن نموذجه الأعلى هو الغرب، وأن أمم الشرق ومجتمعاته تسير في المسار نفسه، حيث لا مكان لاختلافات ثقافية ولا دينية، ما يعني أن الشرق متأخر عن الغرب بقرون أو عقود أو سنوات، وسيكون مصيره الحتمي أن يلحق بالغرب في كل شيء. وهنا لا مكان لموقف إيجابي من أي تطور يحدث في أي مجتمع من مجتمعات الشرق.
وهذه النظرة التي لا تقيم وزنًا لأي تحول سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو سياسي لا قيمة له ما لم يؤد إلى اكتمال تحول اجتماعي أخلاقي شامل، يجعل المرأة الشرقية - وطبعًا المرأة السعودية - تعيش حياتها اليومية كالغربية تمامًا. وتطبيق قواعد هذا «النموذج الكامل» المثالي يؤدي أحيانًا إلى نتائج تبعث على السخرية المرة، ولعل أكثرها شهرة «إدانة» عمل المرأة في المنزل (أي في رعاية شؤون الأسرة وتربية الأبناء)، على أساس أن عمل المرأة الذي يمكن الاعتراف به كدليل على تمكينها هو العمل خارج المنزل وحسب.. والخلاصة أن الحقوق السياسية تظل منقوصة ما لم تؤد إلى تغيير نمط الحياة علة نحو محدد.
من الأمور التي كانت تبدو مستقرة في الكتابات التي تتناول قضايا المرأة التعامل معها بوصفها عملية «تغريب»، وكان الوصف إلى حدٍ كبير صحيحًا وإن كان غير دقيق. والجديد أنه مع تطور وضع المرأة العربية بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية على نحو جعلها لا تصلح «مادة خام» تصلح لرسم صورة نمطية لامرأة مقهورة ومحرومة تمام الحرمان من الحقوق كافة، بدأ التركيز ينتقل من الحديث عن حقوق أساسية كالتعليم والعمل والمشاركة السياسية، إلى الحديث عن «ثمرة التمكين»، بمعنى الحديث عن حزمة من المؤشرات (بعضها مرده الدين، وبعضه مرده التقاليد، وبعضها مرده الثقافة) يشكل غيابها دليلاً على أن المرأة ما تزال مقهورة. ويمكن التعبير عن الفكرة على النحو التالي:
* المرأة يجب أن تحصل على حقوق وحريات معينة (بعضها مشترك عام إنساني وبعضها ليس كذلك).
* المجتمع يجب أن يفكر في حقوق المرأة وحرياتها من منظور «قداسة الحقوق الفردية». (والمجتمعات كافة لديها تصورات خاصة للتوازن بين الجماعية والفردية «حقوق الفرد وحقوق المجتمع» والتفاوت أو التباين في هذه التصورات لا يجعل أيًا منها مستحقة أن توصف بالقمعية حتى لو اختلفت عن النموذج الغربي).
* المرأة نفسها «يجب» أن تستخدم هذه الحقوق في اتجاه محدد سلفًا (الفردية – اللذة – حرية الجسد –...).
وأولى الملاحظات على هذا الخطاب ملاحظة لغوية ذات خلفيات معرفية، فالمستهدف هو «تمكين المرأة» وليس «تحرير المرأة»، فاستخدام لفظ تحرير يعني الإقرار بعبوديتها. الملاحظة الثانية أن الدعوة تحولت من فكرة اجتماعية (أو حقوقية) إلى آيديولوجيا مغلقة ومن هنا ظهر مصطلح: «النسوية» أي «التمركز حول الأنثى» وهي آيديولوجيا تنطوي على معاداة للرجل وللمجتمع.
الملاحظة الثانية أن هذا المنطق مخادع إلى أقصى درجة، فالتمكين الحقيقي للمرأة يفتح الباب لتعدد الاختيارات والأنماط في السلوك والانحيازات الاجتماعية، لكن قياس وضع المرأة - السعودية مثلاً - على مدى قدرتها على التصرف في جسدها وفقًا للرؤية المعيارية الغربية، هو في الحقيقة «تنميط» يسلبها حقها الأصيل في أن تختار لأسباب شخصية أو دينية أو أخلاقية أن تتصرف بمحض اختيارها بشكلٍ مغاير.
ونحن بالتالي أمام عملية علمنة وليس عملية تغريب، فالغرب يضم قطاعات اجتماعية واسعة تتصرف - اختيارًا - وفقًا لمنطق محافظ يجعل محرمات هذه القطاعات شبيهة بالمحرمات الدينية والاجتماعية التي اعتبرتها مجلة «ذي ويك» مؤشرات على أن المرأة السعودية مقهورة.
ومن «مؤشرات الحرمان» وفقًا للمجلة منعها من الذهاب إلى أي مكان دون محرم، وهو أمر له أصل فقهي قد يكون شكل تطبيقه الفعلي مقرونًا بتشدد يزيد أو يقل بحسب المستوى الاجتماعي وطبيعة المكان وعوامل أخرى ليس بينها دور رسمي للدولة في فرض استمراره، بل إن كثيرًا من التحولات الإيجابية، خلال نصف القرن الماضي، في دول عربية كثيرة بينها المملكة العربية السعودية كان ثمرة جهود حكومية لتمكين المرأة بأكثر مما كانت ثمرة مطالبات اجتماعية.
وهذا القيد الذي يستند إلى أصل شرعي يستمد رسوخه في المجتمع السعودي من رؤية لموضوع جسد المرأة مغايرة تمامًا للرؤية الغربية وهو تمايز لا يجوز أن يكون سببا في وصم المجتمع السعودي أبدًا، فثقافة الستر والعفة تنطلق من تقدير كبير للمرأة يأخذ شكل المبالغة في الحماية والستر.

اضغط بالأسفل على الرابط وتابع البقية في موقع مجلة (المجلة):



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.