تبدو رواية «الأرملة»، للسينمائية المتخصصة اعتقال الطائي، مثل شريط سينمائي يصور أحداثًا درامية مأخوذة من واقع شخصية الكاتبة وتجربتها السينمائية، إذ تتداخل الأحداث، في لقطات مقربة وأخرى بعيدة المدى كأنما صورت بعدسة زووم، في عملية مونتاج سلسة يشعر القارئ بأمس الحاجة لمشاهدتها والتمتع بأجوائها الرومانسية.
يذكرنا النص الروائي المفعم بالأحاسيس الإنسانية الواقعية، من خلال المرأة الساردة، بكثير من الشخصيات التي غادرت الشرق إلى شمال البحر الأبيض المتوسط، وعاشت في أوروبا عقودًا طويلة، وبقيت تعيش حالة البداوة في دواخلها رغم أنها تتنكر بمسوح العصر والثقافة الراقية. فالأرملة التي تصورها الرواية إنسانة واقعية في حياتها ونظرتها ومعالجتها للنواميس في مجتمعها بعدما فقدت زوجها، وبقيت تعيش لذكراه كالناسك المحبوس في صومعته، وما انفك عطر علاقتهما يلاحقها عبر البحار كما يلاحق أنف جان باتيست جرونوي عطر ضحاياه في رواية «العطر» لباتريك زوسكيند.
القارئ لرواية «الأرملة» سيجد شخصية تتسامى بمشاعرها وإحساسها وجمالها، اسمها أمنية، تنافس الأرملة في دواخلها وأحاسيسها وعذاباتها، وتتوحد معها في هذه الانفعالات، وهي تكشف أسرار غربتها وتبوح للكاتبة بأسرار قصتها المتداخلة والمتمحورة حول قوة شخصية المرأة التي بقيت أمنية حقيقية. كانت أمنية الأماني للرجال في وطنها العراق، والمثل الأعلى للشابات من كل الفئات، لكن السياسة سلبتها عفويتها وحبها، وربما لهذا السبب نرى حبيبها سمير حاضرًا فقط في «الفلاش باك» الذي تسرده أمنية، ولا يعرفه قراء الرواية إلا من خلال بضعة مشاهد.
ترحل أرملة، في عملية استرجاع للذاكرة، التي اعتدناها في السينما، والمؤلفة هي من المتخصصين فيها، إلى أضيق أزقة حياتها في البيت مع كلبها وأخبار ابنتها وذكريات زوجها الذي خطفه الموت ولم يخلف غير رماد الذكريات. وتتداخل هذه المشاهد لنرى أمنية منزلقة في حب جارف مفاجئ مع شخص يُظهر للجميع نقاءه وصدقه وعظمته، كأبناء الطبقة الأرستقراطية الأوروبية، لينال منها ما يبتغيه واعدًا إياها بالزواج.
تتعاطف صديقتها المجرية إيلونا مع أمنية، التي تنتابها أمنيات الحب الجديد، وتحاول عبثًا إقناعها بالتخلي عن علاقتها بهذا الرجل. تحتدم المشاعر في صراع «داخلي»، بين انجراف أمنية العاطفي، وبين إيلونا الخبيرة، التي تكشف تناقضات هذا الرجل الشاعر، وتقارن بين صورته الأولى، حينما كان متواضعًا ورقيقا رومانسيًا، وسلوكه الفاضح فيما بعد. وبأسلوبها الجذاب، وتقطيعها للمشاهد، تجعل الكاتبة القارئ يعيش هذا الصراع في دواخل البطلة، الذي تجسده عبر لقطات سينمائية قصيرة. وعبر هذا الصراع مع الذات والآخر، الحبيب الذي تكشّف جوهره الحقيقي أمامها، تنجح أمنية في تحويل هزيمتها أمام الزيف إلى انتصار، ولو أنه انتصار صعب.
سير نسائية بأسلوب التقطيع والمونتاج
«الأرملة» لاعتقال الطائي
سير نسائية بأسلوب التقطيع والمونتاج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة