الغرب الخاسر من صراع «داعش» و«القاعدة»

المنافسة الدموية تولد مزيدًا من التطرف والإرهاب من جنوب آسيا وأفريقيا إلى أوروبا الغربية

الغرب الخاسر من صراع «داعش» و«القاعدة»
TT

الغرب الخاسر من صراع «داعش» و«القاعدة»

الغرب الخاسر من صراع «داعش» و«القاعدة»

سرق «داعش» الأضواء من الأب الشرعي للتنظيم الإرهابي، «القاعدة». ولكن الجماعات المتطرفة ذات الصلات الوثيقة بـ«القاعدة» عملت على تصعيد القتال لاستعادة الزخم المفقود.
يقول المحللون، إنه خلال الأشهر الأخيرة، صعدت الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» من هجماتها على الأهداف الغربية، وبسطت سيطرتها على الأراضي في البلدان التي مزقتها الحروب واستخدمت سلاح الدعاية وعمليات القتل الانتقامية في إضعاف خصمها اللدود.
تعكس تلك الخطوات حجم التهديد العالمي الذي لا يزال يشكله تنظيم القاعدة ويبعث بإشارة على حالة التنافس الشديدة مع تنظيم داعش تلك التي تغذي الصراعات وتولد المزيد من التطرف والإرهاب من جنوب آسيا وأفريقيا وحتى أوروبا الغربية.
ساعدت تلك المنافسة الدموية على زيادة الفوضى وزعزعة استقرار البلدان مثل اليمن وسوريا، وفيها استغلت التنظيمات الإرهابية السنية الاضطرابات القائمة في السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي بقصد فرض العقائد والأفكار المتطرفة على السكان المحليين والتمهيد إلى شن هجمات إرهابية ضد الغرب.
يقول تيودور كاراسيك، وهو خبير في الشؤون الأمنية بمنطقة الشرق الأوسط يعيش في دبي إنه سباق من أجل الدمار، ومن الواضح أن ساحة القتال للمتطرفين تتسع بشكل كبير.
اتجه تنظيم داعش والمعروف كذلك اختصارا باسم (ISIS) و(ISIL)، بعد الانقسام عن «القاعدة» في بدايات عام 2014، إلى محاولة استمالة قلوب وعقول المتطرفين الناشئين.
وأعلن التنظيم الإرهابي داعش خلافته المزعومة العام الماضي عقب السيطرة على أراض واسعة في العراق وسوريا. ولقد أبهر التنظيم مؤيديه ببراعة آلته الدعائية من خلال تصوير الهجمات المروعة، مثل عمليات الإعدام الجماعية، وإسقاط طائرة الركاب الروسية على الأراضي المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولقد انضم بعض من متطرفي تنظيم القاعدة، منذ ذلك الحين، إلى تنظيم داعش، والذي يعمل على تكوين الأذرع الموالية له لما وراء المعاقل الحصينة التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
وظل تنظيم القاعدة والموالون له يحاولون الرد بقوة أكبر على تحديات «داعش» في رهان محموم بينهما لتأكيد حسن المقاصد لكل طرف كما يقول فواز جرجس أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد.
وأحد الأمثلة على ذلك، كما يقول السيد جرجس، ظهرت بتاريخ 20 نوفمبر (تشرين الثاني) في الهجمات التي شنت على فندق راديسون بلو في العاصمة المالية باماكو وأسفرت عن احتجاز 170 رهينة، تعرض 20 منهم للقتل مؤخرا. ولقد أعلن ذراع تنظيم القاعدة المعروف إعلاميا باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المسؤولية عن الهجمات، والتي جاءت بالتنسيق مع حلفاء التنظيم من المتطرفين المحليين واستهدفت أياما ذات رمزية غربية عقب إعلان «داعش» مسؤوليته عن الهجمات المروعة التي وقعت في باريس وأسفرت عن مصرع 130 شخصا.
هذا وقد أشاعت هجمات مالي حالة من البهجة والإشادة بين أوساط وسائل الإعلام الاجتماعية لدى مؤيدي تنظيم القاعدة.
يقول السيد جرجس عن ذلك: «ما قام به تنظيم القاعدة ليس إلا محاولة تنفيذ هجمات بارعة تعبر عن قدرات التنظيم»، مشيرا إلى أن «القاعدة» يملك الكثير من شرايين الحياة في المحيط العالمي.
واعتمدت الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة، على غرار «داعش»، استراتيجية السيطرة على الأقاليم في بلدان الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب. ففي اليمن، أعلن ذراع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عن اجتياح مناطق كثيرة ويعتبر المسؤولون الأميركيون ذراع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من التوابع ذات الخطورة، ويربطون بينه وبين محاولات لشن هجمات متعددة على أهداف غربية.
وعلى الرغم من نجاح طائرات الدرون الأميركية في القضاء على قادة التنظيم، إلا أن ذراع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد تمكن من السيطرة على أجزاء من حضرموت. وخلال الأسابيع الأخيرة، تمكن تنظيم القاعدة كذلك من السيطرة على بلدات رئيسية في إقليم أبين اليمني الجنوبي، حيث أعلن، بصورة جزئية، عن قيام إمارة أبين في عام 2011.
جاءت مساعي خطوة السيطرة على أبين كمحاولة للحد من تأثير منافسة الجماعات الموالية لتنظيم داعش والتي اكتسبت قوة وزخما في اليمن، وفقا لتصريحات المسؤولين اليمنيين وغيرهم من الصحافيين. ولقد حاولت تلك الجماعة الموالية لـ«داعش»، كما يقولون، تجنيد الأعضاء المنشقين عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مما يظهر قوتها المتصاعدة ومواردها الكثيرة من خلال الهجمات الأخيرة على المساجد المزدحمة بالمصلين وعلى المسؤولين اليمنيين ذوي العلاقات الوثيقة بالتحالف الذي تقوده السعودية.
يقول أحد الصحافيين اليمنيين الذي فضل عدم ذكر اسمه بسبب القلق على سلامته «هناك شعور شائع بين تنظيم القاعدة أنه يتعين عليهم العمل الآن لإحباط أي محاولات من جانب (داعش) للسيطرة على المنطقة».
وقال صحافي يمني آخر إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سعى إلى السيطرة على المؤسسات الحكومية في أبين، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والمساجد، لمواجهة خطر تنظيم داعش. وأضاف الصحافي، الذي فضل عدم ذكر اسمه بسبب القلق على سلامته، يقول «يخرج أعضاء التنظيم في حملات بين المساجد لتحذير الناس من الانضمام إلى داعش».
وتجنب الموالين لتنظيم القاعدة في سوريا واليمن اعتماد التكتيكات المتشددة التي يستخدمها تنظيم داعش هناك، مثل عمليات القتل الموسعة للمسلمين والتطبيق المتشدد للشريعة الإسلامية، والتي كانت سببا في نفور الكثير من الناس ممن يعيشون في ظل «داعش»، على حد وصف المحللين.
ولقد ندد أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة مرارا وتكرارا بتنظيم داعش من أجل عمليات القتل من دون تمييز بحق المسلمين. وفي رسالة صوتية أصدرت في سبتمبر (أيلول)، كرر من رسالته تلك داعيا تنظيم داعش إلى الانضمام إلى القاعدة وتركيز الهجمات على الأعداء مثل «الصليبيين»، وهو المسمى المستخدم في أدبيات «القاعدة» للإشارة إلى الغربيين. ولقد أصدر تنظيم القاعدة فيديو من 17 دقيقة خلال هذا الشهر يظهر أعضاء التنظيم يقدمون المساعدات للمتضررين من الإعصار الذي ضرب اليمن في شهر نوفمبر (تشرين ثان) الماضي. ويبدو أن «القاعدة» تلعب مع «داعش» لعبة طويلة، من حيث انتهاج مسار لين نسبيا في فرض آيديولوجية التنظيم المتطرفة كوسيلة لتعزيز وترسيخ مكانة التنظيم بين السكان المحليين في اليمن، على حد قول آرون زيلين، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والخبير في شؤون الجماعات المسلحة.
*خدمة «واشنطن بوست»
_ خاص بـ {الشرق الأوسط}



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».