حماس أمام تحد بعد بروز تيارات متشددة وأخرى شيعية في غزة

الحركة ما زالت تحكم قبضتها على القطاع لكنها قلقلة من تنامي قدرات وحجم الآخرين وانفلاتهم العسكري

طفل فلسطيني يحمل صورة قائد حركة حماس إسماعيل هنية خلال مظاهرة نظمت الشهر الماضي في غزة تخليدا للذكرى 28 لتأسيس حماس (رويترز)
طفل فلسطيني يحمل صورة قائد حركة حماس إسماعيل هنية خلال مظاهرة نظمت الشهر الماضي في غزة تخليدا للذكرى 28 لتأسيس حماس (رويترز)
TT

حماس أمام تحد بعد بروز تيارات متشددة وأخرى شيعية في غزة

طفل فلسطيني يحمل صورة قائد حركة حماس إسماعيل هنية خلال مظاهرة نظمت الشهر الماضي في غزة تخليدا للذكرى 28 لتأسيس حماس (رويترز)
طفل فلسطيني يحمل صورة قائد حركة حماس إسماعيل هنية خلال مظاهرة نظمت الشهر الماضي في غزة تخليدا للذكرى 28 لتأسيس حماس (رويترز)

باتت حركة حماس، التي تبسط سيطرتها على قطاع غزة من دون منازع منذ 2007 أمام تحد جديد في 2015 تمثل في ببروز تيارات جديدة، لسلفيين متشددين من جهة وجماعات شيعية تتلقى تمويلا إيرانيا وتجاهر بتبعيتها لطهران من جهة ثانية، مما يفتح الباب مستقبلا أمام احتمالات نشوب صراعات مثل تلك الدائرة في دول الجوار.
وعلى مدار عام كامل شكلت الجماعات السلفية الجهادية مشكلة كبيرة لحماس تمثلت في إصرار هذه الجماعات على تحدي الحركة الإسلامية داخليا وخارجيا، فيما شكلت الجماعات الشيعية وجع رأس للحركة التي لم تعرف كيف تتعامل معها. ويوما بعد يوم، كان نفوذ السلفيين وحركة الصابرين التي تمثل إيران، يزيد، ويبرز حضورهما بشكل أوسع في ميدان السياسة والعمل المسلح، إذ خاض كل منهما معركته لإثبات وجوده في ظل متغيرات طرأت بالمنطقة أثرت بشكل مباشر على حركة حماس التي دخلت في لعبة المحاور.
وكشر السلفيون لفترة طويلة عن أنيابهم في وجه حماس، وكادوا يفشلون التهدئة التي أبرمتها إسرائيل مع الحركة في قطاع غزة عبر إطلاق صواريخ متعددة من القطاع، بينما نفذوا على مدار أشهر متواصلة سلسلة تفجيرات طالت سيارات لقيادات ميدانية في حماس والجهاد الإسلامي، قبل أن يستهدفوا أيضا بعدة عبوات ناسفة مقارا أمنية تابعة للحركة الإسلامية التي ردت بقتل واعتقال عناصر سلفية من دون رحمة.
وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن حماس أحبطت مؤخرا عملية تفجير بسيارة مفخخة كانت ستطال مقرا لجهاز الأمن الداخلي غرب مدينة غزة، وكان من شأنها، لو تمت، أن تغير الواقع الأمني في القطاع. ومضى عام 2015 والعلاقة بين حماس والسلفيين بين مد وجزر، لكنها الحرب لم تهدأ مطلقا.
قتلت حماس سلفيين أثناء الاعتقالات وظلت تلاحقهم من منزل إلى منزل بينما التفجيرات والصواريخ على إسرائيل مستمرة ولو بتقطع.
وعبثا حاول وسطاء من المشايخ التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، لكن محاولات أخيرة نجحت في تخفيف حدة التوتر. وقالت مصادر مطلعة إن هناك صفقة يتم محاولة إبرامها عبر بعض الوسطاء لحل الخلافات بين السلفيين وحماس، بما يضمن وقف الاعتقالات من قبل الأمن بغزة، وأن يتوقف إطلاق الصواريخ والتفجيرات من قبل الجماعات المتشددة.
وبحسب المصادر، «دخلت قيادات من السلفيين في الخارج على الخط، والمفاوضات على أشدها». وفي المقابل، لم تأخذ حماس موقفا حاسما فيما يخص الجماعات الشيعية، على الرغم من حدوث بعض الصدامات التي أدت في الثالث عشر من مارس (آذار) الماضي، لاعتقال ناشطين بارزين من التنظيم في حي الزيتون جنوب مدينة غزة قبل أن تفرج عنهم حماس بوساطة من فصائل فلسطينية. واكتفت حماس بعقد تفاهمات مع حركة الصابرين بقيادة «هشام سالم»، الذي أسس الحركة، إلى جانب قيادات عسكرية سابقة في فصائل بينها الجهاد الإسلامي بعد انشقاقهم عن التنظيم، اتفق فيها الجانبان على التنسيق فيما بينهما.
لكن السلفيين المتشددين دخلوا على الخط واستهدفوا حركة الصابرين المعروفة بتشيعها، وسجلت أولى المواجهات بمحاولة تفجير منزل أحد قادة حركة الصابرين على يد سلفيين في السابع عشر من مايو (أيار) الماضي، قبل اكتشافهما واعتقالهما على يد عناصر من ذات الحركة وتسليمهما لأمن حركة حماس.
وفي التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، أقدم مجهول يعتقد أنه ينتمي للجهاديين المتشددين على طعن مؤسس حركة الصابرين «هشام سالم»، مما أدى لإصابته بجروح متوسطة أثناء لقاء متلفز كان يجريه مع قنوات إيرانية للحديث عن الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية.
وبخلاف السلفيين، التزمت حركة الصابرين بتعليمات حماس بشأن التهدئة مع الاحتلال وتجنبت أي أعمال ضد إسرائيل طوال تلك الفترة، إلا مع بداية الأحداث مع مطلع أكتوبر واندلاع مواجهات مع الاحتلال، فقد بدأت الحركة - من دون أن تعلن رسميا - بتنفيذ عمليات إطلاق نار وقنص على الحدود ضد الجنود الإسرائيليين قبل أن يعلن جهاز الشاباك في الحادي والعشرين من الشهر ذاته عن نجاحه في قتل المسؤول عن المجموعة التي كانت تطلق النيران وهو «أحمد السرحي» القائد الميداني البارز في حركة الصابرين التي كانت تفضل عدم الإعلان عن عملياتها تجنبا للدخول في أي صراعات مع حماس.
ولاحقا أعلنت حركة الصابرين مسؤوليتها عن عدة هجمات على الحدود، مما أثار حفيظة حماس ومخاوف من دخول الحركة معترك العمل العسكري على غرار السلفيين.
ويتهم متشددون حماس بالسماح للشيعة بالعمل في غزة عبر مشاريع مثل «إمداد الخميني»، ويجري خلالها توزيع وجبات غذائية على متضرري الحرب وغيرها من المشاريع، حبا بالتقرب من إيران فيما يجري استهداف «السلفيين» إرضاء لهذا الهدف كذلك.
وعلاقة حماس بإيران متوترة منذ اتخاذها موقفا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لكن تجري محاولات حثيثة في هذه الأيام لرأب الصدع.
وحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فإن إيران بدأت في الأشهر الأخيرة بدعم الجناح العسكري لحماس ولكن القضايا ما زالت عالقة بشأن إمكانية استئناف الدعم المالي للجناح السياسي للحركة، وهو ما أدى بنائب رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، لتوجيه رسالة مصورة لإيران لدعم ما أسماها «انتفاضة القدس» للاستمرار فيها.
ويرى مراقبون أن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة ما زالت القوة رقم 1 في قطاع غزة، ولا يمكن هزمها من أي تنظيم فلسطيني أو حتى مجتمعين لكنها ستدفع لاحقا ثمن توسع هذه التيارات التي يمكن أن تتحول إلى كابوس يؤرق الحركة، خصوصا إذا ما توسع الخلف المذهبي بينهم.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة حماس تواجه تعقيدات وصعوبات جمة سواء على الصعيد الداخلي في غزة أو الخارجي بعلاقاتها غير المباشرة مع إسرائيل التي تتجاهل مطالب الحركة لعقد تهدئة، وكذلك العلاقات المتفجرة مع مصر، مبينا أن الحركة تواجه مشكلات أمنية كبيرة مع ظهور الجماعات السياسية الإسلامية المتطرفة بغزة التي تناصب العداء الواضح لحماس، وعلى الرغم من محاولات الحركة للتقليل من شأنها، فإنها تشكل هاجسا لها على المستوى الفكري والأمني مع إسرائيل.
وأشار إلى أن حماس واجهت تلك الجماعات عسكريا في بعض الأحيان لكن ذلك لم يقضِ عليها، وتوجهت الحركة الحاكمة بغزة إلى عقد تسويات معها، إلا أنه مع بروز نجم «داعش» زادت قوة تلك الجماعات.
وأضاف: «بدأت تلك الجماعات بالبروز بشكل لافت في عام 2015 وتبنت إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل وحماس اعتقلت العشرات منهم ووقعت حوادث إطلاق نار واشتباكات مسلحة قتل فيها أحد أعضاء تلك المجموعات، بالإضافة لما أحدثته من تفجيرات استهدفت كوادر حماس».
ويرى إبراهيم أن حركة حماس تحاول التوصل لتفاهمات مع تلك الجماعات، لكنها كذلك تخشى منها ومستمرة في التعامل معها باتجاهين؛ التفاهمات والحل الأمني.
ولفت إبراهيم لبروز تنظيم حركة الصابرين بشكل أكبر خلال عام 2015، التي قال إنها تتبنى «المذهب الشيعي» وهي حركة سياسية ولديها مجموعات مسلحة ومدعومة من إيران، وتحاول أن تفرض وجودها في الساحة بين الأجنحة المسلحة.
وقال إبراهيم إن «حماس لا تخشى من حركة الصابرين وتشيعها بقدر ما تخشى من انفلاتها عسكريا باتخاذ المبادرة من خلال إطلاق الصواريخ أو القيام بعمليات عسكرية كما حدث الأسبوع الماضي، وتفجير عبوات ناسفة بالقرب من سيارة عسكرية جنوب قطاع غزة على الحدود الشرقية وقد تعمل مثل هذه العمليات على دحرجة الأمور».
وأضاف: «في اعتقادي أن حركة الصابرين لا تشكل خطرا أو تهديدا على حركة حماس كما تشكل الجماعات السلفية السنية من تهديد عليها، لكنها حتى الآن لم تستطع الخروج من شرنقتها وقمع حماس لها، ورفض الشارع الفلسطيني في غزة لتلك الأفكار، لكن مقاربة حماس هي طالما أن تلك الجماعات ملتزمة بالتهدئة أو الإجماع الوطني بعدم التصعيد مع إسرائيل إلا في ظل اتفاق وطني، فمسموح لها العمل، أما إذا لم تلتزم كما حدث خلال الأشهر الماضية، فيد حماس الثقيلة ستضرب بقوة».
وإلى جانب هؤلاء يوجد بالتأكيد من يتربص بحماس في غزة، وهي قوى لها تاريخ طويل من العداء والثأر مع حماس.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».