سوريا.. طريق الحل السياسي لا يزال غير معبد

غليون أكد لـ {الشرق الأوسط} أن 2015 شهد هزيمة الإيرانيين وحزب الله في سوريا فجاء الروس لإنقاذ النظام

سوريون يسيرون وسط دمار سببته غارة لطيران النظام السوري بأحد شوارع دوما الواقعة شرق العاصمة دمشق (أ ف ب)
سوريون يسيرون وسط دمار سببته غارة لطيران النظام السوري بأحد شوارع دوما الواقعة شرق العاصمة دمشق (أ ف ب)
TT

سوريا.. طريق الحل السياسي لا يزال غير معبد

سوريون يسيرون وسط دمار سببته غارة لطيران النظام السوري بأحد شوارع دوما الواقعة شرق العاصمة دمشق (أ ف ب)
سوريون يسيرون وسط دمار سببته غارة لطيران النظام السوري بأحد شوارع دوما الواقعة شرق العاصمة دمشق (أ ف ب)

كل اللقاءات والحوارات والجهود التي بذلت على طريق بلورة اتفاق سياسي يوقف آلة القتل في سوريا، لم تفض إلى نتيجة، خصوصًا بعد التدخل العسكري الروسي الذي زاد من تعقيدات المشهد السوري، لأنه قام على ثابتتين أساسيتين: الأولى محاولة فرض حلّ سياسي بالقوة يبقي بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، والثانية إرغام المعارضة على أن تكون جزءًا غير مؤثر في أي صيغة حكم جديدة.
غير أن عام 2015 رغم كلّ تعقيداته أقفل على إيجابيتين مهمتين: الأولى مؤتمر الرياض الذي رعته السعودية ونجح في توحيد المعارضة المعتدلة بجناحيها السياسي والعسكري، والثانية قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254» الذي أقرّ الاتفاق الذي توصلت إليه المجموعة الدولية لدعم سوريا، التي تضمّ 17 دولة، ويفضي إلى وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية، والدخول في الإجراءات الأولية لمفاوضات الانتقال السياسي للسلطة في سوريا برعاية الأمم المتحدة.
لكن كلّ هذه الإيجابيات لا تعني أن الطريق بات معبّدا أمام الحل السياسي الذي يخرج السوريين من محنتهم، وهو ما تقاطعت عنده آراء المعارضة السورية والخبراء المتابعين لمجريات الأزمة السورية، ذلك لأن جذور هذه الأزمة لم تجر مقاربتها بشكل موضوعي، لا سيما ما يتعلّق منها بحسم مصير بشار الأسد، وتقليص التأثير الإيراني الذي يلعب دورًا مدمرًا في سوريا وفي المنطقة، وهذا ما أشار إليه عضو الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة في سوريا (الرئيس الأسبق للمجلس الوطني) برهان غليون، في الوقت الذي اعتبر فيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس المحلل الاستراتيجي خطار أبو دياب، أن تعقيدات الأزمة السورية لم تبدد، وأنها ستؤجل إلى ما بعد انتخاب رئيس أميركي جديد في نهاية 2016، ومعرفة السياسة التي ستنتهجها الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا والمنطقة، مما يعني أن الحرب السورية ستستمرّ.
ويعد غليون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «خلال هذه السنة (2015) كان هناك تخبط من أجل التوصل إلى حل عسكري، وفق ما كان يعتقد الإيرانيون، ولكن عندما منوا بالهزيمة هم وحزب الله، جاء الدخول الروسي لإنقاذ النظام والفرض على المعارضة الدخول في الحكومة من دون تغيير النظام». ويرى أنه «بعد اعتراف الإيرانيين بالهزيمة، دخل الروس على الحرب، لكنهم لم يحققوا أي تقدم على الأرض، واكتشفوا فشل النصر العسكري وعجزهم عن سحق الثورة»، مشيرًا إلى أن «الإخفاق الروسي ولّد إرادة دولية تشاركية لإيجاد حل في سوريا لسببين: الأول أن الإرهاب صار يخيف الجميع خصوصًا بعد الأعمال الإرهابية التي شهدتها باريس، والثاني موضوع اللجوء الذي تحول إلى كرة ثلج، وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى الحديث عن وقف للقتال في سوريا».
كل هذه الإيجابيات المطروحة غير قادرة على إنتاج حلّ، أو الوصول إلى تسوية توقف الحرب. وفي نعي مبطن لقرار مجلس الأمن، أبدى غليون اعتقاده بأن «التسوية المطروحة في القرار الأممي تقضي بجمع (الذئب والحمل) في قفص واحد وتدعوهم إلى الاتفاق». ويشدد على أن «الحل يبدأ بحسم مصير بشار الأسد المسؤول عن القتل الجماعي واستخدام (الكيماوي) ضد شعبه وقصف الأبرياء بالبراميل المتفجرة والغازات السامة»، مؤكدًا أنه «لا يوجد رئيس في العالم لا يعبّر عن حزنه على رحيل نصف شعبه، والمؤسف أن القرار لم يحدد مصير الأسد، وهو يستجيب للرؤية الروسية التي تقول إن الشعب السوري يقرر مصيره، في حين أن من يقرر مصير الشعب السوري هو الأسد بدعم من إيران والميليشيات الشيعية».
ولم يخف غليون وجود رغبة لدى كثير من الدول الغربية، خصوصًا أوروبا، في الحل في سوريا، لكنه أعلن أن القرار الدولي «ينطوي على ألغام تعطّل الحل، خصوصًا ما يتعلق بمصير الأسد والحد من نفوذ إيران وسياساتها العدائية في سوريا ولبنان والعراق واليمن». وقال: «حصلت ثورات في تونس ومصر ولم تؤد إلى فوضى، لكن ما جعل سوريا محرقة، وجعل الشعب السوري وشعوب المنطقة وقودًا لهذه المحرقة، هو إيران التي سعت إلى تعزيز نفوذها في سوريا برئيس أخرق».
وتذهب تقديرات عضو الائتلاف إلى أن «الحرب ستستمر في سوريا، خصوصًا أن الذين وقفوا على القرار، أي الروس، مستمرون في القصف وارتكاب المجازر بأسلحة مدمرة»، مذكرًا بما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن «سوريا أفضل حقل لتدريب الجيش الروسي واختبار أهمية الأسلحة الروسية وفاعليتها». ويتابع: «الطريقة التي تدخل بها للحل غير جدية، خصوصًا تجاهل أسباب المشكلات، خصوصًا في ما يتعلّق بالأسد وإيران التي تريد نفوذًا في المنطقة من أجل زعزعة استقرارها».
وينتهي غليون إلى القول: «ما دام الحل ينطلق من هذه القواعد، فإن الحرب ستستمر، ولذلك، فإن الطريق لن تكون معبدة أمام أي حل سياسي يضع حدًا لمحنة الشعب السوري».
ولم تختلف مقاربة الخبير الاستراتيجي خطار أبو دياب عما قاله غليون، حيث يرى أن «تراكم الأحداث في 2015 وفشل المحور الإيراني في الحسم، دفعا بروسيا إلى التدخل بقوة، وأعطيا الأولوية لدى المجتمع الدولي بعد جهد جهيد لقرار مجلس الأمن رقم (2254)، الذي وضع حدا أدنى من التفاهم الأميركي - الروسي، علمًا بأن القرار هو أقرب إلى الرؤية الروسية منه إلى المعارضة السورية».
ويؤكد أبو دياب أن «القرار الدولي ليس إلا وسيلة تحاول أن تنقذ روسيا من الغرق أكثر في المستنقع السوري». ويلفت إلى أن «رأس النظام السوري ومحاولة تأليف ما تسمى حكومة وحدة وطنية، سيكون محور المفاوضات المنتظرة»، مبديًا اعتقاده بأن «أقصى ما يمكن التوصل إليه، وقف جزئي لإطلاق النار هنا وهناك، والنظام لن يتنازل، وما دام ميزان القوة كذلك، فلن يسمح بانفراجات كبيرة في سوريا».
وفي قراءته لمسار الأحداث، يرى الخبير الاستراتيجي أن «ما يحصل في العراق واليمن يلقي بثقله على المشهد السوري ضمن لعبة الأمم الجديدة». ويتوقع أن «تحصل مفاجآت، لكن ليست بمستوى ولادة حل في سوريا»، ويعدّ أن الحل «رهن بالإدارة الأميركية الجديدة، لذلك نحن أمام كسب جديد للقوت وليس أمام فرصة للحل».
وبرأي أبو دياب، فإن «الملف السوري لم يكن في أولويات (الرئيس الأميركي باراك) أوباما، الذي كان ينتظر ترتيب الملف النووي مع إيران، لكن جاءته صدمة دخول روسيا ساحة الحرب في سوريا، وأتى ذلك نتيجة ميزان القوة». ويلفت إلى أن «الخلافات الإقليمية والدولية والخلافات داخل الأطراف السورية كلها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في محاولة رسم خريطة طريق، لكن رسم خريطة الطريق شيء، وبدء التنفيذ شيء آخر». ويخلص أبو دياب إلى القول إن «نهاية عام 2015 حددت خطوة أولى للعملية السلمية، لكنها مجرد خطوة على درب شائك».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.