كابل تطالب إسلام آباد بوقف مساعدات طالبان تمهيدا لمحادثات السلام

وسط اتهامات بدعم الجيش الباكستاني لمقاتلي الحركة عسكريا وماليا

جانب من الاجتماع التمهيدي لمحادثات السلام الرباعية بين كابل وطالبان أمس في إسلام آباد (إ.ب.أ)
جانب من الاجتماع التمهيدي لمحادثات السلام الرباعية بين كابل وطالبان أمس في إسلام آباد (إ.ب.أ)
TT

كابل تطالب إسلام آباد بوقف مساعدات طالبان تمهيدا لمحادثات السلام

جانب من الاجتماع التمهيدي لمحادثات السلام الرباعية بين كابل وطالبان أمس في إسلام آباد (إ.ب.أ)
جانب من الاجتماع التمهيدي لمحادثات السلام الرباعية بين كابل وطالبان أمس في إسلام آباد (إ.ب.أ)

انطلقت أعمال الاجتماعات التحضيرية للحوار الأفغاني في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، أمس، تشارك فيها أربع دول هي باكستان وأفغانستان والصين والولايات المتحدة.
وافتتح مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، أعمال الجلسات التحضيرية محذرا من وضع شروط مسبقة للحوار. وجاء ذلك كرد على مطالبة الوفد الأفغاني، قبل بدء أعمال المؤتمر، الحكومة والجيش في باكستان بالقيام بحملة ضد قيادات طالبان التي قال إنها مقيمة في مدينتي كويتا وبيشاور الباكستانيتين، وذلك بمنع هذه الشخصيات القيادية في طالبان من العودة إلى أفغانستان وقطع المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها باكستان إلى قادة الحركة، على حدّ قوله.
وطالب سرتاج عزيز في كلمته بأن يكون الحوار أفغانيا حصريا، وأن يقتصر دور الدول المشاركة في الاجتماعات التحضيرية على تسهيل عملية الحوار وليس التدخل في أجندته ونقاط الحوار المطروحة فيه.
وتأتي الاجتماعات التحضيرية بعد قرابة ستة أشهر من الجولة الأولى للحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية في بلدة مري القريبة من إسلام آباد. وتوقف الحوار بين الطرفين بعد تسريب الاستخبارات الأفغانية نبأ وفاة الملا محمد عمر، مما أحدث نزاعا على القيادة بين مسؤولين في حركة طالبان الأفغانية.
من جهتها، اتهمت الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إبقاء الحكومة الأفغانية على رأس السلطة في كابل، باكستان بدعم مقاتلي طالبان وعدم التخلي عنهم حتى الآن. ووجه زلماي خليل زاد، السفير الأميركي السابق لدى أفغانستان، اتهامات للجيش الباكستاني تفيد بأن الاستخبارات والجيش في باكستان لن يتخليا عن طالبان، كما لن يسمح الجيش بإغلاق معسكرات تدريب المقاتلين من حركة طالبان الأفغانية.
وجاءت تصريحات خليل زاد لتلقي بظلالها على المؤتمر التحضيري للحوار الأفغاني، حيث أشار في مقالة رأي نشرت أخيرا إلى أن الجيش الباكستاني لم يفكر مطلقا باتخاذ أي خطوة من أجل دفع عملية السلام الأفغانية للأمام، من خلال إغلاق كامل لمعسكرات تدريب شبكة حقاني وحركة طالبان في الأراضي الباكستانية حسب قوله. وطالب خليل زاد، وهو أول سفير لواشنطن في كابل بعد سقوط حكم طالبان، وارتبط بعلاقات متوترة مع الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي والرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، باكستان باعتقال قادة طالبان أفغانستان الذين لا يريدون الحوار والسلام مع الحكومة الأفغانية.
من جهته، قال الوفد الأفغاني الذي يرأسه خليل حكمت كرزاي، نائب وزير الخارجية الأفغاني، إن أهم نقاط الخلاف مع الجانب الباكستاني هي وجود ما سماه «جماعات إرهابية» على الأراضي الباكستانية تقاتل ضد الحكومة الأفغانية في كابل، مثل شبكة حقاني التي تتخذ من باكستان مقرّا لها. وأشارت وثائق صادرة عن القصر الرئاسي الأفغاني إلى أن شبكة حقاني وبنيتها التحتية وأنصارها وقيادتها ما زالوا يتخذون من الأراضي الباكستانية ملاذا لهم، وأنه تم تسليم كثير من الطلبات للحكومة الباكستانية بالتحرّك مباشرة ضد شبكة حقاني، غير أنها لم تقم بأي خطوة في هذا الاتجاه حتى الآن.
إلى ذلك، شدد الرئيس الأفغاني أشرف غني على موقف حكومته قبل بدء أعمال الاجتماعات التحضيرية للسلام في أفغانستان بقوله إن بلاده لن تضع استقلالها أو دستورها على طاولة الحوار من أجل السلام.
في سياق متصل، التقى المبعوث الأميركي لأفغانستان، ريتشارد وولسون، بقائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف لحثه على دعم المؤسسة العسكرية الباكستانية لعملية السلام في أفغانستان. وكان راحيل شريف زار الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث طلبت منه القيادة الأميركية التدخل لدعم عملية الحوار بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
وفيما تناقش الدول المجتمعة في إسلام آباد آليات الحوار والسلام في أفغانستان، فإن كابل أكدت أن باكستان ستعد قائمة بأسماء قيادات طالبان التي تقبل بالحوار مع الحكومة الأفغانية، وهو ما لم تؤكده باكستان أو طالبان أفغانستان. وكانت قيادة طالبان أفغانستان فصلت كلا من ملا عبد الرزاق، وزير الداخلية السابق في الحركة، وملا حسن رحماني، حاكم قندهار السابق، بسبب لقائهما وفدا حكوميا أفغانيا في بلدة أورومتشي الصينية قبل عدة أشهر دون تفويض من قيادة طالبان.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».