في رحلة الهجرة المحفوفة بالمخاطر.. سوريات يقعن فريسة للاستغلال

اختصاصية نفسية تقول إن {الملاجئ المخصصة للسيدات فقط} ليست خيارًا

سمر (34 عاما) لاجئة سورية هربت من غارات النظام في داريا بريف دمشق مع بناتها الثلاث («الشرق الأوسط»)
سمر (34 عاما) لاجئة سورية هربت من غارات النظام في داريا بريف دمشق مع بناتها الثلاث («الشرق الأوسط»)
TT

في رحلة الهجرة المحفوفة بالمخاطر.. سوريات يقعن فريسة للاستغلال

سمر (34 عاما) لاجئة سورية هربت من غارات النظام في داريا بريف دمشق مع بناتها الثلاث («الشرق الأوسط»)
سمر (34 عاما) لاجئة سورية هربت من غارات النظام في داريا بريف دمشق مع بناتها الثلاث («الشرق الأوسط»)

تشير المقابلات التي أجريت مع عشرات المهاجرين والاختصاصيين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين الذين يعتنون بالمصابين بصدمات نفسية من الوافدين الجدد، إلى أن الهجرة الجماعية الحالية مقترنة بموجة من العنف ضد المرأة. من الزواج القسري والاتجار بالجنس إلى العنف الأسري، تتعرض النساء للعنف من زملائهن المهاجرين والمهربين وأفراد الأسرة من الذكور وحتى ضباط الشرطة الأوروبيين. ولا توجد إحصاءات موثوقة عن الاعتداء الجنسي وغيره من الإساءات ضد اللاجئات.
وأُجبرت امرأة سورية انضمت لموجة تدفق المهاجرين إلى ألمانيا على سداد ديون زوجها للمهربين من خلال إتاحة جسدها للآخرين. وتعرضت أخرى لضرب أفقدها الوعي من قبل حارس سجن مجري لرفضها تقربه منها. واضطرت ثالثة - فنانة ماكياج سابقا - لارتداء ملابس رجالية وامتنعت عن الاستحمام لإبعاد الرجال الذين يرافقونها عنها. وبينما تقيم الآن في ملجأ طوارئ في برلين، فإنها لا تزال تنام في ملابسها، وتضع - مثل الكثير من النساء الأخريات - الخزانة أمام باب حجرتها، ليلا. وقالت إسراء الحوراني، فنانة الماكياج، وهي إحدى قلة من النساء هنا لا تخشى الكشف عن أسمائهن: «لا يوجد قفل أو مفتاح أو أي شيء. إنني محظوظة حقا؛ حيث لم أتعرض سوى للضرب والسرقة».
وتوضح سوزان هونه، كبيرة الاختصاصيين النفسيين بمركز في غرب برلين متخصص في معالجة المهاجرات المصابات بصدمات نفسية، أن كافة النساء الـ44 تقريبا الخاضعات لرعايتها - بعضهن بالغات بالكاد، وأخريات تزيد أعمارهن على 60 عاما - تعرضن للعنف الجنسي. وذكرت السيدة هونه، بخصوص طاقم موظفيها المكون من 18 فردا: «نذهب إلى كبار الاختصاصيين للاستشارة مرتين في الشهر حتى يمكننا التعايش مع ما نسمعه». ويقدم الطاقم معا دورتي علاج أسبوعيا لكل امرأة، تصل إلى سبع ساعات من العمل الاجتماعي، بما في ذلك الزيارات المنزلية، لمساعدتهن على التكيف مع الحياة في ألمانيا.
من هؤلاء النساء، امرأة سورية، وهي أم لأربعة أطفال، فرت من الحرب مع أسرتها في وقت سابق من العام المنصرم. وعندما نفد مال زوجها ولم يعد بمقدوره دفع المال للمهربين في بلغاريا، عرض عليهم زوجته بدلا من المال. ولمدة ثلاثة أشهر، تعرضت للاغتصاب بشكل شبه يومي لكسب رحلة الأسرة المقبلة. وسرعان ما أساء زوجها لها أيضا. ووصفت هونه هذا الأمر بـ«المنطق الملتوي». وقالت: «إن ما جعله زوجها تقوم به انتهى بتلويث شرفها. أصبحت الطرف المذنب». وتمتلك المرأة الآن حق اللجوء، وتعيش في برلين مع أطفالها. ولا تزال المرأة تشعر بالرعب من ذكر اسمها، خشية قتلها على يده أو على يد أي من أقربائه لتصورهم أنها جلبت «العار» للأسرة.
في ألمانيا الآمنة نسبيا، يخصص نظام اللجوء - الذي يكافح من أجل توفير لوجستيات استيعاب ما يقرب من مليون مهاجر في عام 2015 - أماكن محددة، عندما يتعلق الأمر بالحماية الأساسية للمرأة، مثل غرف نوم قابلة للقفل.
ويرى جان شيبوم، الذي يدير منزلين لطالبي اللجوء شرق برلين، أن القول أسهل بكثير من الفعل. وأوضح: «يوجد حمامان لكل طابق، بينما تمتلئ الغرف باللاجئين». ويتمثل أحد المنزلين الذي يديرهما في ملجأ الطوارئ الذي تقيم فيه الحوراني، فنانة الماكياج. ومن بين 120 بالغا، معظمهم سوريون وأفغان، هناك 80 لاجئا بينهم رجال.
وأمام مائدة المواد الغذائية، حيث يوزع المتطوعون الحساء الساخن والفواكه الطازجة على المهاجرين، غالبا ما تقف النساء في آخر الصف. إنهن يجلسن في الغرف كثيرا، ونادرا ما يسجلن أسماءهن في الأنشطة المعلن عنها على لوحة الإعلانات، مثل زيارات المتاحف أو الحفلات الموسيقية. ولم تغادر إحدى النساء السوريات المبنى منذ وصولها إليه قبل شهرين، لأن زوجها – الذي لم يصل بعد إلى ألمانيا - يحظر عليها فعل ذلك. ويجري حاليا تنظيم أمسيات حياكة وممارسة تمارين رياضية لكافة النساء. وفي صباح أيام الأربعاء، تذهب مجموعة صغيرة من النساء إلى منزل إحدى المتطوعات لاستخدام حمام خاص وطلاء أظافرهن.
وتحدثت سمر، موظفة سابقة في وزارة المالية السورية عمرها 35 عاما، عن التوتر الخاص من كونها امرأة كثيرة التنقل. فبعد قصف منزلها في مدينة داريا، إحدى ضواحي دمشق، التي عرفت في أوائل الحرب الأهلية بالاحتجاجات المناهضة للحكومة، قضت سمر 14 شهرا على الطريق وحدها مع بناتها الثلاث، اللاتي يتراوح أعمارهن بين 2 و8 و13 عاما. وقالت سمر، متحدثة باللغة العربية، عبر مترجم: «لم أترك صغيراتي بعيدا عن عيني لمدة دقيقة واحدة». وكانت تنام هي والأمهات الوحيدات في نوبات على طول الطريق، حيث تسهر إحداهن لترعى الأطفال وتحرس بعضهن البعض.
وفي جميع أنحاء المدينة، في غرب برلين، تتعاطف السيدة هونه مع المهاجرات، وتقول إنه لا توجد حلول سهلة، بحسب رأيها، فالملاجئ المخصصة للنساء فقط، ليست خيارا، لأن معظم الأسر ترغب في البقاء معا، كما أن بعض النساء يعتمد على الرجال للحماية. وتابعت: «يجب علينا عدم نسيان أن الكثير من الرجال مصابون بصدمات نفسية أيضا». وترى هونه أنه «لا يوجد أسود وأبيض، أو خير وشر. إذا كنا نريد مساعدة النساء، فنحن بحاجة إلى مساعدة الرجال أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.