باتت حركة حماس، التي تبسط سيطرتها على قطاع غزة من دون منازع منذ 2007 أمام تحد جديد في 2015 تمثل في ببروز تيارات جديدة، لسلفيين متشددين من جهة وجماعات شيعية تتلقى تمويلا إيرانيا وتجاهر بتبعيتها لطهران من جهة ثانية، مما يفتح الباب مستقبلا أمام احتمالات نشوب صراعات مثل تلك الدائرة في دول الجوار.
وعلى مدار عام كامل شكلت الجماعات السلفية الجهادية مشكلة كبيرة لحماس تمثلت في إصرار هذه الجماعات على تحدي الحركة الإسلامية داخليا وخارجيا، فيما شكلت الجماعات الشيعية وجع رأس للحركة التي لم تعرف كيف تتعامل معها. ويوما بعد يوم، كان نفوذ السلفيين وحركة الصابرين التي تمثل إيران، يزيد، ويبرز حضورهما بشكل أوسع في ميدان السياسة والعمل المسلح، إذ خاض كل منهما معركته لإثبات وجوده في ظل متغيرات طرأت بالمنطقة أثرت بشكل مباشر على حركة حماس التي دخلت في لعبة المحاور.
وكشر السلفيون لفترة طويلة عن أنيابهم في وجه حماس، وكادوا يفشلون التهدئة التي أبرمتها إسرائيل مع الحركة في قطاع غزة عبر إطلاق صواريخ متعددة من القطاع، بينما نفذوا على مدار أشهر متواصلة سلسلة تفجيرات طالت سيارات لقيادات ميدانية في حماس والجهاد الإسلامي، قبل أن يستهدفوا أيضا بعدة عبوات ناسفة مقارا أمنية تابعة للحركة الإسلامية التي ردت بقتل واعتقال عناصر سلفية من دون رحمة.
وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن حماس أحبطت مؤخرا عملية تفجير بسيارة مفخخة كانت ستطال مقرا لجهاز الأمن الداخلي غرب مدينة غزة، وكان من شأنها، لو تمت، أن تغير الواقع الأمني في القطاع. ومضى عام 2015 والعلاقة بين حماس والسلفيين بين مد وجزر، لكنها الحرب لم تهدأ مطلقا.
قتلت حماس سلفيين أثناء الاعتقالات وظلت تلاحقهم من منزل إلى منزل بينما التفجيرات والصواريخ على إسرائيل مستمرة ولو بتقطع.
وعبثا حاول وسطاء من المشايخ التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، لكن محاولات أخيرة نجحت في تخفيف حدة التوتر. وقالت مصادر مطلعة إن هناك صفقة يتم محاولة إبرامها عبر بعض الوسطاء لحل الخلافات بين السلفيين وحماس، بما يضمن وقف الاعتقالات من قبل الأمن بغزة، وأن يتوقف إطلاق الصواريخ والتفجيرات من قبل الجماعات المتشددة.
وبحسب المصادر، «دخلت قيادات من السلفيين في الخارج على الخط، والمفاوضات على أشدها». وفي المقابل، لم تأخذ حماس موقفا حاسما فيما يخص الجماعات الشيعية، على الرغم من حدوث بعض الصدامات التي أدت في الثالث عشر من مارس (آذار) الماضي، لاعتقال ناشطين بارزين من التنظيم في حي الزيتون جنوب مدينة غزة قبل أن تفرج عنهم حماس بوساطة من فصائل فلسطينية. واكتفت حماس بعقد تفاهمات مع حركة الصابرين بقيادة «هشام سالم»، الذي أسس الحركة، إلى جانب قيادات عسكرية سابقة في فصائل بينها الجهاد الإسلامي بعد انشقاقهم عن التنظيم، اتفق فيها الجانبان على التنسيق فيما بينهما.
لكن السلفيين المتشددين دخلوا على الخط واستهدفوا حركة الصابرين المعروفة بتشيعها، وسجلت أولى المواجهات بمحاولة تفجير منزل أحد قادة حركة الصابرين على يد سلفيين في السابع عشر من مايو (أيار) الماضي، قبل اكتشافهما واعتقالهما على يد عناصر من ذات الحركة وتسليمهما لأمن حركة حماس.
وفي التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، أقدم مجهول يعتقد أنه ينتمي للجهاديين المتشددين على طعن مؤسس حركة الصابرين «هشام سالم»، مما أدى لإصابته بجروح متوسطة أثناء لقاء متلفز كان يجريه مع قنوات إيرانية للحديث عن الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية.
وبخلاف السلفيين، التزمت حركة الصابرين بتعليمات حماس بشأن التهدئة مع الاحتلال وتجنبت أي أعمال ضد إسرائيل طوال تلك الفترة، إلا مع بداية الأحداث مع مطلع أكتوبر واندلاع مواجهات مع الاحتلال، فقد بدأت الحركة - من دون أن تعلن رسميا - بتنفيذ عمليات إطلاق نار وقنص على الحدود ضد الجنود الإسرائيليين قبل أن يعلن جهاز الشاباك في الحادي والعشرين من الشهر ذاته عن نجاحه في قتل المسؤول عن المجموعة التي كانت تطلق النيران وهو «أحمد السرحي» القائد الميداني البارز في حركة الصابرين التي كانت تفضل عدم الإعلان عن عملياتها تجنبا للدخول في أي صراعات مع حماس.
ولاحقا أعلنت حركة الصابرين مسؤوليتها عن عدة هجمات على الحدود، مما أثار حفيظة حماس ومخاوف من دخول الحركة معترك العمل العسكري على غرار السلفيين.
ويتهم متشددون حماس بالسماح للشيعة بالعمل في غزة عبر مشاريع مثل «إمداد الخميني»، ويجري خلالها توزيع وجبات غذائية على متضرري الحرب وغيرها من المشاريع، حبا بالتقرب من إيران فيما يجري استهداف «السلفيين» إرضاء لهذا الهدف كذلك.
وعلاقة حماس بإيران متوترة منذ اتخاذها موقفا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لكن تجري محاولات حثيثة في هذه الأيام لرأب الصدع.
وحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فإن إيران بدأت في الأشهر الأخيرة بدعم الجناح العسكري لحماس ولكن القضايا ما زالت عالقة بشأن إمكانية استئناف الدعم المالي للجناح السياسي للحركة، وهو ما أدى بنائب رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، لتوجيه رسالة مصورة لإيران لدعم ما أسماها «انتفاضة القدس» للاستمرار فيها.
ويرى مراقبون أن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة ما زالت القوة رقم 1 في قطاع غزة، ولا يمكن هزمها من أي تنظيم فلسطيني أو حتى مجتمعين لكنها ستدفع لاحقا ثمن توسع هذه التيارات التي يمكن أن تتحول إلى كابوس يؤرق الحركة، خصوصا إذا ما توسع الخلف المذهبي بينهم.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة حماس تواجه تعقيدات وصعوبات جمة سواء على الصعيد الداخلي في غزة أو الخارجي بعلاقاتها غير المباشرة مع إسرائيل التي تتجاهل مطالب الحركة لعقد تهدئة، وكذلك العلاقات المتفجرة مع مصر، مبينا أن الحركة تواجه مشكلات أمنية كبيرة مع ظهور الجماعات السياسية الإسلامية المتطرفة بغزة التي تناصب العداء الواضح لحماس، وعلى الرغم من محاولات الحركة للتقليل من شأنها، فإنها تشكل هاجسا لها على المستوى الفكري والأمني مع إسرائيل.
وأشار إلى أن حماس واجهت تلك الجماعات عسكريا في بعض الأحيان لكن ذلك لم يقضِ عليها، وتوجهت الحركة الحاكمة بغزة إلى عقد تسويات معها، إلا أنه مع بروز نجم «داعش» زادت قوة تلك الجماعات.
وأضاف: «بدأت تلك الجماعات بالبروز بشكل لافت في عام 2015 وتبنت إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل وحماس اعتقلت العشرات منهم ووقعت حوادث إطلاق نار واشتباكات مسلحة قتل فيها أحد أعضاء تلك المجموعات، بالإضافة لما أحدثته من تفجيرات استهدفت كوادر حماس».
ويرى إبراهيم أن حركة حماس تحاول التوصل لتفاهمات مع تلك الجماعات، لكنها كذلك تخشى منها ومستمرة في التعامل معها باتجاهين؛ التفاهمات والحل الأمني.
ولفت إبراهيم لبروز تنظيم حركة الصابرين بشكل أكبر خلال عام 2015، التي قال إنها تتبنى «المذهب الشيعي» وهي حركة سياسية ولديها مجموعات مسلحة ومدعومة من إيران، وتحاول أن تفرض وجودها في الساحة بين الأجنحة المسلحة.
وقال إبراهيم إن «حماس لا تخشى من حركة الصابرين وتشيعها بقدر ما تخشى من انفلاتها عسكريا باتخاذ المبادرة من خلال إطلاق الصواريخ أو القيام بعمليات عسكرية كما حدث الأسبوع الماضي، وتفجير عبوات ناسفة بالقرب من سيارة عسكرية جنوب قطاع غزة على الحدود الشرقية وقد تعمل مثل هذه العمليات على دحرجة الأمور».
وأضاف: «في اعتقادي أن حركة الصابرين لا تشكل خطرا أو تهديدا على حركة حماس كما تشكل الجماعات السلفية السنية من تهديد عليها، لكنها حتى الآن لم تستطع الخروج من شرنقتها وقمع حماس لها، ورفض الشارع الفلسطيني في غزة لتلك الأفكار، لكن مقاربة حماس هي طالما أن تلك الجماعات ملتزمة بالتهدئة أو الإجماع الوطني بعدم التصعيد مع إسرائيل إلا في ظل اتفاق وطني، فمسموح لها العمل، أما إذا لم تلتزم كما حدث خلال الأشهر الماضية، فيد حماس الثقيلة ستضرب بقوة».
وإلى جانب هؤلاء يوجد بالتأكيد من يتربص بحماس في غزة، وهي قوى لها تاريخ طويل من العداء والثأر مع حماس.
حماس أمام تحد بعد بروز تيارات متشددة وأخرى شيعية في غزة
الحركة ما زالت تحكم قبضتها على القطاع لكنها قلقلة من تنامي قدرات وحجم الآخرين وانفلاتهم العسكري
حماس أمام تحد بعد بروز تيارات متشددة وأخرى شيعية في غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة