عصر جديد يشهد نفاذ نساء السعودية المتزايد إلى الفضاءات العامة، ودعم نضال التمكين والمشاركة في صنع القرار، مع التوجه الحكومي للارتقاء بالسعوديات، الذي فتح الباب للنساء في خوض غمار العملية الانتخابية للمجالس البلدية للمرة الأولى، بما يعد حدثا نسويا بالغ الأهمية يسجله عام 2015، عبر تنافس أكثر من 900 امرأة في معترك الحراك الانتخابي جنبا إلى جنب مع نظرائهن من الرجال.
النهوض بالنخب النسائية الذي تقوم به الحكومة السعودية، يأتي بعد القرار الملكي الصادر في 25 سبتمبر (أيلول) عام 2011، والقاضي بمشاركة المرأة في انتخابات المجالس البلدية ناخبة ومرشحة، وفقا للضوابط الشرعية المعمول بها في البلاد، لتأتي هذه المشاركة في الدورة الثالثة بعد أن غابت المرأة السعودية عن الدورتين السابقتين، عامي 2005 و2011.
والانتخاب، كما يراه أهل الاختصاص: توكيل ونيابة، وذلك ما ذهب إليه الدكتور الراحل مصطفى السباعي، وهو أحد كبار الإسلاميين الذين شغلوا بهذا الأمر، وانتهى بعد بحث مع مجموعة من المختصين في الشريعة إلى أن الانتخاب اختيار لوكلاء ينوبون عن الناس في التشريع ومراقبة الحكومة، والمرأة في الشريعة الإسلامية ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع، بحسب ما يؤكد السباعي.
وحول المرأة السعودية على وجه التحديد، فلقد أثبتت أهليتها وجدارتها واستحقاقها في ممارسة العمل الانتخابي، فعلى مستوى التعليم تكشف إحصائيات حديثة عن أن الخريجات السعوديات شكلن نحو 49.6 في المائة من خريجي الجامعات السعودية في عام 2014، في حين تمثل المرأة نحو 51.8 في المائة من مجمل عدد الدارسين المسجلين في الجامعات السعودية.
وعلى صعيد العمل، تؤكد أرقام حديثة أن عدد السعوديات اللاتي اقتحمن سوق العمل ارتفع بنسبة 48 في المائة منذ عام 2010، وتؤكد أنظمة العمل السعودية أن حق الحصول على عمل هو حق مشاع للجنسين دون تفرقة، وتحصل المرأة على بعض المزايا التي تتناسب مع طبيعتها من خلال باقة من القرارات والتنظيمات.
هذه المعطيات تعزز من قيمة دخول نساء السعودية إلى معترك الساحة الانتخابية وانتزاع مقاعد في المجالس البلدية، وإن كان بعض المراقبين يرون أن هناك أمورا ملقاة على عاتق المرأة السعودية من أجل العمل على تغيير نظرة المجتمع السعودي وثقافته حيال دورها من عملية صنع القرار وتفعيل دورها في ساحة العمل العام ووجود الدافعية لدى المرأة للمشاركة الجادة وعدم الاكتفاء بالحضور الشرفي.
وتقرأ الدكتورة هتون الفاسي، وهي المنسقة العامة لمبادرة (بلدي) المعنية بتمكين المرأة، أجواء حراك نساء السعودية الانتخابي، قائلة: «عدد كبير من النساء دخلن السباق الانتخابي بشكل جدي واحترافي ولديهن أهداف حقيقة للتطوير وللإصلاح»، مضيفة: «رأينا كذلك أفكارا إبداعية بين المرشحات». وتؤكد الفاسي وجود صعوبات تواجه المرشحات في الوصول إلى الناخبين والناخبات، مرجعة ذلك لعدم وجود أي آلية حقيقة للتواصل بين الطرفين، إنما المسألة متروكة لحظ كل مرشح ولحظ كل ناخب حين يرى إعلان المرشح بالصدفة، حسب قولها.
وتتابع الفاسي حديثها لـ«الشرق الأوسط» مبينة أن «في إطار هذه القيود فإن المرشحات يبذلن أقصى جهدهن في محاولة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناخبين والناخبات، وتنويع وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام وسائل مبتكرة تتضمن عملا ميدانيا وإبداعيا كبيرا، واستثمار ما يمكن أن تتيحه القوانين والأنظمة».
وبسؤال الفاسي عن الوعي المجتمعي تجاه حضور المرأة الانتخابي، رأت أن هناك اختلافا كبيرا في ردات الفعل، مشيرة لوجود شريحة واسعة ممن يعتقدون أن هذا الأمر لا يعنيهم، قائلة: «عدد الناخبات المسجلات على مستوى السعودية نحو 124 ألف ناخبة، وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد الناخبين الرجال الذي يقارب المليون».
وتضيف: «مر أكثر من 10 سنوات منذ دخلنا في انتخابات المجالس البلدية، ومنذ 4 سنوات ونحن نعلم أن النساء سيدخلن معترك الانتخابات البلدية، لكننا لم نتحرك فعليا إلا في الأشهر الأخيرة، بالتالي فإن الانتخابات لا تعني إلا من سجلوا أسماءهم كناخبين وناخبات وبذلوا الجهد الكافي تجاه المشاركة فيها». وتشير الفاسي إلا تواضع الثقافة الانتخابية في البلاد ككل (لدى النساء والرجال)، موضحة أن هناك خلل في نشر هذه الثقافة، حسب قولها.
وقد يقفز السؤال «نساء السعودية في المجالس البلدية.. إضافة؟ أم مزيد من الشيء نفسه؟»، إلا أن النخب السعودية تؤمن بأنه من المبكر جدا الحكم على هذه الوثبة، وخاصة أن فئات متزايدة الاتساع من النساء صارت تنخرط في العمل التنموي الاجتماعي، فالمرحلة الحالية هي مرحلة «الولوج» إلى منطقة جديدة بالنسبة للسيدات، يحاولون فيها وضع بصمة وإثبات الذات.
وتأتي هذه المرحلة الجديدة استكمالا لنجاحات سابقة حصدتها المرأة السعودية في إطار تمكينها من صنع القرار، بعد نحو 3 سنوات منذ إعطاء المرأة الحق في الدخول إلى قبة الشورى، عبر الأمر الملكي الصادر عام 2013 بتشكيل مجلس الشورى والذي أقر تعيين 30 سيدة بالمجلس لأول مرة في تاريخ السعودية، وتضمن الأمر الملكي تخصيص 20 في المائة من مقاعد المجلس للنساء.
وفي قراءة عميقة لهذه التحولات، تقول الباحثة الفرنسية أميلي لورونار: «في سنة 2005 لم تحصل السعوديات على الحق في التصويت في الانتخابات البلدية، غير أن انتخاب سيدتي أعمال في مجلس إدارة غرفة التجارة في جدة تمت تغطيته إعلاميا في السعودية وفي الخارج كما لو أن الأمر (خطوة أولى) في اتجاه مشاركتهن في أنواع أخرى من الانتخابات».
وتستكمل لورونار حديثها في كتابها «النساء والفضاءات العامة في المملكة العربية السعودية» الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، قائلة: «وفي سنة 2009 عينت سعودية اسمها (نورة الفايز) نائب وزير لقطاع تعليم البنات، بالغة بذلك المركز السياسي الأعلى الذي مُنح لسعودية على الإطلاق، ونجاح السعوديات ذاك كان في قلب تجديد الخطاب حول الإصلاح، خطاب لم يعد يستند إلى الصراع من أجل تطبيق صارم للتعاليم الإسلامية، بل إلى إسلام معتدل، و(دين الاعتدال) باعتباره رابطا اجتماعيا».
ومن المهم الأخذ بالاعتبار أن دخول نسوة السعودية إلى انتخابات المجالس البلدية ليست التجربة الأولى من نوعها، فالسعوديات لهن حضور فعال منذ سنوات في انتخابات مجالس الغرف التجارية على مستوى كل المناطق بالبلاد، وكذلك الانتخابات الثقافية للأندية الأدبية، إلا أن هاتين التجربتين يتميزان بالطابع النخبوي ولا تتعلقان بالشأن العام الاجتماعي، الأمر الذي يضفي أهمية أكبر على انتخابات المجالس البلدية، بصفتها ذات طابع شعبي وذات دور في صنع القرار الوطني.
من ناحيتها، ترى عهود اليامي، وهي محاضرة ومدربة ومشاركة في الانتخابات البلدية، أن الوعي المجتمعي بأهمية مشاركة النساء في معترك العمل الانتخابي ما زال متواضعا، مضيفة «بعد أن بدأت في الحملة الانتخابية انهالت عليّ الأسئلة حول مفهوم الانتخابات ودور المجالس البلدية وماذا تستطيع أن تفعل المرأة.. ووجدت أن هناك شريحة سعدت لدخول المرأة لهذه الدائرة، وفئة أخرى تعتقد أن المرأة أقحمت نفسها في أمر لا يعنيها.
وتستمر اليامي في حديثها الهاتفي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن نتائج الدورتين السابقتين خيمت بدورها على تطلعات وتوقعات عامة الناس، وخاصة أن النساء لم يشاركن في الدورتين السابقتين مما يفتح باب التساؤل عما ستقدم النسوة هذه المرأة في العمل البلدي. وتتابع: «بعض الرجال ممن شاركوا في الدورتين السابقتين ولم يجدوا ما يناسب تطلعاتهم، فضلوا العزوف والانسحاب عن هذه الدورة سواء بشكل إيجابي أو سلبي».
وتعتقد اليامي أن كثيرًا من فئات المجتمع ما زالت لا تدرك معنى أن تكون المرأة قد دخلت غمار الانتخابات البلدية كمرشحة وناخبة، مضيفة: «تلقيت عدة اتصالات للاستفسار عن آلية المشاركة بعد انتهاء الفترة المخصصة لتسجيل الناخبين والناخبات، وهذه إشكالية واجهتنا»، في حين ترى أن هناك طابعا نخبويا لدى صفوف السيدات المرشحات أنفسهن، واللاتي تتسلح معظمهن بالشهادات العليا والمناصب المرموقة، مرجعة ذلك لكونها التجربة الأولى وتحتاج إلى دخول قوي ومدروس لمواجهة التحديات، بحسب قولها.
أمام ذلك، يتساءل البعض: هل جاء الحضور الانتخابي للسيدات بمستوى التوقعات؟، نعم، هذه كانت إجابة الأكثرية من المرشحات اللاتي التقتهن «الشرق الأوسط»، ومعظمهن أبدين تخوفا من الإدلاء بآرائهن حول هذه التجربة الانتخابية الأولى من نوعها، مرجعين ذلك إلى كون لجنة الانتخابات منعت المرشحين والمرشحات عن الإدلاء بأي حوارات صحافية، لكنهن طلبن تقديم رأيهن دون التعريف بأسمائهن.
إذ تعتقد إحدى المرشحات أن «إقرار مشاركة نساء السعودية في الانتخابات البلدية فتح آفاق العمل والشراكة العامة التي لا تقتصر على الترشيح والاقتراع، بل هناك دور كبير ينتظر المرأة في تثقيف ذاتها والمجتمع سياسيا والتهيئة للعمل الجاد في رسم خريطة الحياة الاجتماعية، ومن الوارد أن ينعكس هذا الدور على الأجيال القادمة التي ستولد غدا بنضج أكبر، في ظل مبادئ المساواة والعدالة الكاملة».
وترى مرشحة أخرى، أن «إشراك المرأة في عمل المجالس البلدية من شأنه إضفاء بصمة جديدة في تاريخ البلديات، بالنظر لكون المرأة تحمل هاجس الاهتمام بالتفاصيل والتفكير بالجوانب الاجتماعية أكثر مقارنة بعمل الرجال في المجالس البلدية»، متفائلة أن يكون للسيدات موقعا بارزا في خريطة العمل البلدي خلال الفترة المقبلة، سواء في الفوز الانتخابي أو التعيين الحكومي.
وبالنظر للبرامج الانتخابية التي قدمتها السيدات المرشحات، يبدو لافتا الاهتمام بقضايا الطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وكبار السن، كذلك حصدت القضايا البيئية وملف تدوير النفايات وشؤون الصحة العامة على حضور كبير بين البرامج الانتخابية للسيدات، وأعلنت إحدى المرشحات تبنيها لفكرة إيجاد مكتبات للقراءة في كل حي، في حين قدمت مرشحة أخرى أفكارا للرعاية الصحية داخل الأحياء.
وتبدو هذه الآراء الخلاقة نوعا من كسر النمط السائد للبرامج البلدية التقليدية التي يتبناها مرشحو المجلس البلدي من الرجال، ومحاولة لمحاكاة الحس الأسري والاجتماعي داخل نسيج الأحياء والبلديات، بما ينسجم مع طبيعة المرأة، وهو ما يراه مراقبون يمثل إضافة نوعية لسير العمل البلدي في البلاد، بما يضمن تكاتف الجهود من الجانبين، النساء والرجال.
وقبيل دخول السيدات لمعترك الحراك الانتخابي كان لهن تحركات مكوكية أشبه بـ«خلية النحل»، حيث عمدت عدد من الجهات على تدريب السيدات على كيفية التعاطي مع العملية الانتخابية، وتوضيح الرؤية للناخبات والمرشحات، من ذلك برنامج (مدى) التدريبي الذي جاء بالشراكة بين صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة بمدينة الخبر وجمعية النهضة النسائية الخيرية في الرياض، وبرعاية مؤسسة الملك خالد الخيرية، في شهر أغسطس (آب) الماضي.
وفي إطار إتاحة الفرص بالتساوي بين المرشحين من الجنسين، كان المهندس جديع القحطاني، رئيس اللجنة التنفيذية المتحدث الرسمي للانتخابات البلدية؛ قد أوضح أنه تم منع ظهور صور المرشحين في الحملات الانتخابية، عملا بمبدأ المساواة بين المرشحين والمرشحات، وهو ما يشمل كذلك عدم قيامهم باللقاءات في الصحف والمجلات وقنوات التلفزيون العامة والخاصة في السعودية وخارجها، لأن الفرصة لن تكون قائمة لظهور بقية المرشحين والبالغ عددهم 6917 مرشحا ومرشحة على مستوى السعودية.
كما أكد القحطاني، خلال بيان صحافي أصدرته لجنة الانتخابات في وقت سابق، أنه متاح للمرشحين والمرشحات تقديم أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون وجود الصور الشخصية للمرشحين، وأشار إلى أن خدمة الرسائل النصية والمراسلة الفورية «واتساب» واستخدام المرشحين لها في حملاتهم الانتخابيَّة يخضع لنظام الاتصالات وضوابط الحد من الرسائل الاقتحامية، والتي تمنع اختراق الخصوصية للمستخدمين وعدم إقحامهم وهواتفهم في الحملات الدعائية والإعلانية.
جدير بالذكر أن عدد المجالس البلدية في السعودية بلغ 284 مجلسا بلديا، ويبلغ عدد الأعضاء في الدورة الثالثة 3159، ثلثهم منتخبون، أي 2106. ويتكون المجلس من عدد من الأعضاء وفقا لفئات البلدية لا يزيد على 30 عضوا يُختار ثلثاهم بالانتخاب، ويُعين الثلث الآخر بقرار من الوزير، وتصنف المجالس البلدية وفقا لعدد الأعضاء.
ويتولى المجلس – في حدود اختصاص البلدية - إقرار الخطط والبرامج البلدية الآتية: تنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية، تنفيذ مشروعات التشغيل والصيانة، تنفيذ المشروعات التطويرية والاستثمارية، برامج الخدمات البلدية ومشروعاتها.
في حين يدرس المجلس الموضوعات الآتية، ويبدي رأيه في شأنها قبل رفعها إلى الجهات المختصة: مشروعات المخططات الهيكلية والتنظيمية والسكنية، نطاق الخدمات البلدية، مشروعات نزع الملكية للمنفعة العام، ضم بلديتين أو فصل بلدية إلى بلديتين، الرسوم والغرامات البلدية، شروط وضوابط البناء ونظم استخدام الأراضي، الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة، إنشاء البلديات الفرعية ومكاتب الخدمات، إلى جانب ما يوجه الوزير بعرضه على المجلس.
وحملت الدورة الانتخابية الثالثة جملة من المفاجآت والتعديلات الجديدة، أبرزها: تخفيض سن الناخب إلى 18 عاما بدلاً من 21 عام، وإعطاء المرأة أحقية المشاركة في الانتخابات البلدية، حيث نص النظام بصورته الجديدة على الحق لكل مواطن (ذكرًا أو أنثى) في الانتخاب وحق الترشح وفق الضوابط الشرعية، انتخاب ثلثي أعضاء كل مجلس بلدي بدلا من النصف، زيادة عدد الدوائر الانتخابية، رفع مستوى التأهيل التعليمي للمرشح لعضوية المجالس البلدية إلى مؤهل الثانوية العامة أو ما يعادلها، بدلاً من الاكتفاء بأن يقرأ ويكتب كما كان معمولا به في السابق.
المرأة السعودية تنتصر
بعد دخولها قبة «الشورى».. تصل إلى معترك العمل البلدي
المرأة السعودية تنتصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة