في دولة لديها أكثر من 20 ألف مدرسة دينية، يقول المحققون الباكستانيون إن المدرسة التي درست تاشفين مالك القرآن الكريم بها لا تعتبر راديكالية بصفة خاصة ولا ترتبط بالعنف الأخير.
لكن الخبراء الباكستانيين لا يمكنهم القول نفس الشيء عن كل مدرسة أخرى في البلاد؛ إذ تقدم المدارس الدينية التعاليم القرآنية لـ3.5 مليون طفل وشاب بالغ في باكستان. ويعتقد المسؤولون والمحللون أن عددا قليلا لكنه ملحوظ من بين تلك المؤسسات الدينية يعمل بمثابة حاضنات للتطرف.
وأعاد قتل مالك 14 شخصا في مقاطعة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا – في عمل إجرامي نفذته بصحبة زوجها – تركيز الاهتمام على جذور التطرف الإسلامي هنا في باكستان.
ويعد معهد الهدى – الذي درست به مالك – غامضا نسبيا، وليس معروفا بالتصادمية، رغم أن أربع طالبات في فرعه في أونتاريو غادرن كندا في محاولة للانضمام إلى تنظيم داعش، بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة الكندية.
ويتعقب المراقبون بعض التيارات القوية للتطرف الديني في باكستان تعود إلى مؤسسات مماثلة. ويقول النقاد إن الحكومة لم ترق إلى وعدها بمراقبة المدارس، وإن المدارس الأكثر تطرفا سمحت بنمو وجهة النظر الراديكالية والعنيفة للإسلام هنا، حتى من وراء جدرانها.
وإذا كانت تاشفين مالك قد حصلت على آرائها المتطرفة في باكستان، فإن ذلك سيكون لسبب أنها تعرضت لطرق تفكير ساعدت تلك المدارس في ترويجها.
وقال مشرف زيدي، كاتب صحافي متخصص في قضايا التعليم في باكستان: «تطالب تلك المدارس من الناس عزل أنفسهم عن الحداثة – التلفزيون هو شيء خاطئ، وتناول وجبة ماكدونالدز هو فعل خاطئ، والاختلاط بين الجنسين هو فعل خاطئ». وأضاف: «وبمجرد تحقيق العزلة، يكون التجريد من صفات الإنسانية سهلا.. وإذا وضعت شخصا ما هناك، تكون قد وضعته على الهاوية».
وشهد يوم الأربعاء الذكرى السنوية الأولى لهجوم حركة طالبان على مدرسة في مدينة بيشاور أسفر عن مقتل أكثر من 150 مدرسا وطالبا. ودفع الهجوم الحكومة والجمهور حول شن رد فعل عسكري كبير، إلى جانب إجراء إصلاحات لكبح جماح الآراء المتطرفة. ولم تستبعد المدارس من تلك الجهود.
في يناير (كانون الثاني)، أصدرت الحكومة خطة عمل تتألف من 20 نقطة، شملت «تسجيل وتنظيم المدارس». لكن على الرغم من تنفيذ معظم الخطة الآن، بما ساعد على تقليص عدد الهجمات الإرهابية في باكستان هذا العام، لا تزال الحكومة تتنازع حول مدى صرامتها تجاه الشبكة القوية من القادة والمعلمين الدينيين في البلاد.
ومع كون الدراسة الإسلامية سمة رئيسية في المجتمع الباكستاني، يقول المسؤولون الحكوميون إنهم يكافحون من أجل التفريق بين التعاليم الدينية المشروعة وغيرها من التعاليم التي تبث التعصب وتجند المتشددين بنشاط.
وذكر مسؤول كبير في وزارة الداخلية، فضل عدم الكشف عن هويته لمناقشة القضية بحرية: «يمكن وصف عدد قليل فقط من المدارس بأنها تثير التطرف وتغذي الإرهاب». وتابع: «يذهب المسلمون إلى المساجد والمدارس للصلاة وللحصول على التعليم الديني، ويرسلون أطفالهم أيضا، لكن هذا لا يعني أنهم يزدادون تطرفا».
ومع ذلك، يشعر الكثير من المحللين الأمنيين بالتشاؤم حول طبيعة التهديد.
ورأى محمد أمير رانا، خبير في شؤون الإرهاب، ساعد في صياغة رد فعل حكومي على الهجوم على مدرسة بيشاور، أن المدارس تفرض «تهديدا خطيرا جدا»، لأنها تضع معايير خاصة بها لمن وما ينبغي اعتبارهم «أعداء الإسلام».
وأضاف: «الإرهاب لديه ظلال مختلفة، لكن المدارس تلعب دور الحضانة».
واعتبر عبد الحميد نيار، أستاذ باكستاني متقاعد في علم الفيزياء، درس المدارس على نطاق واسع، أنه حتى المدارس الإسلامية المعتدلة تخلط الدين بالسياسة، وتقضي وقتا طويلا في مناقشة موضوعات مثل «الجهاد».
وتابع: «يعلمون هذا النوع من الغضب، الذي ربما يبقيه الكثيرون تحت السيطرة، لكن آخرين لا يمكنهم السيطرة عليه، ويخرج ذلك الغضب على هيئة (الجهاد)».
حصن منيع ضد السوفيات
على الرغم من أن المعاهد الدينية الباكستانية تسبق تأسيس البلاد عام 1947. فإن العدد زاد بشكل ملحوظ خلال ثمانينات القرن الماضي.
وفي وقت لاحق، خلال تسعينات القرن الماضي، عملت بعض المدارس كخط أنابيب للمتشددين المرتبطين بالمتمردين المدعومين من باكستان في منطقة كشمير الواقعة تحت الحكم الهندي.
واستمر الوضع هكذا حتى عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية، حيث أصبحت المدارس الباكستانية مصدرا رئيسيا للقلق الدولي. وردا على ذلك، بدأت باكستان في تقييم كمية المدارس التي تأسست هنا على مدى العقود الثلاثة الماضية.
والآن، تسجل باكستان 26 ألف مدرسة تحت مظلة منظمة «اتحاد تنظيمات المدارس». ويعتقد بعض مسؤولي وزارة الداخلية أن 9 آلاف مدرسة أخرى قد تكون غير مسجلة.
وقدر مسؤول آخر في الوزارة أن 2 - 3 في المائة من المدارس الباكستانية مرتبطة بتطرف الطلاب. وخلال العام الماضي، أغلقت الحكومة نحو 100 مدرسة للاشتباه في ارتباطها بالتشدد.
ومع ذلك، قدر نيار أن نحو 5 في المائة من المدارس الدينية الباكستانية «نشطة جدا في (الجهاد)»، وأن 20 - 25 في المائة إضافية تقدم الدعم اللوجستي للجماعات الضالعة في نزاع مسلح.
وأضاف: «تكون هذه المجموعة متاحة لـ(الجهاديين) عند الحاجة». وتابع: «ربما توفر لهم تلك المدارس أماكن للاختباء، وتكون هي بالفعل راعية لـ(الجهاديين)».
بالنسبة للقادة الباكستانيين، لا يعد تقييم التنوع في تعاليم المدارس، مع تقييم التهديد الذي قد تفرضه أي مدرسة، أمرا سهلا.
بعد مذبحة مدرسة بيشاور، طالبت الحكومة المدارس بتقديم معلومات عن مصادر تمويلها، وممارسات الإنفاق، وهويات جميع الطلاب والمعلمين.
لكن رفض معظم قادة المدارس هذا الطلب، قائلين إنها عملية اقتحامية ومتطفلة. وتوقف جمع المعلومات في سبتمبر، بحسب المفتي محمد إسرار، عالم دين، يدير مدرسة في شمال غربي باكستان.
وخلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت علامات تشير إلى حدوث انقسام بين حكومة رئيس الوزراء نواز شريف والجيش الباكستاني بشأن هذه المسألة.
وفي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، نشر كبير المتحدثين باسم الجيش سلسلة من التغريدات تشكك في التزام الحكومة بتنفيذ خطة العمل الوطنية.
وقال مسؤول أمني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام، إن الإحباط إزاء عدم إصلاح المدارس يغذي قلق الجيش.
وأضاف: «يتعين على وزارة الداخلية إجراء هذا الإصلاح، ولا ينبغي عليها أن تكون غير جادة في ذلك». وتابع: «لكنهم خائفون، لأنهم يعتقدون أنه سيكون هناك رد فعل عنيف. إنهم خائفون من الملالي».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»
تفجيرات كاليفورنيا.. تسلط الضوء على مدارس باكستان الإسلامية
20 ألف مدرسة دينية.. في إحداها درست تاشفين مالك العلوم الشرعية
تفجيرات كاليفورنيا.. تسلط الضوء على مدارس باكستان الإسلامية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة