ائتلاف الأغلبية في برلمان مصر يفشل في فرض أجندته وسط فوضى وخلافات

المجلس علق البث المباشر حفاظًا على «وقاره».. ومراقبون توقعوا ألا يكمل دورته

النائب توفيق عكاشة مكمما وقد كتب على الكمامة «ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه» ({الشرق الأوسط})
النائب توفيق عكاشة مكمما وقد كتب على الكمامة «ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه» ({الشرق الأوسط})
TT

ائتلاف الأغلبية في برلمان مصر يفشل في فرض أجندته وسط فوضى وخلافات

النائب توفيق عكاشة مكمما وقد كتب على الكمامة «ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه» ({الشرق الأوسط})
النائب توفيق عكاشة مكمما وقد كتب على الكمامة «ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه» ({الشرق الأوسط})

فشل ائتلاف الأغلبية في البرلمان المصري في فرض أجندته على أول مجلس تشريعي في البلاد بعد ثورة 30 يونيو (حزيران). وأحبط نواب في البرلمان مساعي قادة الائتلاف في العمل دون اللائحة الحالية، وإرجاء تشكيل اللجان النوعية، وسط خلافات حادة وحالة من الفوضى، تقرر على أثرها تعليق بث الجلسات على الهواء مباشرة، فيما تقدم أحد النواب باستقالته احتجاجًا على إدارة الجلسات. ويعتقد مراقبون أن مجلس النواب لن يكمل دورته البرلمانية بعد أن ظهر تصدع مبكر بائتلاف دعم الدولة وفقدانه «الأغلبية الميكانيكية».
وسادت جلسة البرلمان التي استمرت حتى ساعة متأخرة من مساء يوم أول من أمس خلافات حادة بعد محاولات قادة ائتلاف دعم الدولة تعليق العمل باللائحة والاكتفاء بالسوابق والأعراف البرلمانية في إدارة الجلسات، الأمر الذي يسمح للائتلاف أيضًا بإرجاء انتخابات اللجان النوعية.
وعلى خلفية الاحتجاج على حالة الفوضى التي سادت الجلسات، تقدم عضو المجلس كمال أحمد باستقالته، معلنًا رفضه للطريقة التي تدار بها الجلسات، كما وجه النائب سري صيام خلال جلسة أول من أمس انتقادات حادة لرئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال.
وقال النائب المستقيل، في تصريح صحافي عقب تقديمه الاستقالة لأمانة المجلس، إنه استقال اعتراضًا على طريقة إدارته (البرلمان)، وتصرفات كثير من النواب، واصفًا جلسة يوم الاثنين الماضي بأنها «شادر بطيخ، وليست مجلس نواب».
وتابع: «ما حدث من بعض النواب، ناتج عن تدني أدب الحوار، وهو ما أدى إلى ظهور جلسة أمس بذلك الشكل»، لافتًا إلى أنه لن يعدل عن قراره، وأن «الاستقالة مسببة بظروف صحية».
وسعى قادة ائتلاف الأغلبية بالتنسيق مع الحكومة، بحسب نواب في البرلمان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، إلى توزيع عدد من النواب على 6 لجان مؤقتة للنظر في القوانين التي وضعت خلال عهد الرئيس السابق عدلي منصور، والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لكتابة تقارير بشأنها وعرضها على المجلس، دون مشاورة أو توافق مع نواب المجلس.
ويلزم الدستور البرلمان بالنظر في القوانين التي صدرت في غيبته وإقرارها أو رفضها خلال 15 يومًا من انعقاده، وفي حال عدم عرض تلك القوانين على المجلس تعد ملغاة، ويزول ما كان لها من قوة القانون بأثر رجعي.
ورفض نواب في المجلس تمرير اقتراح قادة الائتلاف، وتمسكوا بالعمل باللائحة الحالية للمجلس، لحين إقرار لائحة جديدة، وقال السادات لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن أعضاء المجلس توافقوا على المقترح الذي تقدم به لتشكيل اللجان النوعية التي توزع عليها قرارات القوانين (التي صدرت في غيبة البرلمان) كل حسب تخصصه.
وفي مسعى لتجاوز الخلافات، قرر المجلس تشكيل اللجان النوعية دون إجراء انتخابات، بحيث يرأس اللجنة أكبر أعضائها سنًا ويتولى أمانة السر أصغرهم.
وأضاف السادات أنه «تم أيضًا حسم موضوع العمل باللائحة القديمة لحين تشكيل لجنة خاصة سيكون منوطًا بها وضع لائحة جديدة للمجلس، لكن الأولوية الآن هي النظر في القوانين التي صدرت قبل انتخابات البرلمان».
وأصدر الرئيسان منصور والسيسي أكثر من 300 قانون منذ يوليو (تموز) 2013، يجب على المجلس النظر فيها خلال 12 يومًا. ومن بين هذا العدد الضخم يوجد نحو 10 قوانين هي الأكثر إثارة للجدل، على رأسها قانون التظاهر، وقانون الخدمة المدنية، وقانون الإرهاب. وقرر المجلس تعليق البث المباشر لوقائع الجلسات، وقال رئيس المجلس الدكتور عبد العال إن أعضاء تقدموا بطلب وقف البث الأمر الذي قوبل بعاصفة من التصفيق من معظم النواب.
وقال السادات وهو نائب مخضرم، إن «القرار مؤقت، وجاء نتيجة ما شهدته الجلسات.. بعض النواب حديثو العهد بالمجلس وقليلو الخبرة، والقرار جاء للحفاظ على المجلس وهيبته ومراعاة للتقاليد»، مؤكدًا عودة البث المباشر في أقرب وقت «من أجل ترسيخ حق الشعب في متابعة أداء نوابه ومحاسبتهم».
لكن الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار منع البث على الهواء كان مثارًا حتى قبل انعقاد أولى جلسات المجلس.. هذه نية مبيتة ولا شأن لها بالفوضى التي سادت الجلسات الأولى».
وأضاف نافعة أن «هناك حرصًا على أن لا يظهر أن هناك خطًا معارضًا للسلطة التنفيذية داخل المجلس، خصوصًا في ظل عدم قدرة ائتلاف الأغلبية على تمرير تصوراته، هذا البرلمان مختلف لا يوجد به أغلبية ميكانيكية.. البرلمان مختلف ليس لأنه الأفضل، ولكن لأنه ولأول مرة لا يوجد به مايسترو يقود الأغلبية.. هذا لن نراه من جديد، لذلك أتوقع أن لا يكمل هذا البرلمان دورته (خمس سنوات)».
وفي أول تعليق له على قرار وقف بث الجلسات، قال رئيس مجلس النواب، إن قرار المجلس راعى أهمية إنجاز القرارات بقوانين التي صدرت في غياب البرلمان خلال 15 يومًا وفقًا للمادة 156 من الدستور. وأكد عبد العال، خلال اجتماع مع المحررين البرلمانيين قبل عقد الجلسة العامة للمجلس، أمس، أنه «لا يستطيع أن يتحمل الآثار المترتبة على عدم إنجاز هذه المهمة في ضوء المسؤولية التاريخية التي تقع عاتقه». وأضاف: «لو كانت القرارات بقوانين متعلقة بقوانين اجتماعية أو صحية كان من الممكن إسقاطها وإعداد غيرها، لكنها متعلقة ببناء المؤسسات الدستورية، وبالأخص مؤسسة الرئاسة، ومجلس النواب».
وتابع: «المجموعة الثانية من (القرارات بقوانين) متعلقة بكيان الدولة، حيث إن قانون الإجراءات الجنائية والعقوبات يأتي ضمن هذه المجموعة، وإذا لم يتم إقرارها، فسيتم الإفراج فورًا عن كل من ارتكب جرائم إرهابية، ولا أستطيع أن أتحمل هذه الآثار.. هذه مسؤولية تاريخية على المستوى الشخصي».
وفي رفض على ما يبدو لقرار منع البث، ظهر النائب توفيق عكاشة في أروقة المجلس مكممًا، وكتب على شريط لاصق غطى فمه عبارة: «ممنوع من الكلام بأمر الحكومة داخل المجلس وخارجه».
من جانبه، قال النائب جمال شيحة لـ«الشرق الأوسط» إن قرار تعليق البث سلاح ذو حدين، فمن حق الناس معرفة ما يدور بالمجلس، لكن لا يجب أن يكون ذلك أداة للاستعراض من جانب بعض النواب.
وأضاف أنه لم يشارك في اتخاذ القرار لكنه أميل إلى الموافقة عليه لكونه يحفظ وقار وهيبة المجلس. من جهتها، رأت المستشارة تهاني الجبالي، أنه «يُنتظر من برلمان جاء بعد ثورتين (في إشارة لثورة 25 يناير و30 يونيو) أن نشهد خطوات للأمام لا خطوات إلى الخلف.. من حق الشعب أن يتابع أداء البرلمان المنوط به مهام جسام.. هذا قرار لا يسعدنا بكل تأكيد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».