يواجه ليفربول فريق مانشستر يونايتد، اليوم، فيما سيكون صداما بين اثنين من المدربين، بدءا من مسيرتيهما بأساليب لعب متشابهة، لكنهما الآن مختلفين للغاية. وفي وقت مبكر أخبرنا مدرب ليفربول يورغن كلوب عما ينبغي علينا أن نتوقعه. وعندما كان يركض على امتداد خط التماس مساء الأربعاء الماضي، وهو يلكم الهواء ويصيح وسط زخات الثلج بعد هدف التعادل الذي سجله جو آلين لاعب وسط ليفربول والمباراة أمام آرسنال تلفظ أنفاسها الأخيرة، ربما لم يكن يحتفل بنقطة اقتنصها فريقه بصعوبة، وإنما كان يعبر عن سعادته بمباراة كانت مثالا لرؤيته لما ينبغي أن تكون عليه كرة القدم، وبخاصة الكرة الإنجليزية.
في 2013، قال: «لا أحب الفوز مع استحواذ بنسبة 80 في المائة»، وأضاف: «عذرا، فهذا ليس كافيا بالنسبة لي. وليس هذا أسلوبي المفضل. إن الكرة القتالية، لا الراكدة، هي ما أريده. ما نسميه في الألمانية: يوما ممطرا، مباراة من العيار الثقيل، نتيجة 5 - 5، حيث يكون الجميع منهكا». حسنا، كانت النتيجة 3 - 3 وليس 5 - 5، لكن كل شيء آخر في مباراة الأربعاء ضد آرسنال كان يتفق مع ما قاله كلوب: الدراما، والحيوية، وإحساس الفوضى التي يمكن لمن يملكون الإرادة الكافية استغلالها، إن لم يكن تشكيلها. وبالنسبة إلى لويس فان غال، الذي يخرج فريقه، مانشستر يونايتد، خارج أرضه لملاقاة ليفربول على ملعب آنفيلد اليوم بعد تعادل خارج أرضه الثلاثاء الماضي مع نيوكاسل بنتيجة 3 - 3، فإن مثل هذه المباراة تعد بمثابة لعنة. كرة القدم تعني لفان غال السيطرة، وهي شيء ينم عنه سلوكه خلف خط التماس. ففي حين يقفز كلوب ويصرخ ويشتم، يميل فان غال للجلوس في جمود، ولا تشي بمشاعره سوى تشنجات فمه. وما حدث يوم الثلاثاء كان نادرا، عندما صدم المدرب الهولندي نفسه بقوة إلى كرسيه تعبيرا عن الإحباط.
ومع هذا، فالانطباع المأخوذ عن كلوب وفان غال بوصفهما نقيضين، يتعلق أكثر بنوع شخصية كل منهما. وهي مسألة تعنى بالفلسفة والمنطق الجدلي الذي يشكل كرة القدم الحديثة. نشأ فان غال نشأة هولندية كلاسيكية لكن لديه نزعة أنانية كافية لتجعله غير مقتنع تمام الاقتناع بأسطورتي التدريب رينوس ميتشيلز ويوهان كرويف. ورغم أن لفكر فان غال جذوره في «الكرة الشاملة»، فإن لديه تفسيرا للكرة الشاملة يغلب عليه الطابع البراغماتي. إن ما يريده فان غال هو تقليص عنصر المخاطرة بالاستحواذ على الكرة وهو يمقت خسارة هذا الاستحواذ من دون داع. وهذا الحذر والافتقار للنزعة الإبداعية العفوية، هما ما دفع بكرويف للهجوم على فان غال، ودعا كذلك جناح أياكس السابق الشهير، سياك سفارت، إلى القول إن فان غال يقدم كرة قدم سلبية، كما أثيرت انتقادات واسعة النطاق لأسلوب لعبه «الممل» هذا الموسم. ومع هذا، فإن بيب غوارديولا، على الأقل خلال فترة قيادته لبرشلونة، قال إنه لم يتأثر بأي مدرب مثلما تأثر بفان غال. كان برشلونة بقيادة غوارديولا يعطي الأولية كذلك إلى الاستحواذ، رغم أن أمواج التمريرات التي يصنعها برشلونة، شيء مختلف أيما اختلاف عن البطء الانضباطي الذي يقدمه مانشستر يونايتد هذا الموسم.
لقد هيمن ذلك الأسلوب على العالم خلال المواسم الثلاثة الأولى لغوارديولا في برشلونة. لم ينجح أي فريق في تنفيذ هذه الطريقة مثلما نجح برشلونة، ولكن غالبية الفرق الكبيرة على الأقل كانت تطمح إلى تطبيق هذه الطريقة – وهذا مرده، ضمن أسباب أخرى، إلى أن الكثير من المدربين في الفرق الكبرى سبق لهم اللعب ضمن صفوف برشلونة في أواخر التسعينات من القرن الماضي. ورغم كل هذا، فإن كرة القدم تمر بعملية من التطور الدائم. وبينما بدأ التشبع يتسلل إلى فريق برشلونة، نشأ ما يشبه الإجماع حول كيفية مواجهته: لقد ولدت من رحم طريقة برشلونة طريقة مضادة لها – هي أنه بمجرد أن يستحوذ برشلونة على الكرة، عليك التقهقر إلى عمق ملعبك، وحرمانهم من المساحات في الثلث الأخير من الملعب، وجعلهم يلجأون للعب العرضي، وأقبل بأن يستحوذوا على الكرة بنسبة 70 في المائة ثم انطلق للأمام في هجمات مرتدة سريعة. ويكون من الأفضل كثيرا لو أمكن الضغط عليهم في مناطق متقدمة من الملعب قبل أن ينالوا الفرصة لعزف تمريراتهم المعهودة.
كانت هذه هي الطريقة التي يلعب بها كلوب على أية حال، حيث طبقها أولا في مواجهة ماينز، ثم أمام بروسيا دورتموند، فاستحضر أسلوب الضغط الإنجليزي في الفترة بين ستينات وثمانينات القرن الماضي، لكنه أسبغ عليه المزيد من الحيوية والحداثة. وهذه هي خطوة الارتقاء التي كان على الكرة الإنجليزية الإقدام عليها، ولكنها أحجمت عنها لأنها فقدت الثقة في أسلوبها في أوائل التسعينات. إن أسلوب الضغط وهو السعي لاستعادة الكرة في مناطق متقدمة من الملعب، هو بالطبع عنصر من عناصر طريقة برشلونة وأياكس التي لعب بها فان غال وغوارديولا (في فترة توليه قيادة برشلونة على الأقل)؛ لكن الفارق هو ما الذي يحدث عند استعادة الكرة.
وفي حين قال البعض إنهم يشعرون بالملل تجاه ما يصفه أرسين فينغر بـ«السيطرة العقيمة» لبرشلونة، حتى ولو أعجبتهم الفنيات الجميلة لهذه الطريقة، فإن المرتدات العكسية السريعة لبايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند عندما أسقطا برشلونة وريال مدريد في قبل نهائي دوري الأبطال الأوروبي في 2013 كانت مثيرة من دون شك. في البداية تسبب هذا في وضع حرج للبايرن، بعد أن قرر بالفعل تعيين غوارديولا، الكاهن الأعلى للطريقة التي هدمها مدربه المنتهية ولايته، يوب هاينكس. ومع هذا فسن غوارديولا الصغيرة ومرونته الفكرية يكفيان لمنعه من الجمود. لقد واءم طريقته مع البايرن لتصير أكثر مرونة، وأكثر تنوعا، جمع بين أسلوب لعبه في برشلونة وطريقة الضغط المضاد القوية التي وجدها في ميونيخ. إن فان غال هو من وضع أساسات البايرن الجديد: فالاستحواذ الشامل لبرشلونة مع غوارديولا، والضغط المضاد للمدرسة الألمانية الحديثة، وهو نهج كان كلوب من زعمائه، هما تطوران لفلسفة فان غال المفضلة. تشعبت مسارات النهر، ثم اجتمعت من جديد لتصب عند البايرن بقيادة غوارديولا.
وهذا هو ما يجعل المباراة على ملعب أنفيلد اليوم أشبه بتجربة في السفر عبر الزمن. لقد أثبت فان غال أثناء توليه القيادة الفنية لفريق «إيه زد ألكمار» والمنتخب الوطني الهولندي، قدرته على التكيف لكنه بدا في مانشستر يونايتد وكأنه عاد إلى المبادئ الجوهرية التي تبناها في برشلونة والبايرن. ربما هذا ببساطة ما يرى أنه الطريقة المثلى التي يجب أن تنفذها الفرق الكبرى، وأن النهج المنطوي على المزيد من الضغط المرتد هو «ما يليق بالضعفاء»، بحسب تعبير الصحافي الكروي الروسي ليف فيلاتوف. ويبدو من قبيل الهرطقة الافتراض بأن مدربا متقد الذكاء كفان غال يمكن أن يتخلف عن اللحاق بتطور اللعبة، لكن الاستحواذ الثقيل على الكرة من جانب مانشستر يونايتد يبدو قليلا كشيء من الماضي. وقد يكون كل ما في الأمر أن لاعبي هذا الزمان - الذين نشأوا في عصر عادت فيه الفردية لكرة القدم التي شكلتها ثقافة الشهرة المرتبطة بها الآن - لا يمكن أن يكونوا على وئام أبدا مع أسلوب لعب فان غال القائم على جعل الجميع سواسية في إنكار الذات.
في مواجهة هذا، يقف كلوب، المفعم بالشباب الذي يطبق نوعا من كرة القدم ربما ما كان ليوجد من دون تأثير فان غال. ولم يحدث في أحيان كثيرة في عصر الدوري الإنجليزي أن كان ليفربول الفريق الأكثر حداثة عند مواجهة مانشستر يونايتد، وهو ما سيسعد أنصار ليفربول الأكثر تفاؤلا قبل المواجهة. أما بالنسبة إلى البقية منا، فمباراة اليوم تضعنا أمام مشهد لمعركة بين رجلين شديدي الاختلاف، يعزفان تنويعتين مختلفتين للغاية على نفس الفلسفة الواحدة.
كلوب {المنفعل}.. في مواجهة فان غال {الهادئ}
من ينتصر في قمة ليفربول ومانشستر يونايتد اليوم؟
كلوب {المنفعل}.. في مواجهة فان غال {الهادئ}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة