الشيف السوري فادي العواد.. رحلة ربع قرن في فن الطهي

من آخر مؤلفاته كتاب للطهي باللغة الألمانية

فادي العواد مع كتابه باللغة الألمانية عن فنون المطبخ السوري - من أطباق الشيف فادي العواد - أطباق غربية بنفس شرقي
فادي العواد مع كتابه باللغة الألمانية عن فنون المطبخ السوري - من أطباق الشيف فادي العواد - أطباق غربية بنفس شرقي
TT

الشيف السوري فادي العواد.. رحلة ربع قرن في فن الطهي

فادي العواد مع كتابه باللغة الألمانية عن فنون المطبخ السوري - من أطباق الشيف فادي العواد - أطباق غربية بنفس شرقي
فادي العواد مع كتابه باللغة الألمانية عن فنون المطبخ السوري - من أطباق الشيف فادي العواد - أطباق غربية بنفس شرقي

على مدى ربع قرن من رحلته مع عالم الطهي، حاول الشيف السوري فادي العواد تقديم المطبخ السوري بتنوع وجباته ومأكولاته، كما هو تنوع الفصول الأربعة في سوريا، وفادي الذي عمل كبير طهاة في فنادق الخمس نجوم في العاصمة دمشق انتقل قبل سنوات قليلة للعيش والعمل في ألمانيا وقبلها كان حاضرًا ولسنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة.
في ألمانيا يعمل العواد على نشر مفردات المطبخ السوري من خلال أحد المطاعم الألمانية التي تقدّم كل شهر قوائم طبخ من بلدان مختلفة، ومنها الشرقي؛ حيث وضع العواد بصماته عليه من خلال النكهات الشرقية، ولاقت ترحيبا من الضيوف بشكل عام والضيوف الألمان بشكل خاص؛ حيث مزجت حضارة الشرق بالغرب واستنسخت المطبخ (الشرق غرب) وما زال يقدم ضمن قوائمه المأكولات السورية البيتية والمتوارثة بنكهة سورية، وكان النشاط الأخير والمهم الذي قدّمه مؤخرًا في ألمانيا، والذي كان محل احتفاء الألمان وقنواتهم الإعلامية ومؤسساتهم الاجتماعية، هو إصدار كتاب من إعداده عن المطبخ السوري والوصفات السورية وثقافة البلد في مجال الطعام، صدر مؤخرًا باللغة الألمانية. ويوضح العواد أن الهدف من كتابه الجديد هو تعريف الألمان بثقافة المطبخ السوري والمنتجات السورية الطازجة والصحية، ويأتي تحت برنامج دعم الأطفال؛ حيث ريع الكتاب سيعود لأطفال سوريا. وكان شعاري - يتابع فادي - هو زرع البسمة على وجوه الأطفال!.. في ألمانيا وبعد استقراره هناك كتبت المجلات والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي عنه، قائلة: إنه السوري القادم من الشرق يطبخ بنكهات عالمية مازجا سحر الشرق بعبق الغرب ليقدم لنا مأكولاته اللذيذة.
يتحدث الطاهي فادي العواد لـ«الشرق الأوسط» عن بداياته في عالم الطهي والمراحل التي مرّ بها من خلال رحلته المتواصلة منذ ربع قرن شارحًا: الحياة الأسرية التي كانت تجمعنا بـ11 شخصا وطقوس الطعام على مدار 25 سنة تناغمت مع أشكال الأطباق ولذة الطعم بطبخات متواضعة تحمل في تشكيلها منتجات الفصول الأربعة في سوريا، كنت أتعرف على أشكال جديدة ومذاقات متجدده؛ لذلك أُغْرِمْتُ بطعام أمي، خصوصا وجبة الغداء، تبلورت لدي دوافع مهنية حول صناعه هذا الكم الهائل يوميا، بدأت بسن مبكرة في فترات العطل المدرسية وكان لي أول محطة عمل فندق الميريديان بدمشق سنه 1990 لا أنسى هذا اليوم: بدلات بيضاء وقبعات بيضاء وصوت تلاطم الصحون وهدير أصوات الطباخين يملأ المكان.. وقفت حائرا ما عساني أن أفعل بين زحمة خبرات الطباخين؟ عشقت المهنة من أول يوم تعلمت فيه كيف أمسك السكين وأرى قطع الخضار تتطاير على الطاولة.. ابتسم الطهاة الفرنسيون الموجودون بالمطبخ وتكلموا معي بلغة لم أفهمها إلاّ بعد حين.. وبدأت رحلة العمل اكتسبت خبرتي في المطبخ الفرنسي وبتخصص القسم البارد استمتعت بتزيين الأطباق وصناعة «التيرين» الفرنسي والسلطات الفرنسية. وبدأت أبحث عن كل شيء جديد في المطبخ الفرنسي وهو مطبخ عريق ومتنوع ويعتبر من أفضل المطابخ.
ولكن المطبخ السوري كان هاجسه الأول وفي هذا المجال كان لـ(فادي) السبق في دمشق بتأسيس ما سمي «المطبخ المتنقل» من خلال الدراما التلفزيونية، وحول ذلك يوضح: «بعد الميريديان انتقلت لقصر النبلاء وكان من زوار المطاعم فيه نخبة من الفنانين والممثلين الذين عرضوا علي فكرة المطبخ المتنقل بين مواقع التصوير. كانت البداية بشركة الشام للإنتاج التلفزيوني وأسست مطبخا متنقلا يرافق عمليات التصوير ترك أثرا جميلا لدى الفنانين والفنيين كافة. بداية المشوار كانت من مسلسل (إخوة التراب)، ومن ثم مسلسلات الفانتازيا الصحراوية، ومنها (الجوارح) و(عدالة الصحراء) و(تل اللوز) وأخيرا في المسلسل الشامي الشهير (باب الحارة)».
إن فكرة أن تتناول الطعام الساخن والشهي في الصحراء أو البادية أو الجبال - يعلق فادي - شيء من الخيال لدى الفنانين.
بعد دمشق كانت محطة فادي العواد الإمارات العربية المتحدة، هناك عمل لسنوات يتحدث عنها بكثير من الحنين والفخر، قائلاً: «بعد دمشق انتقلت لدولة الإمارات للعمل في فندق 5 نجوم مع طهاة من كل أنحاء العالم كانت تجربة صعبة، ولكنها ممتعة تنقلت بين المطبخ الفرنسي والإيطالي والشرقي، المقصود هنا الدول الشرقية كالصين واليابان وتايلاند، ومرورا بحوض البحر المتوسط. هنا بدأت قصة العشق لمهنتي، قدمت أطباقي بنكهات غربية شرقية وبطريقة تعتمد على مذاق خاص للأطباق الغربية حيث نكهة التوابل والصلصات والوجبات الإيطالية بنكهة زيت الزيتون والشرقية بأنواع الخضار الآسيوية وطرق تحضيرها».
عدت لسوريا بعد رحلة 5 سنوات حاملا في جعبتي كل شيء تعلمته، ومن هنا بدأت محطة جديدة في رحلتي بترك بصمتي بتحديد قوائم الطعام والتخصص بإنشاء المطابخ وتجهيزها وتدريب الكوادر، لأغادر بعد ذلك لألمانيا التي أعيش وأعمل فيها حاليا.
وعن خصوصية الأطباق التي يحضرها فادي، يوضح: «لدي أطباقي الخاصة لأنني مزجت المنتج السوري بنكهات غربية وطبخات المنتج الغربي بنكهة شرقية، وهنا استنسخت مطبخي الخاص الذي بات يعرف باسمي وحظي بإعجاب الزبائن وأصحاب المطاعم كافة».
وحين تفتح قائمه الطعام تدرك أن الشيف فادي هو من يعمل بالمطبخ، على سبيل المثال: «هناك سلطة اسمها (نوار)، أسميتها على اسم ابنتي الأولى، وكانت في أول يوم من مولدها وهي عبارة عن مزيج من الخضراوات الطازجة والمتبلة بزيت الزيتون يغطي وجهها الجبن البلدية وتوضع بصحن من الخبز العربي المحمص».
وينصح الشيف فادي المتذوقين بالتأكد من أسس سلامة الغذاء والمكون الرئيسي للمادة، قائلاً: «أنصحكم بالابتعاد عن أساليب الطبخ بالمايكرويف والإشعاعات الضارة بالصحة واستخدام البدائل الصحية للمواد والتخفيف من استهلاك المواد الدهنية والإكثار من الألياف والحبوب والخضار وتناول 3 وجبات نظامية، والتكيف في المجتمع بعادات وتقاليد الطبخ لأنها تولد مشاركات اجتماعية وعلاقات أسرية، إن لذة الطبق لا تعتمد على صحته أو سلامته، بل تعطيه النكهات أنواعا كثيرة من أشياء ضارة بصحة الإنسان؛ ولذلك يجب البحث عن الطازج والمعد بطرق صحية».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».