احتفالية الكرة الذهبية التي أقامها الفيفا مفرطة ومبالغ فيها من دون شك، لكن ساحر برشلونة استحق الفوز بالجائزة. حتى الفيفا يفهم الأمور على النحو الصحيح في بعض الأحيان. أمام الحشد المعتاد في زيوريخ، والذي يضم أصحاب النفوذ، وأساطير الكرة السابقين، والنجوم أصحاب البذلات السوداء، تلقى ليونيل ميسي جائزة الكرة الذهبية لعام 2015. ومن زاوية معينة، من المثير ببساطة أن يتساءل المرء عن سبب هذا الضجيج. لنكن صادقين، ففوز ميسي بالجائزة ليس بالأمر الجديد، أليس كذلك؟
ربما يكون الفيفا حريصا على تقديم نفسه على أنه السيد والمدير والأب الروحي لكرة القدم من دون منازع. لكن أي شخص لديه ولو معرفة سطحية بالعروض الاستثنائية التي قدمها ميسي بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران)، يدرك من دون أدنى شك أنه أفضل لاعب كرة على وجه الأرض. في لندن، كان ديفيد كاميرون قد أبلغ العالم – قبل ساعات من وفاة ديفيد بوي المغني الإنجليزي الشهير - بأن هذا الفنان الموهوب كان بارعا جدا في الموسيقى. في كثير من الجوانب يكون الحدث السنوي الذي يبالغ الفيفا في الاحتفال به مثيرا لنفس رد الفعل. الاعتراضات على حفل الفيفا هي اعتراضات مألوفة. فهناك عدم ارتياح معين تجاه تقديس النجوم والإعجاب المفرط بالأفراد، على الأقل، خاصة أن الجزء الأكبر من نجاح ميسي كان يعتمد على الأداء المنسجم للثلاثي الذي يشكل أحد أضلاعه، ويضم نيمار ولويس سواريز. ويتصل هذا بالتسويق القوي والرعاية، وانتهازية الشركات التي تحرك هذا الإفراط في الإعجاب بالنجوم. إن كل طفل يلعب كرة القدم في العالم يحلم بالحصول على حذاء ميسي من ماركة «أديداس» (وفي حالة تعذر الحصول عليه، شراء حذاء من نوع «سي آر 7»). ربما ليس هناك ضرر في هذا، لكنه يستحق التأمل في من يحرك ويقف وراء هذا الشغف بلا هوادة.
بالطبع هذا بالإضافة إلى الطبيعة السيئة لأي جائزة تمنح في يناير، في رياضة لها تقويم مختلف عندما يتعلق الأمر بلغة النضال والانتصار. لطالما كانت القصة تتمثل في الموسم، والقدرة على الأداء والنضج وحل المشكلات من الخريف إلى الشتاء إلى الربيع. كان هذا هو العزاء الحقيقي لموسم 2014 - 2015 المثير لميسي: بداية متعثرة، قبل استعادة البريق، وانطلاقة غير عادية من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار)، وكان كل هذا لافتا بالنظر إلى البداية المتعثرة. وكانت آخر 6 أشهر في 2015 بداية شيء آخر، وهو قصة منفصلة لم يكتمل نصفها الآخر. لكن انتظروا، فهنا يأتي الفيفا بكرته الذهبية وابتساماته المصطنعة وسيطرته الحديدية. الجميع يشيدون بما شاهدتموه بالفعل قبل سنوات سابقة. ومع هذا: الجدال صعب نوعا ما هذه المرة، فبعد الهجوم عليه، وتعرضه لكل ما سبق، تظل الحقيقة أنه ليست هناك لحظة سيئة للاحتفال بعبقرية حقيقية. وهذا جزء آخر من نوع التألق السخي والخاص الذي يتمتع به ميسي، وهو قدرته على إنقاذ الاحتفال غير اللائق الذي أقامه الفيفا لمنحه هذه الجائزة الكبرى. بل هو حتى بالنسبة إلى المشككين في الجائزة انتصار حقيقي مهم على عدة جبهات. أولا، بالنسبة لميسي، أن يستعيد مكانته كأفضل لاعب في العالم بعد ستة أعوام من حصوله عليها لأول مرة، و3 سنوات منذ آخر مرة حصل عليها، يعد أمرا كاشفا عن قدرة فائقة على الاستمرار. وإلى جانب هذا، دعونا نواجه الأمر، فقد كان ميسي سعيدا. كان أداؤه قويا ومؤثرا على نحو مستمر وغريب في آن معا، من بداية يناير وصولا إلى نهائي دوري الأبطال الأوروبي، وهي الفترة التي سجل خلالها 34 هدفا في 34 مباراة، وقاد فريقا رائعا إلى العظمة.
لدينا هنا لاعب كان يبدو منهكا من الناحية البدينة بنهاية كأس العالم 2014، وبدا أنه قد دخل في فترة تغيير ومواءمة، كما بدا أنه فقد بعضا من جرأته المعهودة في بداياته. لكن الأمر ليس كذلك، كما اتضح. إن ميسي لم يستعد مستواه السابق هذا العام فحسب، بل تجاوزه. كما كانت عروضه لافتة كثيرا، لكن ببساطة هو يستحق هذه الإشادة بوضوح عن أدائه خلال المباراة الأولى لنصف نهائي دوري الأبطال الأوروبي ضد بايرن ميونيخ. في أقوى مباراة في الموسم، وفي لحظة تاريخية مهمة، كان ميسي ساحرا، فعلى مدار 80 دقيقة تلاعب النجم الأرجنتيني بالكامل بفريق يعج بنخبة من نجوم العالم، حتى أجبره على الاستسلام. كانت الضربة الحاسمة تماما هي واحدة من لحظات إبداع ميسي، عندما راوغ المدافع جيروم بواتينغ، الذي سقط مستسلما، سقوط السائر النائم إلى الأريكة، ثم لعب الكرة من فوق مانويل نوير ورافينيا، تاركا 3 لاعبين من الفريق المنافس ممدين على ظهورهم، وليسقط خط الدفاع بالكامل في 5 لمسات مثالية.
وقد كان هناك الكثير من اللحظات الأخرى التي لا تنسى. في فبراير (شباط) قدم على مدار 20 دقيقة فاصلا ساحرا من المراوغات والتمرير واللعب الجماعي، الذي دفع بأحد المراقبين للقول بأن ذلك كان أفضل استعراض فردي للكرة الهجومية تشهده إنجلترا. سيثير هذا أصوات اعتراض، ولكن لو اتفقنا على استمرار معدلات زيادة السرعة والقوة في اللعبة، وعلى أن ميسي واحد من أفضل اثنين أو 3 لاعبين في تاريخ اللعبة، فلماذا لا يكون ما قدمه ميسي أفضل استعراض فردي؟ لقد فاز كريستيانو رونالدو بجائزة كبرى عن جدارة في العام الماضي. وهذه المرة يضيف ميسي بريقا إلى اللعبة نفسها. وبالنظر إلى طبيعة أدائه من حيث تمريراته، ومراوغاته وتقديمه لمحات لافتة من التألق، فربما يكون السؤال الحقيقي الوحيد، ليس ما إذا كان الأفضل الآن، أو الأفضل في هذا العصر، وإنما ببساطة الأفضل على الإطلاق. المقارنة بين العصور المختلفة هي أمر لا طائل منه بطبيعة الحال، فالمطالبات والنغمة الرئيسية والتشكيل، كلها تتغير على مدار الوقت. وعلى الرغم من هذا، فمن الصعوبة بمكان، في ظل مشاهدة ميسي هذا العام، تخيل أي لاعب على الإطلاق قدم أداء أفضل منه.
قد تكون هناك تحفظات على تفوق برشلونة كذلك. والحقيقة أن ميسي تألق في فريق واحد فقط، وهو فريق كان - خلال 80 في المائة من الوقت الذي قضاه ميسي ضمن صفوفه، وحتى من دون وجوده - أفضل فريق على وجه الأرض. مرة أخرى، يبدو هذا اعتراضا لا هدف له، بالنظر إلى مستوى ميسي الرفيع دائما. هو من هو: ميسي لاعب برشلونة، عبقري متواضع وحاسم ويعتمد عليه باستمرار. وللمرة الأولى هذا العام، هناك ربما شعور بأننا يجب أن نعصر آخر قطرة من هذا العصر الذي أصبح فيه الإبداع الفردي نادرا. سيكمل رونالدو عامه الـ31 الشهر المقبل، في حين يكمل ميسي 29 عاما في يونيو. وسيكون وجه المقارنة السليم الوحيد لهذين اللاعبين الذين يشكلان علامة هذا العصر متمثلا في الفجوة التي سيتركانها عندما يعتزلان اللعب. وفي الوقت الراهن، فإن أفضل سياسة هي ربما ببساطة الاحتفال وهما لا يزالان بيننا: استمروا في مشاهدتهما، واستمتعوا بآخر قطرة من إبداعاتهما، ولا تضيعوا ثانية واحدة.
ميسي.. هل هو الأفضل الآن أم في كل العصور؟
الساحر الأرجنتيني الصغير أسطورة من 5 نجوم
ميسي.. هل هو الأفضل الآن أم في كل العصور؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة