السينما العربية في عام

5 سنوات بعد ثورات الربيع

من الفيلم العراقي المشترك «كلاسيكو».
من الفيلم العراقي المشترك «كلاسيكو».
TT

السينما العربية في عام

من الفيلم العراقي المشترك «كلاسيكو».
من الفيلم العراقي المشترك «كلاسيكو».

* الطبيعي، حسب المتوقع على الأقل، أن تؤدي الاضطرابات الأمنية والحروب المتواصلة في الدول العربية التي شهدت ما سُمي بثورات الربيع، إلى توقف الحياة السينمائية على نحو شبه كامل.
لكن الأمر ليس بمثل هذه السهولة، ولو فككنا هذه الدول سنجد أن ليبيا ليست دولة منتجة، وبالتالي غيابها عن تلك الحياة مستمر. سوريا ليست في وضع المنتج لكن ذلك لم يمنعها من تحقيق بضعة أفلام خلال الأعوام القليلة الماضية. مصر واصلت مسيرتها لترتفع الحصيلة في العام الماضي كما في هذا العام إلى أكثر من 25 فيلما، كذلك تغلّبت السينما التونسية على بعض أوجاعها وأنجزت حفنة من الأفلام الجديدة علمًا بأن الوضع هناك على ما هو عليه من اضطراب وعدم استقرار.
الدول المنتجة المحاذية لكل هذه الدول تعيش بدورها قدرًا متفاوتًا من الضرر: اليمن لم يشهد ثورة لكنه انجرف إلى حرب أرادتها إيران بمثابة مخلب طائفي ينال من دول الخليج. فيلم خرج في العام الماضي من اليمن هو «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» للمخرجة المثابرة خديجة السلامي.
الأردن حمل إلى الشاشات العالمية في العام الماضي «ذيب» لناجي أبو نوار و«المجلس» (تسجيلي طويل) للمخرج يحيى العبد الله. هذا العام دفع للأمام بفيلمين هما «المنعطف» لرفقي عسّاف و«المدينة» لعمر شرقاوي، وهناك أفلام أخرى مشتركة من بينها «زنزانة» للإماراتي ماجد الأنصاري الذي حمل لواءات ثلاثة هي الأردن والإمارات ولبنان.
في الجزائر، وبينما كان الإرهاب يهدده جنبًا لجنب أوضاع سياسية داخلية أخرى، استطاع الإنتاج السينمائي هناك التغلب على الظروف المحيطة وتحقيق عدد من الأفلام الجديدة ومن بينها «غروب الظلال» للمخضرم محمد لخضر حامينا و«سمير في الغبار» لمحمد أوزين و«هواجس الممثل المنفرد بنفسه» لحميد بنعمرة و«في راسي رون - بوان» لحسن فرحاتي.
* 30 فيلمًا
ما سبق يشير إلى نشاطات متعددة ما زالت تقع على عكس ما هو طبيعي. أحداث جسام تمر بها بعض هذه الدول لكن السينما ما زالت تُصنع في معظمها. ليس هذا فقط، بل إن أسواق أفلام في هذه الدول عمليًا معدومة أو قليلة العدد، بحيث لا يمكن تسجيل أرباح منها تمكن صانعيها من الانتقال من فيلم لآخر بسهولة أو من دون معونات مؤسساتية. ما يعني أن المستقبل دائمًا مرهون بقدرة تلك الظروف على التدخل على نحو أكثر تعسّفًا وإقفال الفرص القليلة المتاحة في الجزائر أو في سوريا أو في تونس على سبيل المثال.
هذا المستقبل لم يأت بعد، وربما لن يأتي. صحيح أن غالبية المخرجين العاملين في هذه الصناعة لا يخرجون من فيلم ليدخلوا كتابة أو تصوير فيلم آخر، لكن الصحيح كذلك أن هناك اليوم مؤسسات دعم عربية وعالمية تشترك في تنشيط أوصال هذه السينما المهددة، كما أن منتجيها ومخرجيها اختبروا أنابيب العمل المشترك بين الدول، فإذا بالكثير من الأفلام العربية المنتجة، هذا العام ربما أكثر من أي عام مضى، يحمل أعلام دول مختلفة.
هذا ما يحملنا مباشرة إلى الدول شرق الأوسطية. بدءًا من لبنان ومصر اللذين تجاوزا بدوريهما العراقيل فازداد عدد المنتج من أفلام لبنانية محضة أو مشتركة ولم يتقهقر حجم الإنتاج المصري بدوره، ولو أن الأسواق العربية لكل منهما ما زالت أضعف من أن تثري الإنتاج في هذين البلدين وترفع طاقته إلى سقف جديد بالنسبة للبنان وإلى السقف الطليعي السابق بالنسبة لمصر.
إلى الشرق من هاتين الدولتين هناك السينما الخليجية التي شهدت هذا العام نتاجات متفاوتة العدد أكثرها كامن في نتاجات دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى نحو يعكس استقرارها واستقرار المنطقة بكاملها. فحسب سجل مهرجان دبي السينمائي الذي انتهت أعماله في الأسبوع الماضي، شهدت الإمارات إنتاج ثلاثين فيلما تسجيليا وروائيا، وعدد كبير منها طويل، من بينها ستة أفلام إماراتية طويلة (تسجيلي وخمسة روائية) محلية الدفع.
لكن النقطة الإيجابية الأعلى في هذا الخصوص حقيقة أن السينما الإماراتية تحوّلت الآن إلى ما أنجزته السينما الفرنسية منذ عدة سنوات وهي أنها أصبحت محور الإنتاجات المجاورة وما وراءها. نجد الأفلام التي تحمل أسماء دول عربية وغير عربية متعددة تتوسطها الإمارات وقد ازدادت عددًا هذا العام عن أي عام سابق بفضل مؤسستين من أبوظبي («فيلم نايشن» و«صندوق سند») ومؤسستين من دبي («إنجاز» و«ميديا إنترتاينمنت»).
* اتجاهات محدودة
هذا هو القاسم المشترك بين أفلام ذات أصول لبنانية («3000 ليلة» لمي المصري و«روحي» لجيهان شعيب) وكردية عراقية («كلاسيكو» لهلكوت مصطفى) وتونسية («شبابك الجنة» لفارس نعناع) ومصرية («أبدًا لم نكن أطفالاً» لمحمود سليمان) ومصرية - أردنية («المنعطف» لرفقي عساف) والمغرب («ثقل الظل» لحكيم بلعباس) وكلها، وسواها، يتداخل فيها التمويل الإماراتي جامعًا بين أهدافها الفنية والصناعية كما لم يحدث من قبل في أي مكان وأي زمان عربيين.
على ذلك، ليس واضحًا بعد كيف يمكن للسينما العربية (أو للسينمات العربية كما يفضل بعضنا) أن تستعيد تكاليفها الأساسية. لا يخفى أن المعونات التي توفرها صناديق الدعم الخليجية (بما فيها «مؤسسة الدوحة للأفلام») هي أقل مما يستطيع المنتج أو المخرج (وقد باتا واحدًا في أكثر من حالة) التمتع به لإكمال مهمّته. لذلك نراه، كما الحال مع العراقي قتيبة الجنابي الذي لا يزال يسعى منذ أربع سنوات لاستحواذ الميزانية الكافية لتحقيق فيلمه المقبل، وكما حدث مع مي المصري التي بقيت تناضل لأربع سنوات سابقة قبل إنجازها فيلمها الجديد «3000 ليلة»، يواصل السعي في كل الاتجاهات لتأمين التكلفة المطلوبة علمًا بأن المشاريع العربية ما زالت من بين الأرض إنتاجًا حول العالم.
انشغال السينمائي بجمع التمويل طوال هذه الفترة يؤدي به إلى الانقطاع طويلاً قبل أن يستأنف العمل. وفي أحيان ربما وضع مشروعه في الدرج وأغلقه عليه. هذا الوضع ليس انعكاسا لأن المشاريع المقدّمة من قِبل السينمائيين العرب لا تصلح للتصوير لذلك لا يوجد من ينبري لتمويلها، بل عائد إلى أن السوق المحلية ثم العربية بكاملها ما زالت تضن على السينمائيين باستحواذ آفاقها كاملة. إنها سوق ضخمة تعاني من إهمال رجال الأعمال المستندين إلى ما توفره هوليوود من أفلام ومن غياب مؤسسات توزيعية بديلة ومن وجود مدن كان يمكن أن تستعيد كامل نشاطها لولا الظروف التي تمر بها في هذه الأثناء.
من هنا، فإن مهرجانات السينما العربية (ومهرجان دبي يأتي في مقدّمتها وبشوط طويل)، باتت الملجأ الوحيد للأفلام المصوّرة فمن بعد عروضه أمام الجمهور النخبوي، لا كثير أمل أمامها سوى البحث عن مهرجان آخر قبل أن يجرفها التاريخ جانبا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.