يقضي طلبة الطب سنوات كثيرة في الدرس والتطبيق، وينهون دراستهم بامتحانات صعبة ومطولة، وتليها حياة تطبيقية في المستشفيات في أيام عمل طويلة وخفارات، وبأقل ما يكون من استراحات وإجازات. ولا شك أن مثل هذه الظروف الشديدة تنتج أطباء يعانون من مختلف الحالات النفسية، وأهمها الاكتئاب.
وثبت من دراسة علمية جديدة أن ما يقترب من 30 % من الأطباء الشباب، على المستوى العالمي، يعانون من الاكتئاب. وكتب الباحث دوجلاس ماتا، من جامعة هارفارد، في المجلة العلمية المعروفة «جاما» (جورنال المؤسسة الصحية الأميركية)، أنه توصل إلى هذه النتيجة بعد إعادة تقييم وتصنيف 54 دراسة عالمية حول الموضوع أجريت في الخمسين سنة الماضية.
وتبدو الصورة أسوأ وأقسى على الأطباء الشباب، بحسب الدراسة التي شملت 17500 طبيب في العقود الخمسة الماضية، ذلك لأن نسبة المكتئبين بين الأطباء الشباب، في بعض السنين، ارتفعت إلى 43 %، وهذا يعني أن المعدل من هذه الدراسات كان 28.8 % فقط.
وعلى أي حال زاد هذه المعدل عن معدل الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين، وهذا يعني أن الظاهرة تتفاقم بدلاً من أن تتراجع. وكانت هذه النتيجة مفاجأة بالنسبة للبروفسور سرجان سين، من جامعة ميتشيغان، الذي شارك في فريق العمل الذي ترأسه دوجلاس ماتا للبحث في صحة الأطباء الشباب. وقال سين: الشيء المفاجئ هو تصاعد نسبة المعانين من أعراض الاكتئاب بين الأطباء الشاب رغم التغيرات المزعومة التي أجريت في السنوات الأخيرة على صعيد تخفيف شروط العمل وزيادة الإجازات.. إلخ.
عنت الدراسة بانعكاسات اكتئاب الأطباء الشاب على المريض باعتبار الأخير المتضرر الأساسي من مرض طبيبه. وثبت من البحث أن الطبيب المكتئب يخطئ أكثر من غيره في التشخيص، كما يرتكب أخطاء «تقنية» أكثر وأكبر، وبالتالي فإن خطر تفاقم الحالة عند الطبيب كبير نسبيًا، وقد يؤدي هذا إلى اهتزاز علاقته بالمريض، أو إلى تناقص فرص العمل أمامه.
ويعتبر الانتحار من النتائج المباشرة للمعاناة من الاكتئاب، وعدم علاجه، لأن الأطباء تعودوا إخفاء أمراضهم، وخصوصًا عن مرضاهم. وتكشف دراسة أميركية أن أكثر من نصف الأطباء لا يراجعون طبيبًا، رغم معاناتهم أحيانا من أمراض لا تغطيها اختصاصاتهم.
ونشرت «مجلة العيادة الطبية» الألمانية دراسة أجرتها جامعة جيسن الألمانية بين الأطباء، وفي ضوء 14 دراسة عالمية، تكشف بأن معدلات الانتحار بين الأطباء تزيد 1.3 - 3.4 مرات عن معدلاته بين السكان الاعتياديين. وقال 25 % من الأطباء النرويجيين، في دراسة نرويجية نشرتها مجلة «الطبيب الألماني»، إن فكرة الانتحار راودتهم مرة في الأقل خلال حياتهم. وترتفع نسبة الانتحار على وجه الخصوص بين أطباء التخدير وأطباء الأمراض العقلية.
ومعروف أن الانتحار كان مصير الطبيب المعروف هانز بيرغر، الذي ابتكر طريقة تخطيط الدماغ كهربائيًا، كذلك الطبيب النفسي المرموق، وتلميذ المدرسة الفرويدية، برونو بيتلهايم. وأكدت نسبة 43 % من الأطباء الذين شملهم الاستفتاء أنهم يعرفون زميلاً قتل نفسه. ومن لا يعالج حالة الاكتئاب لديه بالعقاقير، من الأطباء، وهم كثرة، يلجأ إلى تعاطي الكحول. ومن لا يعترف منهم بالإدمان على الكحول تكشفه نسبة تشمع بالكبد بين الأطباء ترتفع 9 مرات عن معدله بين الناس. وأجرت مجلة «الطبيب الألماني» فبراير (شباط) الماضي استطلاعًا بين 1287 طبيبًا، دون ذكر أسمائهم، ومن الجنسين، كشف أن 7 % منهم يتعاطون الكحول، و7 % يتعاطون العقاقير المهدئة بهدف تطمين حالة التوتر من العمل التي تجهدهم.
في استطلاع مماثل أجرته نقابة لأطباء الألمان بين 790 طبيبًا من ولاية راينلاند بفالز، اعترف 25 % منهم بمعاناتهم من الاكتئاب بدرجات مختلفة. وقدرت النقابة عدد الأطباء المدمنين فعلاً على الكحول في ألمانيا بنحو 8300 طبيب، يشكل الجراحون نسبة 18 % منهم، والأطباء العاملون 13 %، يليهم أطباء الأسنان بنسبة 11 % وأطباء الأمراض الداخلية بنسبة 10 %.
ولأسباب غير معروفة كانت نسبة المدمنين بين أصحاب العيادات ترتفع بنسبة 50 % عنها بين أطباء المستشفيات.
الاكتئاب يصيب نحو 30 % من الأطباء الشباب
ينهون دراستهم بحياة تطبيقية طويلة في المستشفيات
الاكتئاب يصيب نحو 30 % من الأطباء الشباب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة