يعد عشاء عيد الميلاد من أكثر المناسبات خصوصية في العالم كما هو الحال مع أطباق الأعياد الإسلامية التقليدية، إذ دأب على تناوله وإعداده كثير من الناس في جميع بلدان العالم؛ احتفالا بميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. وعلى تقليديته، يختلف العشاء من بلد إلى بلد ويعكس تراث كل بلد من النواحي الثقافية والدينية والمطبخية.
ورغم أن بعض البلدان تتقاطع في نوعية الأطباق، فإن كثيرا من البلدان تعتمد وتلجأ إلى أطباقها الرئيسية والتقليدية المفضلة في الاحتفالات العادية والدينية بشكل عام.
وقد تطورت التقاليد والمواد والأطعمة المستخدمة في العشاء مع تطور الزمن وتغيرت مع تطور طبيعة الحياة والمجتمعات، فما نعرفه اليوم من الاستخدام المفرط والتقليدي للديك الرومي أو الدجاج المحشي، لم يكن هو العادة ولم يكن هو التقليد، إذ لم يبدأ الناس بهذه العادة إلا نهاية القرن السابع عشر في أميركا وبريطانيا. وتقول الكاتبة الصينية ميكيلي تساي بهذا الشأن، إن الديك الرومي كان رخيصا وطازجا وكبيرا ما يكفي لإطعام عائلة كبيرة، مقارنة بالبقرة الحلوب التي تعد أكثر فائدة في حياتها من مماتها. فقد كان الأميركيون يرغبون في استخدام الطيور خلال الاحتفالات الدينية وغيرها لأن التضحية بالطيور كانت أقل تكلفة من غيرها من الناحية الاقتصادية، كما كان للدجاج في تلك الأوقات أهمية أكثر مما هو عليه الآن بسبب البيض الذي ينتجه. أضف إلى ذلك أن الناس في الولايات المتحدة كانوا يريدون الحفاظ على بعض التقاليد التي جاءتهم من بريطانيا وكانت تربية الديك الرومي أرخص من تربية بقية الطيور. أما الكاتب هاري ستوي فيقول: كان البريطانيون يقدمون الإوز والبجع وحتى الطاووس في المناسبة الخاصة أحيانا، لكنهم بدأوا يفضلون الديك الرومي بعد دخول هذا النوع من الطيور إلى إنجلترا منتصف القرن السادس عشر وبالتحديد عام 1540؛ إذ لم يكن طعم الإوز طيبا من دون إطعامه القمح لأسابيع قبل ذبحه. كما أسهم إعلان الرئيس الأميركي لينكون عيد الشكر كعطلة عامة سنة 1863 بانتشار ظاهرة استخدام ديك الحبش. ولكن رواية الكاتب الإنجليزي المعروف تشارلز ديكنز «ترنيمة عيد الميلاد» كانت أكثر أهمية لانتشار الظاهرة عام 1843 (والتي كانت معروفة ومقروءة جدا في أميركا). ويعتقد كثير من المؤرخين أن هدية الشخصية الرئيسية في الفيلم، شخصية سكروج الديك الرومي إلى العائلة الفقيرة ساعدت على تثبيت الديك الرومي كمادة رئيسية من مواد وجبة عيد الميلاد لدى الفقراء والأغنياء على حد سواء، كما رسختها في الذاكرة الشعبية. ولكن تغير الوضع قليلا بعد القرن العشرين، إذ عزف كثير من الأغنياء الأميركيين عن استخدام الديك الرومي لارتباط اسمه بالطبقة العاملة والمهاجرين الفقراء، وبدأوا يستخدمون لحم البقر والطيور النفيسة.
وفيما يركز البعض في البلدان العربية وبلاد الشام والعراق، خصوصا لأنها بلاد المنشأ لكثير من الطوائف المسيحية القديمة على طبق الدجاج المحشي بالأرز كطبق رئيسي من أطباق عشاء عيد الميلاد، فإن البعض بدأ يلجأ في السنوات الأخيرة وبسبب العولمة مؤخرا وبسبب رخص أسعاره، كما حصل سابقا في الولايات المتحدة الأميركية، إلى طبق الديك الرومي المحشي بالأرز وشتى أنواع المشاوي والمقبلات كورق العريش والفتوش والكبة النية والبطاطا الحرة والشنكليش والحمص وفطائر السبانخ والصفيحة والمحمرة. وفضلا عن المكسرات والكستناء، يقدم اللبنانيون كعكة العسل واللوز المحمص بالسكر والأهم كعكة «بوش دو نويل» الشهيرة.
وأحيانا ما يحشو بعض اللبنانيين الديك الرومي أو لحم الغنم بالأرز والرمان والبهارات على عكس ما كان يحصل في الدول الأوروبية من استخدام للبصل والمريمية أو الجعساس في الحشو.
وتقول الكاتبة المصرية أماني عزام إن الظهور التاريخي لحلوى «البوش دو نويل» جاء نتيجة قرار من نابليون بونابرت، بعدم استعمال أو استخدام سكان مدينة باريس المواقد لأنها تسبب الأمراض وتعمل على تلويث الأجواء.
و«لأن المواقد كانت ولا تزال سببا يجمع أكثر أفراد العائلة في برد الشتاء القارس، وبعد قرار بونابرت لم يعد بإمكان العائلات الاجتماع للتنعم بدفئها ومراقبة نيرانها، ولذلك قام الخبازون الفرنسيون بفطنتهم بابتكار حلوى على شكل جذع شجرة، أي (الحطب) الذي يوضع في المواقد، وهنا صار الجميع يجتمعون حولها من أجل التمتع بشكلها والتلذذ بمذاقها».
وتشرح الكاتبة حول جذور الظاهرة بأن أهل الكلت أو السلت الذين كانوا ينتشرون من إسبانيا حتى تركيا في العصر الحديدي وانحصر وجودهم في العصر الحديث في بريطانيا وآيرلندا، كانوا خلال أقصر يوم من أيام السنة يخرجون بحثا عن جذع كبير من جذوع الأشجار الهامة؛ مثل شجر الكرز أو شجر البلوط لإحراقه احتفالا بشروق الشمس وشكرا لـ«أشعتها التي تدفئ الأرض».
وعادة ما تصنع حلوى «البوش دو نويل» من الكاتو أسفنجي الطبع مع الزبدة في قالب مستدير.
وتضيف الكاتبة بأنه «مع تطور الزمن تفنن الخبازون بصنع أشكال متعددة من هذه العجينة، تارة بشكل دائري، وأحيانا بطريقة ملفوفة..». وحول التزيين تضيف أماني عزام أن الفرنسيين في منتصف القرن الماضي بدأوا بتزيين «البوش دو نويل» بأنواع حلوى صغيرة كالنوجا، وتخطيط الرأس بالشوكة، في محاولة لجعلها بشكل الحطب الذي يوضع في الموقدة، وغالبا ما يُرش عليه سكر ناعم، وكأنه الثلج المتناثر.
ويعتمد العراقيون في وجبات عيد الميلاد أيضا على لحم الغنم المطبوخ بالفرن على نار هادئة كوجبة رئيسية من وجبات عيد الميلاد، ويحشى اللحم بالأرز والبهارات والمكسرات، وأحيانا يلجأون إلى طبق المسكوف وهو طبق سمك الشبوط النهري المشوي والذي يعد الطبق الوطني الأول وبلا منازع.
كما يستخدم بعض العراقيين الدلمة أي الخضراوات المحشية بالأرز واللحم المفروم والبهارات، وأحيانا يستخدم البعض طبق المقلوبة وهو طبق فلسطيني أيضا من الدرجة الأولى، وهو عبارة عن وجبة من عدة طبقات من الخضراوات والأرز واللحم المبهر.
وفيما يستخدم السوريون الدجاج والحلويات والمكسرات والبرتقال خلال وجبة العيد، يستخدم أهل الأردن الكعكة البريطانية الأسفنجية المحشوة بالفاكهة والبهارات.
وتقول الكاتبة إيماناويلا إيبوستي بهذا الإطار إن الفلسطينيين يركزون على أطباق اللحم خلال عيد الميلاد وخصوصا لحم الغنم، وهناك عدة أطباق وعدة طرق منها لحم الغنم بالفرن والزيتون، ولحم الغنم المحشو بالأرز، واللحم المفروم مع المكسرات والبهارات واللبن والزيت، ولحم الغنم المطبوخ بالفرن على نار هادئة بالطحين والماء.
كما يستخدم الفلسطينيون حلوى النوجا بالسمسم وماء الورد الساخن وأنواعا أخرى من الحلويات.
أما في دول المتوسط عامة، فإن التركيز خلال عشاء عيد الميلاد العائلي، يتم على الأطباق أو الوجبات البحرية كالأسماك والقريدس وما يعرف بالكالاماري في اليونان، إضافة إلى خيرات المتوسط كالبرتقال والزيتون والخضار.
وحول الفوائد الغذائية والنصائح التي يمكن أن تقدم للناس للتمتع والاستفادة من أطباق عيد الميلاد والمناسبة الكريمة، تنصح استشارية التغذية الطبية والعلاجية لورا فرح وهاب بألا يقوم الناس بتناول وجبات رئيسية كثيرة أيام العيد أو أكل كميات كبيرة من الأرز واللحوم «وإنما مراعاة تناول وجبات صغيرة ومتعددة غنية بالسلطة الخضراء والخضراوات المطبوخة». كما تدعو وهاب الناس إلى تصغير حجم الكعك أو الكوكيز أثناء تحضيره أو شراء قطع صغيرة منه، «ومراعاة اختيار أنواع تكون خالية قدر المستطاع من الألوان والأصباغ والإضافات الغذائية الضارة المحتوية على تركز عال من السكر». والأهم من ذلك هو عدم الإفراط في تناول الحلويات والشوكولاته لتجنب السمنة بسبب احتوائها على كميات كبيرة من السعرات الحرارية والسكريات. وعلى رأس النصائح التي تقدمها هو قيام الناس بالتخطيط الذكي والحكيم «لإعداد خيارات وقائمة طعام تتضمن خيارات غذائية صحية غنية بالخضراوات والألياف مع مراعاة التقليل من الصلصة الدسمة والأطعمة المقلية».
مهما يكن فإن التلاقح والتقاطع في وجبات وأطباق عيد الميلاد في العالم العربي والدول الأوروبية وأميركا أمر طبيعي. كما أن هذا التقاطع والتلاقح سيتواصل مع تواصل الانفتاح بين دول العالم، وتعاظم القطاع السياحي، وانتشار ظاهرة التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.
* طبق لحم الغنم المحشو بالأرز حسب وصفة أنيسة حلو اللبنانية:
يمكن تطبيق ذلك على الديك الرومي، لكن يفضل استخدام لحم الغنم لرطوبته ولطراوته، ويمكن استخدام لحم الصدر، ويمكن اللجوء أيضا إلى استخدام لحم الرقبة أو لحم الكتف، وفي كل الأحوال لا بد من شق اللحم لحشوه بالأرز أو تخييطه على ما تقول أنيسة الحلو.
المقادير:
- مائة غرام من الصنوبر.
- مائة غرام من الجوز المقشر والمبلول بالماء.
- 300 غرام من لحم الغنم المفروم.
- ملعقة صغيرة من البهارات (خلطة السبع بهارات - أو خلطة كل البهارات).
- ملعقة صغيرة من القرفة المطحونة.
- 1/ 4 ملعقة صغيرة من الفلفل الأسود المطحون.
- عود قرفة.
- ملح بحري.
- 400 غرام من الأرز (يفضل أرز الكالاسبرا).
- قطعة لحم غنم من جهة الصدر.
- زيت نباتي.
- ورقة غار.
- بصلة متوسطة الحجم.
- 8 حبات قرنقل.
طريقة التحضير:
- اعمل على تحضير الفرن وتسخينه أو تحميته على مائتي درجة مئوية أو درجة 6 على الفرن.
- حمص اللوز والصنوبر لمدة خمس دقائق في الفرن حتى تصبح ذهبية.
- اطبخ اللحم المفروم في قدر على نار هادئة وأضف إليه الصنوبر واللوز (اتركه قليلا للتزيين) والبهارات والملح والأرز مع الخلط جيدا، وأضف بعد ذلك 650 غراما من الماء واترك الخليط يغلي، وبعد ذلك ضعه على نار هادئة لمدة عشر دقائق.
- خيط طرفي قطعة اللحم وابدأ بحشوها بثلث خليط الأرز واللحم المفروم (باقي الأرز سيوضع جانب الطبق) وبعد الحشو خيط تماما لإغلاق القطعة.
- اقلي قطعة لحم الصدر المحشية في مقلاة كبيرة بالزيت النباتي على نار هادئة وحمرها على الجانبين ثم أضف 1.5 لتر من الماء وعود القرفة وورقة الغار والبصلة والقرنفل. غط المقلى واترك اللحم يطبخ على نار هادئة لمدة ساعة ونصف الساعة.
- بعد ذلك يمكن استخراج اللحم وتناوله بعد أن يستوي، أو يمكن تحميره مرة أخرى في الفرن لمدة عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة.
- بعد ذلك يأخذ بعض ماء لحم الصدر ليطبخ به بقية الأرز.
- بعد ذلك اعمل على تقطيع اللحم وضعه إلى جانب الأرز المطبوخ للتقديم لأفراد العائلة والزوار.
الديك الرومي يهاجر من أميركا إلى بلاد الشام للسيطرة على عيد الميلاد
منع نابليون للمواقد ينشر حلوى «البوش دو نويل»
الديك الرومي يهاجر من أميركا إلى بلاد الشام للسيطرة على عيد الميلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة