هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

دستور المتطرفين الذي سعى إلى استدعاء الصدام مع الغرب عبر العنف الشديد

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»
TT

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

يلف الغموض هوية المؤلف الحقيقي لكتاب «إدارة التوحش»، الذي يعتبره كثيرون دستور الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام. وفي التحقيق التالي نشير إلى شخصيتين يختلف المطلعون على نشاطات هذه الحركات ومتابعو مسيرتها على نسبة مؤلف الكتاب إلى إحداهما. الشخصية الأولى «أبو مصعب السوري» أو «عمر عبد الحكيم» أو «مصطفى عبد القادر»، وهو مسجون في أحد سجون النظام السوري. والثانية «محمد خليل الحكايمة»، الذي قتل بغارة «درون» أميركية عام 2008 في إقليم وزيرستان الباكستاني على الحدود مع أفغانستان.

في عام 2008، عثرت الاستخبارات الأميركية على وثائق ورسائل موجهة من أسامة بن لادن وإليه تشمل فصولا من كتاب غريب، لم تكن أجهزة الاستخبارات هذه على علم بأن المتطرفين يتداولونه بينهم بكثير من الاحترام والقدسية. وهذا الكتاب يحمل عنوان «إدارة التوحش»، وهو مؤلف صغير الحجم (113 صفحة)، لمؤلف مجهول يحمل اسم «أبو بكر ناجي».
تختلف المعلومات هنا اختلافا كبيرا. ففي العاصمة البريطانية لندن ثمة من يعتقد الآن على نطاق واسع أنه «أبو مصعب السوري» الذي وضع العديد من المؤلفات التي تدعو إلى التطرف، وكان يوقع باسم عمر عبد الحكيم. وهو محتجز الآن في سجون النظام السوري، ويعرف هناك باسم مصطفى بن عبد القادر. وحسب هؤلاء فإن من أبرز كتبه في عدة أجزاء «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، و«المنهج والعقيدة القتالية»، و«التربية والعقيدة القتالية»، و«الجبهات والجهاد الفردي»، و«الأسس الشرعية للإرهاب»، و«التدريب والإعلام والتمويل» وكتبه أبو مصعب السوري إبان وجوده في أوروبا بين إسبانيا وبريطانيا ودول أخرى. وكان «أبو مصعب» واحدا من 35 شخصا تضمنتهم لائحة اتهام من 695 صفحة أصدرها القاضي الإسباني بلتازار غارزون في سبتمبر (أيلول) 2003. ودعت لائحة الاتهام إلى القبض على 34 رجلا آخر، بينهم أسامة بن لادن، بتهم تتضمن عضوية جماعة إرهابية والتخطيط لأعمال إرهابية.
لكن على الجانب الآخر، يتجه عدد من منظرّي «القاعدة» للقول إن مؤلف «إدارة التوحش» - أي «أبو بكر ناجي» - هو محمد خليل الحكايمة، مسؤول الدعاية في «القاعدة»، الذي عاش في بريطانيا لفترة قصيرة، مثل أبو مصعب السوري، بعد طلبه اللجوء السياسي قبل أن يفرّ في أعقاب وضع اسمه على لائحة الإرهاب الأميركية بجانب بن لادن زعيم «القاعدة» الراحل، ثم يقتل في غارة «درون» (طائرة من دون طيار) أميركية في إقليم وزيرستان بباكستان عام 2008.
الكتاب حقا دليل مخيف على تكتيكات عنيفة جدا احتضنت اليوم من قبل تنظيم داعش وقائده أبو بكر البغدادي. ويقترح الكتاب أن يعمل المتشددون على جر الولايات المتحدة إلى حرب ستتحول في نهاية المطاف إلى «حرب استنزاف» قد تجبر الولايات المتحدة على الاستسلام. وتتطلب هذه الاستراتيجية استقطاب العالم الإسلامي وإقناع المسلمين المعتدلين الذين كانوا يأملون بالحماية من جانب الولايات المتحدة بأن هذا الأمر لا يجدي نفعا. وفي مطلق الأحوال كتب «ناجي» خطة الحرب في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003. وكان الموضوع الرئيسي له الحاجة إلى جر الولايات المتحدة إلى أعمق نقطة في الصراع عبر أراضي المسلمين، مع التركيز على تقويض القوة الأميركية عبر العنف الشديد الذي كلما ازداد وحشية يصبح أفضل، كما يكتب المؤلف.
إنه ليس مجرد العنف المتطرف الذي يسعى لإضعاف الغرب، لكنه يسعى أيضا إلى إجبار المسلمين على الاختيار. في الاضطرابات بالأراضي العربية المستقرة سابقا، فإن من سموا بـ«الجهاديين» يستمدون أسماءهم من خلال «إدارة التوحش». ويحث المؤلف «أبو ناجي» في الكتاب القرّاء على مراجعة كتب إدارة الأعمال، ويرى أن فترة «إدارة التوحش» هي الأخطر على الأمة، وذلك بالتحول من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية التي يصفها بـ«المرتدة»، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل بالغرب عموما، والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل خصوصا. وللعلم، الكتاب متاح بأكثر من 15 ألف رابط على شبكة الإنترنت، ولقد ترجمته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للغة الإنجليزية تحت عنوان «إدارة الوحشية»، وهو محظور في العديد من الدول العربية.
«التوحش»، كما يعرفه الكتاب، حالة من الفوضى تدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها، ويصار إلى استغلالها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة الحديدية أو ضعفت. وهذه الحالة من الفوضى ستكون «متوحشة» وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على «القاعدة» - التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية - أن تحسن «إدارة التوحش» إلى أن تستقر الأمور.
ويركز المؤلف على التنظير لما بعد مرحلة سبتمبر 2001، وضرورة استدراج الولايات المتحدة إلى حروب خارج الأراضي الأميركية، لتشتيت قواتها وإضعافها، وهذا ما يفسر تركيزه على العمليات الإرهابية التي تمت في السعودية منذ عام 2003 وتفجيرات بالي بإندونيسيا، وغيرها، للاستفادة منها في عمليات جديدة.
خبراء الأمن لا يجزمون حيال شخصية «أبو بكر ناجي» مع اتفاقهم على أنه شخصية غير حقيقية لشخص محدد.. «وهو في نهاية الأمر اسم حركي مستعار، وليس اسما حقيقيا لشخص معروف، وقد يكون هذا الكتاب هو من صنع (مجموعة عمل) وليس بالضرورة أن يكون شخصا واحدا محددا». لكن اللافت أن أبو مصعب السوري في بيانه ذي الـ1600 صفحة تحت اسم «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، يرى أن ما يسمى «النموذج المركزي لإدارة الجهاد» لا يمكن أن يتغلب على الجيش الأميركي بإعداداته التقنية المتقدمة، وأن التحالفات الأمنية الإقليمية مثل التحالف بين واشنطن وإسلام آباد، يعرض النموذج المركزي للخطر، ولذا يجادل بأن اللامركزية تجعل ما يسمى «السرايا الجهادية» في مأمن من الاكتشاف. وعليه فإن تشخيص أبو مصعب السوري يعني أنه على المقاتلين أن ينخرطوا بالتدريب في معسكرات إقليمية متحركة. وكتاب «إدارة التوحش» يجادل بأنه يتعين على من يسميهم «المجاهدين» إن هم سيطروا على منطقة ما أن يقيموا فيها إمارة لتطبق الشرع ورعاية مصالح الناس فيها من طعام وعلاج، في حين تتولى القيادة العليا (المركزية) التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويات.
ونظرية «أبو بكر ناجي» هي ما عليه «القاعدة» اليوم لأسباب كثيرة، ربما كانت فيها العوامل الخارجية الأكثر تأثيرا، فكلما اكتسبت «القاعدة» مكامن آمنة في سوريا والعراق وما خلفهما، تغدو نظرية المؤلف هي الأنسب.
وحقا «القاعدة» نفسها مرّت بمخاض فكري داخلي حول المستقبل، إذ قدّم «أبو مصعب السوري» - أحد أبرز منظّري «الجهاد» - نموذجا مركزيا لإدارة القتال، في حين يقدم أبو بكر ناجي نموذجا لا مركزيا. ومع أنه من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه استراتيجيات وتكتيكات المواجهة المقبلة، فالمؤكد أن العالم الجديد بما فيه الشرق الأوسط الجديد الذي هو قيد التشكل يمر بمخاض عسير ومكلف. ولا يبدو فيه العرب إطلاقا في أحسن الأحوال، خاصة أن حالات التشظي بالانتظار.
من ناحية أخرى، أكدت جماعات مطلعة في لندن لـ«الشرق الأوسط» أن الحكايمة إنما هو الذي كتب «إدارة التوحش» خلال فترة وجوده في إيران. وكانت مصادر مطلعة في العاصمة البريطانية قد كشفت أيضا عن معلومات موثقة بأن أجهزة الأمن الإيرانية أبرمت اتفاقا مع الحكايمة قبل انتقاله إلى بريطانيا طلبا للجوء السياسي، تتعهد فيه بحمايته وإيوائه مقابل إدارته إذاعة موجهة من طهران لتكون بوقا لعناصر من «القاعدة» وعدد من المطلوبين من عناصر الجماعة الإسلامية لدى الدول العربية.
وأردف هؤلاء أن «إدارة التوحش» كتبه تنظيم القاعدة ووضع فيه معالم فكره المتسم «بصناعة الفوضى والقتل والتدمير والإفساد في الأرض والهيمنة على البلاد التي يريدون السيطرة عليها».
في مطلق الأحوال تحول كتاب «إدارة التوحش» إلى ما يشبه الدستور للمقاتلين المتشددين. ولذلك، وبمجرد جمع كل أجزائه، تولى «مركز مكافحة الإرهاب» في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت ترجمته إلى الإنجليزية، ومنحه عنوانا آخر هو «إدارة الوحشية»، وجرى توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأميركية والمسؤولين في وزارة الدفاع. ولكن بعد أقل من سنتين من إعلان ما سمي بـ«دولة الخلافة»، استطاع تنظيم داعش أن يخلق حالة من الخوف والدهشة والارتياب لدى جميع المتابعين عبر العالم. إذ ظهرت حالة مؤسسة من الرهبة وفق تنظيم أبو بكر البغدادي في إشاعتها وتسويقها، وثمة ترتيب محكم ومدروس لصناعة الرعب هذه. وفي الوقت الذي كان فيه «داعش» يتمادى في بربريته وتسجيل تقدمه في مناطق واسعة، كان خصومه والمحللون السياسيون والجواسيس والصحافيون يبحثون عن سر هذا التوسع المخيف الذي نجح في تحقيقه أصحاب الرايات السوداء.
لقد تحدث عبد السلام فرج، المنظّر الأول للحركات المتطرفة عن «الجهاد»، فعدّه «الفريضة الغائبة» قبل صدور «إدارة التوحش» بسنوات، مع أن فرض «الجهاد» لم يكن غائبا عن الأمة في أي مرحلة من مراحل حياتها، وبخاصة حين كانت تستدعي هذه المرحلة «الجهاد»، فإذا رأينا أن «الجهاد» هو «الجانب القتالي من الدين الذي يستخدم فيه المسلم بدنه وسلاحه، ويكون جنديا ضمن تشكيلات قتالية، فإننا نقر بأنه لم يكن غائبا عن الأمة في العصر الحديث». من جهته، يؤكد الدكتور هاني السباعي، مدير مركز «المقريزي» للدراسات في لندن، أن مؤلف كتاب «إدارة التوحش» هو محمد خليل الحكايمة، الذي عرف بكنية (أبو جهاد)، وهو قيادي الجماعة الإسلامية بأسوان، ثم انشق عن الجماعة احتجاجًا على مبادرتها الشهيرة - أي المراجعات الفكرية والفقهية التي على أساسها تم الإفراج عن أفرادها.
حسب السباعي، فإن الحكايمة هو المؤلف الحقيقي لـ«إدارة التوحش»، وأنه كتبه إبان وجوده في إيران. وقد سبقه كتاب آخر شهير له اسمه «وهم القوة». وأضاف السباعي: «انضم الحكايمة وهو من مواليد 1961 إلى (قاعدة الجهاد) بمبايعته لأيمن الظواهري في التسعينات. وعمل في بيشاور (بشمال غربي باكستان) في مجال الإعلام، ثم في إذاعة فلسطين من إيران في ذلك الوقت، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا طلبا للجوء السياسي. ومن هناك رحل مرة أخرى إلى إيران مع أسامة حسن، صهر الظواهري، ومنها إلى إقليم وزيرستان الباكستاني الحدودي». ويفصّل السباعي - وهو باحث إسلامي مصري - أنه في عام 1999 بعيد وصوله إلى بريطانيا أصدر جاك سترو، وزير داخلية بريطانيا يومذاك، أمرا باعتقاله لقوة علاقته برفاعي طه (أبو ياسر) المسؤول العسكري لما يسمى بـ«الجماعة الإسلامية» ومهندس محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا (1995)، ففر إلى إيران، ثم الشريط الحدودي في أفغانستان.
وتابع السباعي، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، أنه تلقى من الحكايمة قبل مقتله عام 2008 بيان «الثابتون على العهد» عبر البريد الإلكتروني، بهدف توزيعه على وسائل الإعلام العربية والغربية. وقال إن الحكايمة يدافع عن نفسه، وهو يريد أن يقول إن وضع اسمه على قائمة المطلوبين إلى جانب بن لادن لا يخيفه، لأنه تعرض للموت عدة مرات في مصر وباكستان وأفغانستان. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها خصصت مكافأة بقيمة ثلاثة ملايين دولار، مقابل اعتقال ثلاثة قياديين من «القاعدة»، هم محمد خليل الحكايمة (أبو جهاد) والليبي عطية عبد الرحمن، الفقيه الشرعي وخبير المتفجرات، وعبد الهادي العراقي الذي كان رجل بن لادن في أرض الرافدين. وظهر الحكايمة أو «أبو جهاد المصري» عام 2006 في شريط فيديو إلى جانب أيمن الظواهري الرجل الثاني في «القاعدة» حينها، وأكد أن مجموعته المتطرفة (الجماعة الإسلامية) انضمت إلى «القاعدة».
الحكايمة كان يعتبر أن مهمات «إدارة التوحش» هي «نشر الأمن الداخلي، وتوفير الطعام والعلاج، وتأمين منطقة التوحش من الأعداء، وإقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش، ورفع المستوى الإيماني أثناء تدريب شباب منطقة التوحش على القتال، وبث العيون، واستكمال بناء جهاز الاستخبارات المصغر».
ويقول السباعي، الذي كشف أنه عرف الحكايمة عن قرب واستقبله في منزله بلندن عدة مرات قبل أن يرحل عن بريطانيا، إن أفكار الحكايمة تتلخص في أن بيئة التوحش هي أفضل بيئة للجماعات المتشددة، حيث يمكنهم إثارة الفوضى، وتدريب أنفسهم، وجذب مزيد من الأنصار. ويحث الحكايمة على استهداف المصالح النفطية للدول والمنتجعات السياحية وكل ما من شأنه استنزاف هذه الدول، منبها إلى ضرورة اعتماد أقصى درجات الشدة عند تنفيذ المهمات في مرحلة شوكة النكاية، ولا مانع من تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه، وهو ما يفعله «داعش» اليوم.
اليوم يعتبر كثير من الخبراء «إدارة التوحش» من الكتب التأسيسية التي أثرت في تشكيل تنظيم داعش، مع أن مؤلفه كتبه قبل تأسيس «داعش» بعدة سنوات، وهو مهم أيضا لفهم خطاب الحركات المتطرفة في سوريا خاصة «داعش» و«جبهة النصرة»، وهو الكتاب الثاني الذي صحت نسبته إلى «القاعدة» بعد كتاب «الفريضة الغائبة» لعبد السلام فرج.
ولكن مثلما كان الخطأ الأبرز في كتاب «الفريضة الغائبة» تضخيم «حكم الجهاد»، وقع كتاب «إدارة التوحش» في الخطأ نفسه، مضخما «حكم الجهاد». وجرى تشكيل «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» بين حركتي «القاعدة» و«الجهاد» اللتين كان يرأسهما أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في قندهار في 23 فبراير (شباط) 1988، ثم جاءت بعد ذلك العملية المزدوجة في تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا خلال أغسطس (آب) 1988، والتي كانت ثمرة لتشكيل ما سمي «قاعدة الجهاد» وخطوة في تحقيق أهداف التنظيم الجديد.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.