50 جثمانًا محتجزًا لدى الاحتلال باتت جراحًا مفتوحة في صدور أهاليهم

ذوو الشهداء لـ {الشرق الأوسط}: نريد أن نودعهم.. وعريقات: عقوبات ضد الأموات والأحياء

جنود الاحتلال الإسرائيلي يفتشون فلسطينيا في نقطة تفتيش بالخليل (أ.ف.ب)
جنود الاحتلال الإسرائيلي يفتشون فلسطينيا في نقطة تفتيش بالخليل (أ.ف.ب)
TT

50 جثمانًا محتجزًا لدى الاحتلال باتت جراحًا مفتوحة في صدور أهاليهم

جنود الاحتلال الإسرائيلي يفتشون فلسطينيا في نقطة تفتيش بالخليل (أ.ف.ب)
جنود الاحتلال الإسرائيلي يفتشون فلسطينيا في نقطة تفتيش بالخليل (أ.ف.ب)

«أريد أن أرى ابني، أن أضمه وأقبله، أن أشبع منه، وأن أقف على الحقيقة الأكثر قسوة في حياتي، حقيقة موته»، هذا ما قاله المحامي محمد عليان، والد الشاب بهاء عليان الذي نفذ عملية نوعية في القدس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما زالت إسرائيل تحتجز جثمانه من بين خمسين آخرين ترفض تسليمهم إلى عائلاتهم منذ بداية الهبة الحالية قبل أكثر من شهرين.
ويقاتل عليان إلى جانب آخرين من الأهالي، في ساحات مختلفة سياسية وقانونية وشعبية، في محاولة لخلق رأي عام محلي وعربي ودولي، وحتى إسرائيلي، ضاغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل تسليم الجثامين التي تضم كذلك فتيات.
ويرأس عليان حملة «استعادة جثامين الشهداء»، التي تنظم، يوميا، اعتصامات في مدن فلسطينية مختلفة، وتلتقي مسؤولين فلسطينيين وأجانب، وشكلت، كذلك، طاقما من محامين لمتابعة الأمر في محاكم إسرائيلية ودولية.
وقال عليان لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نحرك الجهود القانونية بشكل موحد لمتابعة الأمر». وأضاف: «نحن نتقدم واستطعنا انتزاع موقف من الحكومة الفلسطينية يهتم بموضوع الجثامين، لقد انخرطوا في العملية، وهناك ضغط شعبي متزايد».
وعلى الرغم من التأييد الكبير الذي تلاقيه الحملة من الفلسطينيين الذين نظموا، في مرات كثيرة، مسيرات ضخمة، وتحولت إلى ساحات مواجهة مع الاحتلال للمطالبة بالجثامين، يعرف الأهالي جيدا أن المعركة «ليست داخلية».
ويفترض أن يقدم عليان ورفاقه اليوم مذكرة إلى «الصليب الأحمر»، على أن يجتمعوا مع قناصل دول أوروبية في وقت قريب. في حين جرى تقديم التماس مسبق إلى النيابة الإسرائيلية للمطالبة بالجثامين، وردّت بأنه لا يوجد قرار سياسي بتسليمهم.
وقال عليان، إن فريقا قانونيا يدرس رفع قضية في محكمة العدل العليا الإسرائيلية، لكن «بروية كبيرة حتى لا يستخدم أي قرار ضد شهداء آخرين» مستقبلا. وأضاف: «الأمر دقيق وحساس وفيه مسؤولية وطنية كبرى».
ورفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية، سابقا، النظر في القضية، لعدم جهة الاختصاص، ولأن القرار صادر عن المستوى السياسي الإسرائيلي الأكثر أهمية، «المجلس الأمني والسياسي المصغر» (الكابنيت).
وكان «الكابنيت» قرر احتجاز جثامين منفذي العمليات في الرابع عشر من أكتوبر الماضي، أي بعد أقل من أسبوعين على انطلاق الانتفاضة الحالية، بعد اقتراح تقدم به وزير الأمن غلعاد آردان، الذي وصف الجنازات بأكبر داعم للإرهاب.
ويتعمد الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الوقت، اختطاف أي جثمان للاحتفاظ به، وتحولت مناطق في القدس إلى ساحات كر وفر بين الجنود والمتظاهرين للظفر بجثمان أحدهم. ولم تبدِ إسرائيل أي تعاون في هذه الأمر، واشترطت على بعض العائلات تسليمها جثمان ابنها، شريطة دفنه فورا ومن دون تشريح، وبلا أي حضور جماهيري، كما حدث مع عائلة الفتى أحمد أبو الرب من قباطية، في قضاء جنين، بداية الأسبوع الحالي، لكن العائلة رفضت «الابتزاز».
ويصر المستوى السياسي في إسرائيل على الاحتفاظ بالجثامين، على الرغم من أن الأجهزة الأمنية قدمت توصيات بتسليم الجثامين، لأن الاستمرار في احتجازها له تأثيرات عكسية.
ويرى مسؤولو «الشاباك» الإسرائيلي، أن هذه السياسة أدت فعلا إلى زيادة التوتر والتحريض والعنف في المناطق، بخلاف ما يراه المستوى السياسي.
وهاجم صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الحكومة الإسرائيلية، مؤكدا: «أن احتجاز جثامين الشهداء يعد ممارسة لا أخلاقية ولا إنسانية، ومخالفة فاضحة للقوانين، والمواثيق والأعراف الدولية والأديان السماوية». وأضاف عريقات أن «الهدف من ذلك هو إلحاق أكبر قدر من الأذى والظلم والقهر بعائلات الشهداء، وهي سابقة في العقوبات الجماعية بحق الأحياء والأموات».
ولا ينكر الأهالي كل هذا القهر والألم. وقال عليان: «أنا كأب الآن في انتظار أن أرى ابني، أن أقبله وأحضنه وأودعه (..) نحن نعيش في حالة عدم استقرار شديد، ولا نستطيع العودة إلى حياتنا الطبيعية، هناك استنزاف عاطفي كبير.. سأقول لك إن الموت هو الحقيقة الوحيدة، ونحن نريد أن نقف أمام حقيقة الموت، إنه الآن كما أنه لم يستشهد».
وقالت والدة معتز عويسات (16 عاما)، الذي قضى في أكتوبر الماضي برصاص الإسرائيليين في القدس، «أريد أن أودعه، أريد أن أشبع منه، أنا لم أشبع منه، لقد غادر إلى مدرسته كأي يوم ولم أكن أعرف أنني يجب أن أشبع منه». وأضافت: «أريد أن أقبله.. أحضنه.. وأزوره وقتما أشاء».
وفتحت هذه الجثامين الخمسون المحتجزة جروحا قديمة لم تندمل، لعائلات يرقد أبناؤها في مقابر الأرقام منذ سنوات طويلة.
وفوجئ عليان بشاب يتقدم إليه في أحد مواقع العزاء ويعرف بنفسه، بأنه شقيق نبيل حلبية، المحتجز منذ عام 2000 في مقبرة الأرقام، قائلا له: «15 عاما وما زلنا نحلم بوداعه كما لو أن شقيقي استشهد أمس».
وتحتفظ إسرائيل بأكثر من 300 جثمان لفدائيين قتلوا في معارك مع الجيش الإسرائيلي، أو نفذوا عمليات تفجيرية، موزعة على أربع مقابر، تقع داخل أراضي عام 1948. وهي مقبرة جسر «بنات يعقوب» التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وتضم رفات مئات الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا في حرب 1982 وما بعد ذلك، ومقبرة «بير المكسور» أو «جسر دامية»، التي تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين أريحا وغور الأردن، ويحيط بها جدار فيه بوابة حديدية معلق عليها لافتة كبرى كتب عليها بالعبرية «مقبرة لضحايا العدو»، ومقبرة «ريفيديم» بغور الأردن، ومقبرة «شحيطة» في قرية وادي الحمام شمال طبريا.
وكانت إسرائيل قد سلمت السلطة عام 2012، 91 من الجثامين، ولم تسلم أي رفات بعد ذلك.
وتقول مؤسسة «الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان»، إن اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، الذي يعد جزءا من القانون الدولي العرفي الملزم لجميع الدول، يرفض بشكل صريح دفن من يسقطون في أعمال القتال إلا باحترام، وعلى الدول اتباع إجراءات دفن تتناسب وثقافة القتلى الدينية. وبمجرد أن تسمح الظروف، عليها واجب تقديم بيانات ومعلومات وافية عنهم، وحماية مدافنهم، وصيانتها، وتسهيل وصول أسر الموتى إلى مدافن الموتى، واتخاذ الترتيبات العملية بشأن ذلك، وتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».