«الكارهون الثمانية» (The Hateful Eight) هو وسترن جديد من المخرج كوينتين تارنتينو أنجزه بعد تمنع. في مطلع العام الماضي أعلن عن أنه حذف المشروع من جدول أعماله عندما أفاق ذات يوم ليجد أن سيناريو الفيلم تسرّب إلى شاشات الإنترنت. لكن تارنتينو لم يرغب فعلاً في إلغاء الفيلم. كان يحب ما كتبه والعالم الذي يريد تصويره والمسائل الشائكة التي يريد تناولها في هذا الفيلم.
ما فعله هو أنه غير من السيناريو بحيث لم يعد تكملة لفيلم الوسترن السابق «دجانغو طليقًا» (2013)، وغيّر كذلك من مشاهد عدّة جاعلاً الشخصيات تلتقي في مكان واحد طوال الوقت عوض النسخة القديمة التي تعددت فيها أماكن اللقاء.
النتيجة هي الماثلة على الشاشات الأميركية (والعالمية) اليوم، التي ما زالت تستطيع أن تفاجئ حتى أشد متابعي المخرج معرفة. العنف الذي يحتويه الفيلم ليس جديدًا على شاشة تارنتينو، لكن استخدامه في إطار حكاية هي عنيفة حتى في أوقات لا عنف ظاهرًا فيها، هو ما يمنح الفيلم الوحشية التي تميّزه، عانى منها، كما يرى البعض، أو لم يعان.
ساعات
«الكارهون الثمانية» حكاية كان يمكن لها، في العصر الذهبي لسينما الوسترن، أن تسرد في ساعة ونصف. لك أن تتخيل راندولف سكوت أو غاري كوبر في دور رجل وجد نفسه في صراع بين أعداء. عليه أن يتخلّى عن حياده. هناك هجوم وشيك من محاربي قبيلة الشايين وعلى الجميع أن يتغلّبوا على مواقفهم الفردية ويواجهوه.
لكن هذا ليس «الكارهون الثمانية»، واستنساخ مواقف تقليدية من أفلام الوسترن القديمة ليس من اهتمام المخرج تارنتينو. عوض كل ذلك: هذه عصبة من الناس الذين يسردون علينا في نحو ثلاث ساعات حكاية خديعة يتم التخطيط لها ومجموعة من المكائد والمواجهات بحيث يتقلص العدد من ثمانية إلى اثنين، ربما أو لن يبقى منهما أحد. كل يكره الآخر، والسبب يتراوح من الرغبة في التغطية على جريمة قتل سابقة إلى تناقض المواقف السياسية حول الحرب الأهلية الأميركية والحرية التي آلت إلى الأفرو - أميركيين تبعًا لها.
المشهد الواحد قد يحتل الفصل بكامله، كما الحال في مطلع الفيلم عندما يلتقط صائد المجرمين جون روث (كيرت راسل) المجند السابق ماركيز (سامويل ل. جاكسون) في منطقة ثلجية مهددة بالمزيد من العواصف. أمس ينتهي مشهد اللقاء وما فيه في خمس دقائق، بعدها يعتلي ماركيز الأسود العربة التي يجلس فيها البيض. في هذا الفيلم هناك نحو ثلث ساعة من الحوار قبل صعود ماركيز العربة، ونحو عشر دقائق من الحوار داخل العربة بين جون وماركيز والمرأة التي يقودها جون للعدالة (جنيفر جاسون لي).
حين وصول المركبة إلى البناء المشيد في اللامكان، للراحة وانتظار مرور العاصفة، يبدأ الشطر الثاني من الفيلم الذي يمتد لنحو ساعتين.
ليس هناك في الساعتين المذكورتين ما لا يمكن اختصاره أيضًا إلى ساعة باستثناء أن تارنتينو لا يكترث لأن يروي حكاية بل اهتمامه يتركز على تقديم شخصيات. لكن هناك شيئان يجلبهما المخرج من الماضي: التصوير بكاميرا 65 مم مع نتيجة عرضها 70 مم ما تطلّب من صانعي الفيلم إقناع 69 صالة أميركية على نفض الغبار عن آلات العرض القديمة وإعادة تشغيلها. فآخر مرّة تم عرض فيلم بهذا المقاس كان قبل 50 سنة عندما قام باسيل ديردن بإخراج «الخرطوم»). كذلك بجلب موسيقى من الإيطالي إنيو موريكوني صاحب تلك المقطوعات التي ساعدت المخرج الراحل سيرجيو ليوني على تتويج أفلامه الوسترن التي أخرجها («لأجل حفنة دولارات» و«الطيب والسيئ والبشع» الخ…).
أكثر من مرّة
لكن الفيلم، وهذه معجزته الأولى، ليس مملاً رغم طوله وثرثراته الحوارية. فمن خصال تارنتينو القدرة على استحواذ الاهتمام بما يقوله الممثل في أي وقت، لأن ما يقوله لا يكشف فقط عن خلفيّته بل يقود إلى اكتشاف جديد. هذا الجديد عادة ما يكون صدامًا داميًا. الملجأ الكبير الذي أمّه صائد المجرمين وطريدته المقبوض عليها وسائق العربة والجندي ماركيز أصبح ملجأ عصابة قتلت النساء الأفرو - أميركيات اللواتي كن يديرهن وانتظرت وصول العربة، لأن المرأة الملقى القبض عليها هي شقيقة رئيس الجناة. هناك كثير من المفاجآت، وما سبق من شرح ليس سوى قدر ضئيل لا يكشف عن الحكاية وما يقع فيها. إلى هذا الخضم سيحاول كل فرد أن يفتك بالآخر. كلما طال مشهد حواري قطعه المخرج بحدث عنيف (أعنفها قبل ثلث ساعة من نهايته).
المشتبه بهم المعتادون من الممثلين الذين وقفوا تحت إدارة تارنتينو من قبل، هم في هذا الفيلم أيضًا: تيم روث ومايكل ماسدن كانا في «كلاب المستودع» (فيلم تارنتينو الأول، سنة 1992)، بينما هذا هو الاشتراك الثالث للممثل كيرت راسل والسادس لصامويل ل. جاكسون في أفلام تارنتينو.
يأتي «الكارهون الثمانية» جنبًا إلى جنب فيلم آخر عنوانه «المنبعث» لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو، وهما يشتركان في خطوط معيّنة: كلاهما طويل (فيلم تارنتينو: 187 دقيقة، فيلم إيناريتو: 156 دقيقة)، أحداث كل منهما تدور فوق ثلوج عاصفة وفي صقيع مميت، وكلاهما يدور حول شخصيات تعانق المستحيل في ظرف صعب للبقاء أحياء.
لكن مع حسنات من نوع أهمية الحوار في أفلام تارنتينو وتوزيع المشاهد المفاجئة في أماكن صحيحة، وتناول موضوع العنصرية في كيان المجتمع الأميركي (الموضوع الذي ما زال مطروحًا لليوم) فإن هناك بالطبع خطر ألا تستطيع كل هذه الإيجابيات تبرير نفسها لبعض المشاهدين (بمئات الألوف حول العالم) وإقناعهم بأن «الكارهون الثمانية» هو عمل ضروري وجدير جدًا بالمشاهدة. هذا ما ينقصه بالفعل. مثل أفلام أخرى لتارنتينو، هو حالة سينمائية تقبل عليها بحثًا وقد تخرج بما جئت تبحث عنه أو تخرج منه بأمل خائب. بالنسبة للفضوليين فإن الفخ هناك. بعضهم سيستجيب معتبرًا الحبكة جديدة وتبلغ حدًا بعيدًا من سريالية المواقف مزيّنة بمبدأ ليقتل كل واحد من شخصيات الفيلم الآخر، والبعض الآخر سيغادر القاعة واضعًا اسم المخرج على قائمته السوداء.
لكن حقيقة «الكارهون الثمانية» هو أنه في الوقت الذي يخفق فيه أن يكون علامة فارقة في السينما، ينجح في أن يكون علامة فارقة بين أعمال مخرجه. لا يزال تكملة، في شكل معيّن، لفيلمه السابق «دجانغو طليقًا»، وربما كلاهما يشكل ملحمة غرب واحدة بالنسبة لتارنتينو.
أفلام تارنتينو: تقييم
1992: Reservoir Dogs (3*)
1994: Pulp Fiction (4 *)
1997: Jackie Brown (3*)
2003: Kill Bill I (3*)
2004: Kill Bill II (4*)
2007: Death Proof (3*)
2009: Inglourious Basterds (4 *)
2012: Django Unchained (3*)
The Hateful Eight (3*)
من «الكارهون الثمانية»