توالت استراتيجيات الغرب الفردية والمشتركة لمكافحة الإرهاب خلال السنوات الخمس الماضية، وتضاعفت الميزانيات المخصّصة لها داخل البلدان وفي مناطق الصراع بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في محاولة لحماية الأمن الوطني وردع آليات التجنيد ودعاية المنظّمات الإرهابية. وانتقل اهتمام المخابرات الأوروبية والأميركية ووحدات مكافحة الإرهاب، عقب اعتداءات باريس الدامية، إلى عمليات تنسيق الهجمات بين أعضاء تنظيم داعش الإرهابي عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات الإلكترونية. فخصّصت كل من بريطانيا وأميركا وفرنسا وغيرها من الدول وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، تقوم برصد ومتابعة المتشددين والمشتبه بهم، كما يسعون إلى صدّ محاولات تضليل الشباب وتجنيدهم من خلال مواقعه التواصل الاجتماعي.
وبينما لا يعدّ هذا التوجّه جديدا في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، إلا أن نشاط «داعش» الاستثنائي على الشبكة العنكبوتية، واعتماده الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، كـ«تويتر» و«يوتيوب» و«تليغرام»، للترويج لدعايته المضلّلة ومشاركة مقاطع فيديو وحشية، فرض على السلطات الأمنية تأسيس وحدات جديدة متخصصة، لكن الحكومات الغربية تواجه اليوم تحدّيا كبيرا يتمثّل في تحقيق التوازن بين رصد المتطرفين على الإنترنت من جهة، وحماية خصوصية المستخدمين بما تنص عليه القوانين من جهة أخرى.
في هذا الإطار، أعلن البيت الأبيض، الأحد الماضي، تأسيس مكتب جديد لمواجهة حملات «داعش» الإعلامية على الإنترنت، عقب معارضة عدد من رؤساء شركات الإنترنت والتواصل الاجتماعي طلب وفد حكومي بفك تشفيرة الاتصالات الاجتماعية بهدف متابعة الإرهابيين، إلا أن الإجراءات الجديدة المقررة لإدارة تشفير البيانات من خلال إفساح «باب خلفي» للشرطة الأميركية، تصطدم بكثير من المبادئ، من بينها حرية التعبير وحماية الحياة الخاصة وثقة المستهلكين في شركات التكنولوجيا الجديدة.
في هذا السياق، وفي ظل الاتهامات الموجّهة إلى مواقع التواصل الاجتماعي لفشلها في صدّ «الدعاية الداعشية» المتطرّفة، أوضحت متحدّثة باسم «يوتيوب» في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ سياسة الموقع لا تتسامح بتاتا مع المحتوى الذي يروج للعنف، وأنه أسس وحدة مختصة بتحديد المقاطع التي تروج لمحتوى متطرّف، والتي تروج لخطاب الكراهية. فضلا عن ذلك، قالت المتحدّثة إنه تمّت إضافة «خيار المحتوى الإرهابي أو المتطرّف» للمستخدمين الذين يودّون الإبلاغ عن مقاطع تحريضية من خلال الضغط على «العلم الأحمر»، مشدّدة على أن الموقع يغلق جميع الحسابات التابعة لأعضاء الجماعات الإرهابية المعروفة، والمستعملة في ترويج مصالحهم، كما لا يحتفظ الموقع إلا بالمقاطع ذات الطابع الإعلامي الصريح في ما يتعلّق بالتحقيقات حول قضايا التطرف والإرهاب. وبينما لا يمكن القول إنه لا وجود لمقاطع ترويجية للتطرف على «يوتيوب» بتاتا، فإن الموقع يسخّر جزءا من موارده لمحاربة هذه الظاهرة وحماية مستخدميه، مع مراعاة الحفاظ على سرية بيانات المستخدمين، على حد قولها. أما في ما يتعلّق بعدد المقاطع التي تمّ حذفها الموقع بسبب الترويج أو التحريض على التطرف والإرهاب، أفادت المتحدّثة: «بيد أننا لا ننظّم المقاطع التي تنتهك قوانين الموقع حسب فئات معيّنة، إلا أنني أستطيع التأكيد أننا حذفنا 14 مليون مقطع فيديو عام 2014». وكانت ريتشل ويتستون، نائب رئيس قسم الاتصالات والسياسات العامة السابقة بـ«غوغل»، قد أكدت في فبراير (شباط) من العام الماضي تعاون «يوتيوب» مع السلطات، من خلال تقديم بيانات الحسابات الإرهابية إلى السلطات الحكومية المهتمّة، مشيرة إلى التعاون بين «يوتيوب» ووزارة الداخلية البريطانية في هذا الإطار.
من جانبه، قال متحدّث باسم «تويتر» إن الموقع أقر سياسات أكثر صرامة منذ انطلاق العام الجديد، تفيد بأنه «لا يجوز نشر التهديدات العنيفة أو الترويج للعنف، بما في ذلك التهديد بالإرهاب أو الترويج له. كما لا يجوز التحريض أو التورط في إساءة استغلال أو مضايقة الآخرين (...) أو مهاجمتهم مباشرة أو تهديهم على أساس العِرق، أو الأصل القومي، أو الدين، أو التوجّه الجنسي، أو الهوية الجنسية، أو الانتماء الديني، أو السن، أو الإعاقة، أو المرض»، مشيرا إلى أن الموقع يحتفظ بحق الإنهاء الفوري للحسابات التي تخالف هذه القوانين.
ولا يقتصر الإرهاب الإلكتروني على مشاركة محتويات مضللة على الشبكة، وعلى التجنيد من خلال قنوات التواصل الاجتماعي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى شن هجمات إلكترونية منظمة على مواقع حكومية رسمية أو على حسابات مصرفية أو إلكترونية خاصة لأشخاص يشغلون مناصب حساسة بهدف الاستيلاء على بيانات سرية.
بهذا الصدد، كان وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن قد أكد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن أجهزة المخابرات البريطانية تطور القدرة على شن هجمات إلكترونية على الإرهابيين والمتسللين، محذرا من أن مقاتلي تنظيم داعش يرغبون في شن هجمات إلكترونية توقع قتلى. وحذّر من أن مقاتلي التنظيم يحاولون تطوير القدرة على مهاجمة البنية التحتية لبريطانيا، مثل المستشفيات وأنظمة التحكم في المسارات الجوية، ما قد يجلب عواقب مميتة. وتابع أوزبورن في كلمة له أمام وكالة جمع المعلومات المخابراتية الرئيسية في بريطانيا، أنه ردا على هذا التهديد وغيره، تطور بريطانيا قدرات خاصة لشن هجمات إلكترونية حتى يمكن لأجهزة المخابرات تنفيذ هجمات مضادة. وشدد: «سندافع عن أنفسنا، لكننا سننقل القتال إليكم.. الدفاعات القوية ضرورية لأمننا على المدى الطويل، لكن القدرة على الدفاع شكل من أشكال الدفاع».
في هذا السياق، أوضح الزميل في مركز «روسي» البريطاني للأبحاث والخبير في شؤون الأمن الدولي، إيون لاوسن، لـ«الشرق الأوسط» أن التهديد حقيقي ولا يجب الاستهانة بحجمه، مشيرا إلى أن «ذلك نتيجة وصول جماعات غير حكومية، كـ(داعش)، إلى هذا النوع من الأدوات التقنية المتطورة». ورأى لاوسن أن قلق واستعداد بريطانيا لهجمات إلكترونية محتملة في محله، إذ إن هذه الجماعات رغم افتقارها إلى الأدوات اللازمة لشن هجمات سايبيرية قد تودي بحياة أشخاص، إلا أنها تهدف إلى امتلاكها بكل تأكيد.
وحول قدرة قراصنة سايبيريين على قتل مدنيين عن بعد، شرح لاوسن أن ذلك قد يتم بطرق مختلفة، موّضحا: «باختراق البنيات التحتية لمؤسسات أساسية كالمستشفيات والمياه والكهرباء، يستطيع هؤلاء القراصنة قطع التيار الكهربائي في وحدات العناية المركزة في البلاد، أو إطلاق كميات مهولة من الماء لإغراق البيوت الشوارع، أو غيرها». وبينما تبدو هذه الهجمات صعبة التحقيق، فإنها ليست مستحيلة. ولعل أحدث مثال عن ذلك هو الهجمة السايبيرية التي تعرضت لها مجموعة «تي في 5 موند» الفرنسية التي شهدت انقطاع بث قنواتها الـ12 لمدة لا تقل عن 18 ساعة متواصلة، في شهر أبريل (نيسان) الماضي. وتبنت آنذاك جماعة «سايبر خلافة» التابعة لـ«داعش» الهجمة الإلكترونية، إلا أن السلطات الفرنسية اتهمت مجموعة قراصنة روسيين معروفين باسم «أ. ب. ت. 28».
مواجهة الإرهاب الإلكتروني.. بين رصد المحرّضين وحماية خصوصية المستخدمين
«يوتيوب» لـ: لا تسامح مع المتطرفين.. ونكشف عن بياناتهم للحكومات
مواجهة الإرهاب الإلكتروني.. بين رصد المحرّضين وحماية خصوصية المستخدمين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة