فايز السراج.. محاولة جديدة لإنقاذ ليبيا

مهندس مهمته ترويض «أمراء الحرب»

فايز السراج.. محاولة جديدة لإنقاذ ليبيا
TT

فايز السراج.. محاولة جديدة لإنقاذ ليبيا

فايز السراج.. محاولة جديدة لإنقاذ ليبيا

من النادر أن يتحدث أو يلقي التحية على من يمر بهم وهو في طريقه إلى قاعة البرلمان. يبتسم عادة. يشير بكفه من بعيد كأنه يسلم على الجميع دون تمييز. إنه فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي والحكومة التوافقية. جرى اقتراح اسمه بعد نحو 18 شهرا من المفاوضات المكوكية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة، وإنقاذ الدولة من الفشل. هذه محاولة ليست سهلة، خاصة في بلد غير متمرس على الاختلاف السياسي ويعج بالسلاح. سيكون على السراج اجتياز الأسلاك الشائكة للجيش الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، قبل أن يتمكن من الوصول إلى مقر البرلمان في طبرق للحصول على ثقة نوابه المتشككين، وهي خطوة ما زالت محفوفة بالمخاطر، وربما لن يحصل على الأغلبية النيابية المطلوبة، أي الثلثين زائد واحد. لكن هناك اتصالات من تحت الطاولة تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية مع قيادات في الداخل الليبي، لحل هذه الإشكالية. أي يمكن حشد مزيد من الأصوات اللازمة.
إذا تمكن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي والحكومة التوافقية، من المرور بفريقه الرئاسي والحكومي، من أنفاق جنرالات الجيش ومن أروقة التربيطات السياسية في شرق البلاد، والحصول على تصديق البرلمان، فسيتحتم عليه أن يبدأ في اجتياز المرحلة الثانية في الغرب الليبي. وهذه مهمة تتطلب منه العبور من بوابات قادة الميليشيات و«أمراء الحرب» في طرابلس المنقسمة على نفسها عسكريا وسياسيا. ففي العاصمة ولد السراج عام 1960. وفي العاصمة عليه، اليوم، أن يبدأ العمل لمرحلة جديدة في تاريخ الليبيين.
ينتمي السراج لعائلة طرابلسية عريقة ومحافظة أثَّرت على نشأته الهادئة ومسيرته السلسة، لدرجة تجعل من السهل على خصومه من الليبراليين والمتطرفين أن يلمحوا إلى ميله إلى نهج جماعة الإخوان المسلمين، خاصة فيما يتعلق بـ«التكتم» و«المناورة». ويوجد شبه إجماع من عدد من زملائه في البرلمان، الذي يشغل عضويته منذ انتخابه في صيف العام الماضي، على أن والده، مصطفى فوزي السراج، كان يهوى العمل في الإذاعة، وأن الفترات المجهولة التي جلس فيها خلف الميكروفون كانت من خلال إذاعات رصينة وجادة مثل إذاعة صوت الوطن الليبية وصوت العرب المصرية.
الوالد انخرط في شبابه في الزخم القومي الذي كانت تعيش فيه المنطقة، خاصة بعد صعود جمال عبد الناصر على رأس السلطة في القاهرة، وانشغال الليبيين بتأسيس دولة الاستقلال ووضع الدستور الجديد للبلاد في بداية الخمسينات. وشغل الأب عضوية مجلس النواب ومواقع وزارية خلال العهد الملكي. ويُعدّ، باختصار، من المؤسسين لدولة ما بعد الاحتلال الأجنبي. لكن الابن، فايز السراج، بدأ يعي منعطفات الحياة مع بداية تولي القذافي الحكم عام 1969. أي حين كان عمره تسع سنوات.
وعلى عكس الكثير من الشخصيات السياسية «التقدمية» و«الإخوانية» و«الجهادية» ذات التاريخ المشاغب مع القذافي طيلة العقود الأربعة الماضية، وهي الشخصيات التي تملأ المشهد الليبي اليوم، لم يكن لفايز السراج «مشاغبات» تذكر. ربما الأمر يرجع إلى قدرته على الصمت لأطول وقت ممكن. على أي حال تمكن الرجل من اجتياز فترة الدراسة الجامعية في كلية الهندسة (قسم العمارة) في طرابلس عام 1982. بينما كانت أجهزة القذافي الأمنية تفتش في ذلك الوقت عن المعارضين، وراء كل جدار. ثم استكمل دراسة الماجستير (في إدارة الأعمال) عام 1999 في وقت كان فيه النظام يخضع لعقوبات دولية وقد ازداد تطيرا من أي انتقاد داخلي.
حتى قيام «ثورة» 17 فبراير 2011. لم يكن اسم السراج ظاهرا على قوائم رجال السياسة والنقد. كان يبدو كمن يضع مسافة بينه وبين الآخرين سواء في السلطة أو في جبهة المعارضة. عمله في صندوق الضمان الاجتماعي في طرابلس، كان يحتم عليه التواجد في أماكن لا تتماس بشكل مباشر مع عالم السياسة أو مع أهل الحكم، ناهيك عن المعارضة. ولذلك من السهل أن تسمع من منتقدي تكليفه بالحكومة، سؤالا يقول: ومن هو السراج؟ ما تاريخه؟ إنه صفحة بيضاء.
بينما يجيب مؤيدو الرجل أن هذه ميزة في حد ذاتها، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا. فالقول بعدم انتمائه لأي فصيل هو أمر مطلوب، أضف إلى ذلك أنه قادم من أسرة سياسية معروفة، ونسيب لعائلة تاريخية معتبرة من مدينة مصراتة.. عائلة لها قادة يمكن أن يكون لهم كلمة على جماعة الإخوان التي تهيمن على قسم من العاصمة.
حسنا.. لكن هل هذا يكفي. ومن سيفرش البساط للسراج ويستقبله في طبرق ثم في طرابلس دون مناوشات عسكرية وميليشياوية؟ فزعماء الكتل السياسية والقبلية والدينية والجهوية، يبدو أن كلا منهم يريد، حتى الآن، أن يثبت أنه هو الأحق باعتلاء رأس السلطة بعد سنين طويلة من المنافي والسجون والعذاب.
يتساءل أحد قيادات البرلمان: كيف لم نتنبه إلى السراج وهو يسعى بيننا في هدوء وفي صمت؟ أعتقد أن المبعوث الأممي السابق، برناردينو ليون، هو من اختاره في المرة الأولى (أي حين جرى الإعلان عن اسمه في الصخيرات قبل 50 يوما، كرئيس للحكومة) ثم جاء المبعوث الجديد، مارتن كوبلر، وأعلن الاسم نفسه. كانت توجد مفاوضات مع الرجل لا نعلم عنها شيئا.
الأسماء التي جرى تقديمها للبعثة الأممية لاختيار رئيس لحكومة توافق، لم يكن من بينها اسم السراج. لا كمقترح من البرلمان ولا من المؤتمر الوطني. ويعلق أحد زملاء السراج في البرلمان: حين بدأنا في تدوين الأسماء لتقديمها للسيد ليون، عرضنا على السراج أن نضع اسمه في القائمة، لكنه رفض. كنا نرى أنه اسم مناسب لأنه، كنائب في البرلمان، ليس له خصوم، ويحتفظ بعلاقات حسنة مع الجميع. هو قليل الكلام. لكن باختصار اختياره جرى من وراء ظهر البرلمان، وهذا أمر مستفز.
تركيا وقطر والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا ومصر وغيرها من بلدان، رحبت بـ«اتفاق الصخيرات» وبرئاسة السراج للحكومة المقترحة وللمجلس الرئاسي. لكن البعض في ليبيا يرى الصورة من منظور مختلف. يشير إلى حضور ممثلي دول بعينها لمراسم الاتفاق في الصخيرات (بالمغرب)، وكيف أنهم كانوا متحمسين وهم يلقون بالكلمات في ختام المفاوضات كأنه انتصار لتلك الدول. لا يخفى على أحد أن السلطات الشرعية في ليبيا ممثلة في البرلمان والجيش، تتهم بعض البلدان بدعم كتلة «جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة» في مصراتة وطرابلس وبنغازي.
إلا أن ما تحقق في الاتفاق وما جاء من أسماء مقترحة فيه، جعل «الجماعة الليبية المقاتلة» تشعر بالغضب، على عكس جماعة الإخوان التي سيّرت مظاهرات في بعض البلدات، خاصة في مصراتة، للترحيب بحكومة السراج. إحدى الأوراق الرابحة في يد رئيس الوزراء المقترح هو قريبه ابن مصراتة المقتدر، عبد الرحمن السويحلي. هذا الرجل لديه كلمة على عدد من قادة الإخوان. ولهذا تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن يقوم به للاشتراك في تمهيد الطريق للمرحلة الجديدة.
هذا قد يسهم في ترطيب أفكار «أمراء الحرب» المتشددين في العاصمة، لكنه قد يؤدي أيضا لإشعال حروب شوارع بين كتائب وميليشيات طرابلس. لديك صنفان يرتدي كل منهما ملابس القتال في العاصمة. كانا شركاء حتى شهور قليلة مضت. والجديد أنه منذ «اتفاق الصخيرات» يحشو كل منهما الرصاص على عجل استعدادا لمواجهة الآخر. إنهما الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة.
تنقسم التيارات الفاعلة على الأرض والموجودة في ليبيا اليوم إلى ثلاثة، كان أغلب قادتها يعملون من المنفى خلال حقبة القذافي. كان لها بطبيعة الحال خلايا في الداخل تقوم بضربات خاطفة ضد السلطة بين حين وآخر طيلة عقود. هذه التيارات هي الإخوان، والجماعة الليبية المقاتلة، والمجموعات الليبرالية المدنية. كانت تتعاون بطرق مختلفة في الداخل والخارج. ولم يكن السراج من بينها وفقا لإفادات من زملاء له في البرلمان. لذلك يعتقد أن الخلاف لن يكون حول السراج ولكن حول من يمكن أن يعتمد عليه السراج في ممارسة عمله التنفيذي.
من الشخصيات المشهورة في التيارات التي كانت مناوئة للقذافي وعادت بعد «الثورة»، محمد المقريف الذي انشق منذ وقت مبكر عن النظام، أي حين كان سفيرا لبلاده في الهند عام 1980، وحفتر الذي انضم للمعارضة في الخارج عقب خروجه من الأسر في حرب تشاد، في أواخر الثمانينات. ثم هناك الورثة السياسيون لمنصور الكيخيا الذي يعتقد أن القذافي اختطفه أثناء مشاركته في أحد الاجتماعات في القاهرة في أواخر التسعينات. الكيخيا اختفى للأبد.. توفي، وترك خلفه حزبا سياسيا له نواب يمثلونه اليوم في البرلمان، بالإضافة إلى أسماء أخرى من تلك التي كانت «تجاهد» في جبال آسيا. مثل هذه الأطراف المتمرسة على المناورات يقف أغلبها حتى الآن ضد نتيجة الصخيرات.
الزيارات التي يقوم بها السراج في عدة عواصم خاصة لدول جوار ليبيا، كتونس ومصر، تهدف إلى إيجاد صيغة للتفاهم مع رجالات البرلمان والحكومة الحالية المنبثقة عنه، برئاسة عبد الله الثني، ومع المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته) وحكومته التي يرأسها خليفة الغويل، ومع الجيش والميليشيات. كل ذلك لتجنب فشل الصيغة التي خرج بها مؤتمر الصخيرات يوم 17 الشهر الماضي. هذه التكتلات أعلنت رفض الاقتراح الأممي لاسم السراج وفريقه، باستثناء مجموعات مسلحة محسوبة على الإخوان خاصة في مصراتة، وباستثناء عدة نواب يفتقرون لقوة فاعلة على الأرض.
رغم كل شيء تمكن السراج من تحقيق تفاهمات جيدة يمكن البناء عليها بعد مرور نحو عشرة أيام من الاتفاق. هذا مع الوضع في الاعتبار عدم وضوح موقف حكومته المقترحة من قائد الجيش حفتر. وهذا يأتي بينما يقوم الخصمان السياسيان اللدودان، رئيس البرلمان عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني نوري أبو سهمين، بالتعاون سويا لأول مرة ضد الصخيرات. قام كل منهما بالاستنجاد بروسيا ودول أخرى للوقوف ضد «الضغط الغربي الذي يفرض حكومة السراج ومجلسها الرئاسي على الليبيين».
دع الجيش وقائده جانبا، وانظر إلى المشكلة الكبيرة التي ستواجه السراج، إنها، مرة أخرى: «الجماعة الليبية المقاتلة» التي كونها قادة من «المجاهدين» السابقين في آسيا في أواخر الثمانينات، ويترأس زعماء هذه الجماعة كتائب وميليشيات مسلحة، أصبحت تتحكم في طرابلس منذ سقوط القذافي. ويسعى المسؤول الأمني في البعثة الأممية الخاصة بليبيا، وهو الجنرال الإيطالي باولو سيرا، للتواصل مع قادة المسلحين في طرابلس عبر وسطاء من العسكريين الليبيين، من بينهم جنرال سابق في جيش القذافي، في سبيل تمكين السراج من دخول طرابلس.
مطلوب من السراج أن يعمل على خريطة مزقتها أربع سنوات من الخلافات. ففي هذه المدة القصيرة مر على ليبيا أشكال متعددة من طرق الحكم والإدارة، بدأت بالمجلس الانتقالي، ثم المؤتمر الوطني، وأخيرا مجلس النواب (البرلمان). كما ترأس موقع رئيس الحكومة، منذ 2011، محمود جبريل ثم عبد الرحيم الكيب، وعلي زيدان. وحين وقع الانقسام بين الفرقاء أصبح يتنازع على السلطة حكومة الثني في الشرق وحكومة عمر الحاسي ثم الغويل، في الغرب. وكل طرف من معظم هذه الأطراف ما زال لديه ولدى أنصاره طموح للبقاء في المشهد إلى النهاية.
كما قال كوبلر والمتكلمين في اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة حول ليبيا، فإن هذا البلد الغارق في الفوضى يحتاج، على رأس أولوياته، البدء بالملف الأمني. هناك «داعش» الآخذ في الانتشار في مناطق مهمة في البلاد، وهناك متطرفون آخرون وقطاع طرق ولصوص مدججون بالأسلحة. حتى السراج ذكر ذلك في كلماته القليلة التي وجهها للشعب الليبي في اليومين الماضيين. والمشكلة أن السراج لم يعرف عنه أنه تمرّس في التعاطي مع ألاعيب الجماعات المسلحة. فقد أمضى جل حياته في العمل المدني وهندسة المرافق وتخطيط المشاريع، سواء كانت حكومية أو خاصة، ولا يحبذ الاقتتال.
يقول السراج في كلمته لليبيين: لن تكون بعد اليوم حرب. انتهى زمن الحروب والاستقطاب بين الإخوة. لن أسعى لاستخدام القوة أو التلويح بها. شعاري تعالوا نعمل فسيرى الله عملنا والمؤمنون. لن أهدد ولن أقصي. أمامي لاجئون في الداخل والخارج. أمامي اقتصاد منهار، وارتفاع في الأسعار. أمامي أمن وأمان مفقود. أمامي شعب سيحاسبني الله عليه يوم القيامة إذا أغفلت عن خدمتهم يومًا ما. أمامي مصالحة وحوار وحروب وفتن يجب أن تخمد فورًا. أمامي إرهاب وخطر التطرف ولن أقف صامتًا عنه.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».