مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: بوروندي تقترب من حرب أهلية

الاشتباكات تسببت في قتل المئات.. وتشريد أكثر من 200 ألف شخص

مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: بوروندي تقترب من حرب أهلية
TT

مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: بوروندي تقترب من حرب أهلية

مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: بوروندي تقترب من حرب أهلية

قال الأمير زيد رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أمس، إن بوروندي تقترب من حرب أهلية، وذلك بعد أن هاجم متمردون معسكرات للجيش بالعاصمة، الأسبوع الماضي، وردت السلطات بمداهمات لمنازل واعتقالات وسط مزاعم عن عمليات إعدام دون محاكمة.
وقتل قرابة 90 شخصا بالعاصمة بوجومبورا الأسبوع الماضي خلال اشتباكات، كانت الأسوأ منذ إحباط انقلاب عسكري في مايو (أيار) الماضي.
ووقعت الاشتباكات بعد شهور من أعمال عنف متقطعة، واغتيالات معظمها في العاصمة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس بيير نكورونزيزا، ولذلك تخشى بعض الدول الغربية من أن تتسبب الأزمة الحالية في جر البلاد إلى صراع جديد، وذلك بعد تعافيها من حرب أهلية نشبت على أساس عرقي قبل نحو عشرة أعوام. وتشعر أيضًا بالقلق من أن يؤدي اندلاع صراع جديد إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث لا تزال ذكريات الإبادة الجماعية في رواندا المجاورة عام 1994 ماثلة في الأذهان.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان إنه «بهذه السلسلة الأخيرة من الأحداث الدامية يبدو أن الدولة قطعت خطوة جديدة نحو الحرب الأهلية الكاملة.. وقد وصلت التوترات حاليا إلى مرحلة الانفجار في بوجومبورا».
وأوضح الأمير زيد أن قوات الأمن قامت بعد قتال يوم الجمعة الماضي بعمليات «تفتيش مكثف للمنازل» في منطقتي موساجا ونياكابيجا في العاصمة اللتين شهدتا احتجاجات في المراحل الأولى من الأزمة التي اندلعت بسبب ترشح نكورونزيزا لفترة رئاسة ثالثة.
وأضاف مفوض الأمم المتحدة أن قوات الأمن اعتقلت خلال عمليات التفتيش «مئات الشبان، ووردت مزاعم عن أنها أعدمت عددًا منهم دون محاكمة ونقلت كثيرا منهم إلى جهات غير معلومة»، ودعا جميع أطراف الأزمة إلى بذل كل جهد من شأنه «وقف هذا التصعيد القاتل والدخول في حوار جاد وشامل».
ولم يصدر تعليق من الحكومة على الفور، لكنها دأبت على نفي أي انتهاكات من جانبها لحقوق الإنسان.
وقال عدد من المواطنين الجمعة الماضي إنهم عثروا على جثث 20 شابًا على الأقل مقتولين بالرصاص، ومعظمهم عن قرب في شوارع بوجومبورا، كما اتهم السكان في عدد من الأحياء قوات الأمن بتوقيف كل الشبان الذين صادفتهم، وإعدامهم بعد ساعات على الهجوم الذي شنه متمردون على 3 ثكنات عسكرية في العاصمة البوروندية. فيما قال صحافي بوروندي، طالبا عدم كشف هويته، إن «بعض هؤلاء الشباب هُشمت رؤوسهم، وآخرين أطلق عليهم الرصاص من أعلى جماجمهم.. إنها الفظاعة بالمطلق، والذين ارتكبوا ذلك مجرمو حرب».
وتشهد بوروندي منذ نهاية أبريل (نيسان) الماضي أزمة سياسية خطيرة، تخشى الأسرة الدولية أن تؤدي إلى حدوث مجازر على نطاق واسع، حيث تدهورت الأوضاع الأمنية منذ إعادة انتخاب الرئيس بيار نكورونزيزا لولاية ثالثة الصيف الماضي، ومنذ ذلك الوقت تدور اشتباكات بين جماعات مسلحة وقوات الأمن الحكومية، تسببت في قتل المئات، وتشريد أكثر من 200 ألف شخص.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.