منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبعد سيطرة الخميني وأتابعه على سدة الحكم في إيران عام 1979، حملت إيران على عاتقها نشر الفتن والقلاقل في أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي، بشكل مباشر وغير مباشر، كفلسفة آيديولوجية استلهمتها، كما تروّج لها من الثورة المزعومة، ولم تتعامل طيلة تلك السنوات على أنها دولة، بل كانت وما زالت تقوم بدعم ورعاية المتطرفين كافة بشتى مسمياتهم وطوائفهم.
ويبدو أن الحلم الذي كانت تتعامل به دول المنطقة، فهم من قيادات الدولة «إيران» بشكل خاطئ، الأمر الذي دفعها لتخطي كل الحدود السياسية والعسكرية في دعم مواليها علنا وفي الخفاء، ومن ذلك ما قامت به قبل 20 عاما عندما احتضنت ما يعرف بـ«أنصار الله» أو جماعة الحوثيين اليمنية، وأملت على هذا الفريق الشيء الكثير في بعثرة أوراق المنطقة العربية، إلا أن الرد كان سريعا وقويا من السعودية وحلفائها في المنطقة لوقف هذه التجاوزات والسيطرة على مقدرات البلاد.
ففي أواخر التسعينات، قامت إيران، وفقا لتصريحات مسؤولين يمنيين، بتقديم الدعم المالي واللوجيستي لأنصار الله لشراء مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات في كل المدن وتحديدا إقليم تهامة٬ نقطة الانطلاق ومنفذ الجماعة الرئيسي على البحر الأحمر، وقدرت هذه المبالغ في حينه بأكثر من «ملياري دولار»، مع ضرورة دمج أفراد الحوثيين وتوطينهم في الإقليم بشكل كبير٬ تمهيدا للسيطرة على القوة الاقتصادية ومن ثم العسكرية في وقت لاحق بحسب الخطة التي تلقتها الجماعة من العاصمة الإيرانية «طهران».
ونجحت جماعة الحوثيين٬ بحسب اعترافات أعيان إقليم تهامة٬ في الاندماج بين المجتمع٬ وغيّرت ديموغرافيا الإقليم تدريجيا للوصول إلى الذروة في مطلع 2010 بشراء أكبر الفنادق ومساحات كبيرة على امتداد الشاطئ من «ميدي» إلى «الخوخة» ومن ثم إلى المخا٬ للوصول بعد ذلك لسهل تعز٬ وتمكينهم لحظة الانقلاب على الشرعية من السيطرة على الموانئ البحرية في إقليم تهامة والتحكم في الملاحة البحرية من خلال سيطرتهم على باب المندب.
حاولت إيران في حينه، بعد تمكن الحوثيين من تنفيذ الألوية في الشراء والتمكين على الأرض، وتحديدا في 2004 لدفع الميليشيا للخروج على نظام الدولة، إلا أنها منيت بخسائر كبيرة، الأمر الذي دفع طهران إلى التراجع عن السيطرة في تلك المرحلة حتى تتسنى الفرصة المناسبة، ورغم ما كانت يعانيه اليمن من أوضاع اقتصادية، إلا أن إيران لم تكن معنية كما تدعي أنها «إسلامية» بدعم المسلمين وتوفير احتياجات الشعوب، وكان الهدف واضحا في تمزيق البلاد وتدمير مقدراتها والسيطرة عليها من قبل فئة تتبعها وتتلقى الدعم والأوامر.
وظلت كذلك إيران، إلى أن سنحت الفرصة في مطلع 2015 بإيعاز أتباعها بالانقلاب على الشرعية، وكانت تعتقد في حينه أن دول الجوار «مجلس التعاون الخليج» والدول العربية، لن ترضخ لهذا الواقع، حيث سارعت دول الجوار إلى تشكل «تحالف عربي» تقوده السعودية، لإعادة الشرعية المسلوبة من جماعة لا تعرف إلا لغة الحرب والدمار بعد أن فشلت كل المحاولات في ردعها وإعادتها إلى طريق الصواب.
في هذه الفترة حاولت إيران، بكل قوتها الدفاع عن هذا الانقلاب، بشتى الوسائل، دون مبالاة بما تقوم به من قتل مباشر للمدنيين في اليمن عبر حليفها «الحوثيون»، فسارعت بإرسال المال والأسلحة لتقوية موقف الحوثيين في الجبهات، حيث قاموا بحرق البلاد من شمالها إلى جنوبها، ولم يكن لديهم مخطط واضح سوى القتل والنهب وتشريد، وهو ما أشار إليه مختصون في السياسة بأن إيران لن تكف في المرحلة المقبلة٬ خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي٬ عن تهييج الشعوب من خلال الضرب على وتيرة سنة وشيعة٬ وسوف تستمر في الفترة المقبلة في إيجاد مواقع أخرى ودول يمكن زعزعة النظام فيها٬ وذلك بهدف إعادة الإمبراطورية الفارسية٬ وهي تحارب في هذه المرحلة من أجل عدم سقوط الحوثيين.
إشعال الفتن وتقديم السلاح.
وعندما أيقنت إيران أن مواليها في اليمن، مع دخول قوات التحالف العربي المواجهة العسكرية لحماية البلاد والعباد وإعادة الشرعية، سيخسرون معركتها بالإنابة، شرعت وبكل الوسائل عبر المهربين وتجار السلاح وأتباعها في عدد من الدول، لدعم موقفهم العسكري، خصوصا أن خلافات عسكرية ظهرت على السطح مع الحليف التقليدي لهذا الانقلاب «الحرس الجمهوري» الموالي لعلي صالح، قامت بإرسال ما يمكن إرساله من أسلحة متطورة وصواريخ والمال، ولم ترسل شحنة واحدة من الأغذية أو الدواء رغم النداء العاجل لمنظمات الصحة العالمية والإقليمية حول الوضع الإنساني في اليمن.
وفي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي 2015، كشفت تحقيقات عسكرية موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي٬ عن تورط قيادات لبنانية يعتقد في انتمائها لحزب الله وأخرى إيرانية في تهريب كميات من الأسلحة قادمة من إيران عبر السواحل الشرقية والغربية لليمن٬ التي جرى الكشف عنها من خلال عملية استخباراتية نفذها أفراد من المقاومة الشعبية والجيش الوطني.
وهذه الأسلحة فور تسلمها عمدت ميليشيا الحوثيين إلى تخزينها، في مواقع مختلفة تمهيدا لاستخدامها في مرحلة متقدمة لإطالة أمد الحرب، وهذه الفترة سجلت أعلى معدلات الإصابة بالأمراض لانتشار الأوبئة وضعف الحالة الاقتصادية نتيجة الحصار الذي فرض على أربع مديريات رئيسية للعاصمة المؤقتة، ولم تلتفت حينها إيران للوضع الإنساني بقدر ما تسعى إلى تطويل الحرب ونشر الدمار في البلاد، خصوصا أن هذه الكميات بحسب اعتراف المتورطين تكفي لتسليح ألوية عسكرية بالمفهوم الحديث٬ ومن ضمنها صواريخ كاتيوشا وذخائر لأسلحة متنوعة.
* الدعم المالي للحوثيين
لم يمضِ على هذه الواقعة سوى أيام معدودة، وتمكنت الأجهزة اليمنية الوطنية من التحفظ على مبالغ مالية قدرت بملايين الدولارات٬ بحوزة قيادات ميليشيا حوثيين وقعت أسرى في قبضة المقاومة الشعبية، وتبين وفقا لهذه التحقيقات أن مصادر هذه الأموال متعددة العملات٬ قادمة من العاصمة الإيرانية طهران٬ عبر مهربين من جنسيات مختلفة، سلمت عبر السواحل الجنوبية والسواحل الشمالية٬ وتحديًدا من المهرة٬ وحضرموت٬ والحديدة٬ وهذه المبالغ تقدم للمواطنين في المدن التي تسيطر عليها الميليشيا لشراء ذممهم وتنفيذ أجندة الميليشيا في وقت لاحق، كما تقدم هذه المبالغ لعائلات صغار السن المنخرطين في العملية العسكرية، وذلك مقابل تفجير أنفسهم في مواقع عامة٬ خاصة المدن التي تنسحب منها الميليشيا بهدف إحداث بلبلة، واستهداف قيادات عسكرية وسياسية في تلك المدن.
* نوفمبر شهر الدعم العسكري
في هذا الشهر سجل الدعم العسكري أعلى معدلاته، بواقع أربع محاولات تم الكشف عنها، وهي الفترة المقرونة بالتراجع الكبير للحليف الاستراتيجي لإيران «الحوثيين» في عدد من الجبهات وتكبد خسائر كبيرة، في محاولة لإبقاء الميليشيا صامدة، للتصدي للهجوم الجوي والأرضي بعد تكوين عدد من الألوية الموالية للرئيس هادي، خصوصا أن الجيش يتقدم بشكل كبير ما أثار حفيظة إيران وسارعت بتكثيف دعمها في هذه الفترة.
وكانت البداية في مطلع نوفمبر، بعد أن أطاحت المقاومة الشعبية في مأرب بعدد من ضباط الحرس الجمهوري٬ الذين اعترفوا بأن كميات الألغام التي زرعوها على أطراف المدينة لمنع تقدم المقاومة الشعبية، حصلوا عليها من إيران، وذلك بهدف وقف التقدم العسكري للجيش الوطني ودعما للحرس الجمهوري المتحالف مع الميليشيا، وفي حين لم تحدد كميات هذه الألغام إلا أن المقاومة ذكرت في حينها أنها غطت المدينة القديمة في مأرب.
بعد هذه الواقعة بعدة أيام، وتحديدا في 14 من نوفمبر، رصدت المقاومة الشعبية عملية تهريب لعدد من القيادات العسكرية الإيرانية في إقليم الجند «تعز٬ وإب» جنوب اليمن التي تبعد عن صنعاء 256 كيلومترا٬ من الإقليم باتجاه صنعاء٬ بعد أن قاموا في أوقات سابقة بتدريب ميليشيا الحوثي وحليفهم علي صالح٬ في كيفية المواجهة العسكرية في الإقليم، بعد أن مكثوا ما يزيد على أربعة شهور يتجولون على المواقع العسكرية.
تلت هذه الواقعة عملية تهريب لكميات من الأسلحة والمتفجرات قادمة من إيران، وكانت في 27 من الشهر نفسه، أطاح بها الجيش اليمني٬ إضافة إلى كميات من أجهزة الاتصال ومعدات عسكرية٬ عن طريق منفذ «المهرة» أقصى الشرق من الجمهورية اليمنية٬ وتشكل الحدود الشرقية مع سلطنة عمان.
وقال في حينها لـ«الشرق الأوسط»، اللواء ركن دكتور ناصر الطاهري٬ نائب رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة اليمنية، إنه رغم عمليات المراقبة والتشديد على جميع المنافذ التي يسيطر عليها الجيش بدعم من قوات التحالف العربي٬ فإن هناك عمليات تهريب تحدث بشكل مستمر٬ لوجود فجوة يتمكن من خلالها المهربون من إدخال ما يمكن إدخاله من بعض المنافذ اليمنية، لافتا إلى أن عمليات التهريب يعاني منها العالم٬ فكيف ببلاد تحارب من أجل إعادة الشرعية ودحر الانقلابين٬ موضحا أن ما يضبط من عمليات تهريب قليل٬ مقارنة بما يدخل من الحدود من أسلحة ومعدات.
وأشار اللواء الطاهري إلى أن وصول السلاح للميليشيا٬ يجري من خلال عمليات تهريب يقومون برصدها وإيقاف كثير منها٬ وعادة هذه الأسلحة والذخائر المتنوعة٬ تصل من خلال عمليات تهريب عبر سواحل «حضرموت٬ المهرة٬ وشبوة»٬ موضحا أن الجهات المتورطة في توريد السلاح للميليشيا٬ الإيرانيون الذين يعمدون وبشكل دائم إلى إيصال السلاح للميليشيا.
وقبل أن يستقبل العالم العام الجديد، كشفت قيادة الجيش الوطني اليمني أنها تمتلك معلومات مؤكدة٬ حول وجود عدد من الخبراء الإيرانيين يعملون مع الحوثيين لتجهيز صواريخ «سكود»٬ إضافة إلى القيام بأعمال تطوير لصواريخ فولغا «أرض- جو» التي كانت بحوزة وحدات الدفاع الجوي٬ وتهيئتها لضرب أهداف أرضية.
ويبدو بحسب مراقبين سياسيين أن إيران لن تتوقف عن خرق الأنظمة الدولية٬ والتدخل في شؤون الدول المجاورة٬ خاصة تلك التي تعيش حالة من عدم الاستقرار للأوضاع الداخلية٬ وهي ما تثبته السياسة الإيرانية طيلة السنوات الماضية، وعملها الدائم على عدم استقرار المنطقة ولا ترغب في إيجاد نقاط التقاء بين دول الجزيرة العربية كافة.
وبالعودة إلى عملية شراء الأراضي والممتلكات، أكدت مصادر يمنية، أن الحوثيين وقبل الانقلاب على الشرعية، عمدوا إلى شراء الأراضي في «رأس المعوج إلى الخوخة» في وقت مبكر من عام ٬2000 وبكميات كبيرة ومساحات شاسعة٬ دون لفت لأنظار القوى الاقتصادية في البلاد٬ وبطرق غير مباشرة في كثير من عمليات الشراء٬ الذي قابله صمت وعدم تدخل من شيوخ القبائل لاعتقادهم بأن ذلك يصب في صالح تطوير الإقليم اجتماعيا واقتصاديا.
وذكر المصدر أن الحوثيين أو ما يعرف بأنصار الله عندما قدموا للإقليم كانوا يرغبّون السكان الأصليين في عمليات البيع لأراضيهم من خلال دفع مبالغ كبيرة، وهو ما مكنهم من السيطرة على نسبة كبيرة من عقارات الإقليم، كما سهل لهم ذلك فرض سيطرتهم بشكل غير مباشر قبل الانقلاب على ميناء «ميدي٬ ورأس عيسى٬ والحديدة».
ومع دخول الحوثيين لصنعاء والسيطرة على أجهزة الدولة المدنية٬ صدرت في هذه اللحظات توجيهات من الرئيس المخلوع علي صالح للمعسكرات في الحديدة التي تزيد على 11 معسكرا٬ بتسليمها مباشرة إلى أفراد قادمين من صنعاء تابعين للحوثيين٬ ومن خلال هذا المخطط تمكنت ميليشيا الحوثي من فرض قوتها العسكرية٬ وقبل ذلك الاقتصادية على الإقليم٬ وبدأت في اتخاذ إجراءات استفزازية ضد شيوخ القبائل.