عاين اللورد سيباستيان كو رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وهو الكيان الدولي الأكبر المنظم لهذه الألعاب عالميًا، الرياضة التي يمثلها وهي تسقط في الوحل، مع احتمالات تفاقم الأوضاع وازديادها سوءًا خلال الأسابيع القليلة القادمة.
لقد كانت الشهور الـ12 الماضية سيئة بكل المقاييس بالنسبة لسمعة الرياضيين بمجال ألعاب القوى، لكن من المعتقد أن تزداد الأمور سوءًا على امتداد الفترة المقبلة، حيث من المتوقع أن تتعرض شخصيات رفيعة المستوى بهذا الحقل الرياضي لمنع مدى الحياة من ممارسة الرياضة، بل وقد يصل الأمر مع بعضهم حد التعرض للسجن. ومن المنتظر الإعلان عن مزيد من التفاصيل بخصوص الفساد المستشري داخل الاتحاد الدولي لألعاب القوى لدرجة مكنت بعض المسؤولين من طلب رشوة من عداءة الماراثون الروسية ليليا شوبوكوفا للتعتيم على بعض التجاوزات التي كشفها تحليل المنشطات الخاص بها. إنها مشكلات كبرى أمام سيباستيان كو الرئيس الجديد للاتحاد الدولي لكنها أيضًا ربما فرصة لبدء حملة الإصلاحات.
ومن المنتظر أن يبدأ تطور الأحداث في التحرك نحو نقطة الذروة، الأسبوع المقبل، مع بدء جلسات استماع لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الدولي لألعاب القوى لشهادات حول المسؤولين الذين ابتزوا شوبوكوفا. وسيزداد الوضع إثارة مع إعلان ديك باوند في 14 يناير (كانون الثاني) من ميونيخ إطلاقه الجزء الثاني من تقريره الذي من المعتقد أنه سيضع الاتحاد الدولي لألعاب القوى في حرج بالغ لا يقل عما سببته قضية العداءة الروسية. وبعد ذلك، تبلغ الأحداث ذروتها في التحقيق الجنائي الذي تجريه الشرطة الفرنسية حول الكثير من أعضاء الاتحاد الدولي لألعاب القوى، بما في ذلك رئيسه السابق السنغالي لامين دياك الذي تدور حوله مزاعم بتقاضيه رشى بقيمة مليون يورو.
أما أسلوب استجابة كو لهذه الأحداث، فيمكنه تحديد الصورة العامة التي سيبنيها الرأي العام تجاه فترة رئاسته للاتحاد.
جدير بالذكر أنه منذ توليه رئاسة الاتحاد عمد كو لتصوير نفسه باعتباره المكافئ لميخائيل غورباتشوف داخل الاتحاد الذي انتهج الفكر الإصلاحي عبر إقرار سياستي إعادة الهيكلة والانفتاح.
الملاحظ أنه فيما يخص كو فقد استمعنا منه عن إعادة الهيكلة أكثر مما سمعنا عن الانفتاح. في الوقت ذاته، فإن امتناعه عن توجيه انتقادات للحرس القديم داخل الاتحاد يثير قلق البعض بشدة. ورغم أن هذا الصمت قد ينبع من توجيه الشرطة الفرنسية له بعدم التعليق على أي من المسؤولين الذين يشملهم التحقيق، فإن منتقديه يخشون من أن كو ربما لا يبدي قدرة مناسبة على كشف الأخطاء والتجاوزات، خصوصا أنه وصف لامين دياك الرئيس السابق للاتحاد الدولي لألعاب القوى بـ« إنه قائد روحي».
وبعد أشهر قليلة من إزالة الستار عن الاتهامات الموجهة لدياك، أنكر كو معرفته بالقضية رغم أنه كان يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد منذ عام 2007.
والملاحظ أنه رغم التقارير المتواترة، يبدو كو بالفعل مترددًا حيال الاعتراف بمدى خطورة الموقف. وخلال ظهوره ببرنامج «اليوم» على التلفزيون الإنجليزي، واجه كو سؤالاً حول ما إذا كانت المشكلات التي يعانيها الاتحاد الدولي لألعاب القوى بذات خطورة المشكلات داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، واعترض كو موضحًا أن التجاوزات المحتملة لا تشمل سوى حفنة من المسؤولين. بيد أن الحقيقة، أنه على الرغم من عدد المسؤولين وحجم الأموال التي تدور حولها الاتهامات أقل، فإن هذا لا يمنع أن بعض من تجري بشأنهم تحقيقات - مثل غابرييل دولي، الرئيس السابق لشؤون مكافحة المنشطات بالاتحاد، وفالنتين بالاكنيشيف، الرئيس السابق للاتحاد الروسي لألعاب القوى وأمين خزانة الاتحاد الدولي لألعاب القوى، ودياك نفسه - ليسوا متهمين بتقاضي رشى فحسب، وإنما كذلك بالتأثير على أحداث داخل الملعب بسماحهم لشوبوكوفا باللعب رغم علمهم بتورطها في الغش بالمنشطات.
في المقابل، ورغم كل ما اقترفاه من أخطاء، لم يحدث أن وجه أحد اتهامًا لجوزيف بلاتر أو ميشيل بلاتيني باقتراف جرم مماثل.
من ناحية أخرى، بعث وزير رياضة الظل البريطاني كليف إيفورد، خطابًا إلى كو يطلب منه توضيحًا لكيفية تمكن مسؤولين بارزين بالاتحاد من ابتزاز أموال من رياضيين روس مقابل التعتيم على نتائج إيجابية بالنسبة للمنشطات لتحاليل الدم التي خضعوا لها، ومتى نما الأمر لمسامع رئيس الاتحاد للمرة الأولى.
كما طلب إيفورد، عضو البرلمان عن حزب العمال، من كو الحاصل على لقب لورد تفسيرًا أكثر تفصيلاً للروابط القائمة بين وكالة «تشايم سبورتس ميديا» للتسويق التي يمتلكها والاتحاد الدولي لألعاب القوى، محذرًا إياه بأن الاتحاد بحاجة لمزيد من الجهود لضمان التزامه بـ«أعلى درجات النزاهة والشفافية».
ويأتي ذلك بعد أيام من تنحي نيك ديفيز، الذي كان بمثابة الذراع اليمنى لكو من منصبه كنائب للأمين العام للاتحاد الدولي لألعاب القوى حتى الانتهاء من مراجعة لسلوكه في أعقاب تعرضه لاتهامات بالتغطية على مزاعم بتعاطي رياضيين روس للمنشطات.
وجاء قرار ديفيز في أعقاب تسريب رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني في يوليو (تموز) 2013 إلى بابا ماساتا دياك، مسؤول تسويق داخل الاتحاد الدولي لألعاب القوى، يشير خلالها إلى أنه سوف «أجلس للحديث إلى قسم مكافحة المنشطات لتفهم من هم الروس الذين لا يزالون بالخزانة، فيما يخص تعاطي المنشطات».
وحسبما ورد بخطاب إيفورد إلى كو، فإن «رسالة البريد الإلكتروني الصادرة عن ديفيز توحي بأن آخرين داخل الاتحاد الدولي لألعاب القوى كانوا على علم حال تنفيذ مثل تلك الاستراتيجية المعقدة المتعلقة بالرياضيين الروس الذين أثبتت نتائج التحاليل تعاطيهم منشطات. هل يمكنك توضح متى نما لعلمك للمرة الأولى هذا الأمر؟».
وتبعًا لإيفورد، فإن رسالة ديفيز تبدو متعارضة مع الشهادة التي أدلى بها كو أمام البرلمان مطلع ديسمبر (كانون الأول)، حول أن وحدة مكافحة تعاطي المنشطات داخل الاتحاد «معزولة بشكل محكم» عن بقية عناصر الاتحاد.
وأوضح إيفورد في خطابه إلى كو أنه: «لقد وصفت وحدة مكافحة تعاطي المنشطات داخل الاتحاد الدولي لألعاب القوى باعتبارها «وحدة معزولة بشكل محكم» داخل الاتحاد، وقلت إن هذا هو الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه حال الوحدة. ومع ذلك، فإن هذه الترتيبات لم تحل دون التحقيق مع الكثير من الأعضاء البارزين بالكيان التنفيذي داخل الاتحاد بخصوص مزاعم بطلبهم الحصول على أموال مقابل التغطية على نتائج تحاليل دم إيجابية فيما يخص المنشطات».
علاوة على ذلك، حث إيفورد كو على تقديم شرح أكثر تفصيلاً لحقيقة الصلات القائمة بين شركة التسويق التي يملكها، «تشايم سبورتس ميديا» والاتحاد، وذلك بعدما اقترح ديفيز في رسالته إلى بابا ماساتا دياك إمكانية استغلالهما النفوذ السياسي لكو وشركته في إطار «حملة علاقات عامة غير رسمية»، بهدف «وقف الهجمات التي تنوي الصحافة البريطانية شنها ضد روسيا».
ورغم تأكيد ديفيز على أن الاستراتيجية التي شرحها في رسالته الإلكترونية إلى دياك لم تنفذ على أرض الواقع قط، فإن إيفورد أشار إلى أن «حقيقة أنه ظن بأنه من المناسب مجرد اقتراح مثل هذا الأمر تثير الدهشة بالنظر لخبرته بمجال العلاقات العامة وإدارة الإعلام».
واستطرد بقوله: «إن إقرار الاتحاد الدولي لألعاب القوى لعقد مع شركة مرتبطة بنائب الرئيس في أي ظرف من الظروف، أمر يجب التعامل معه بأقصى درجات النزاهة والشفافية».
هل يستطيع سيباستيان كو إنقاذ ألعاب القوى
الشكوك تحوم حول غرق الاتحاد الدولي للعبة في فساد الرشى والمنشطات
هل يستطيع سيباستيان كو إنقاذ ألعاب القوى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة