«قصر البجوات».. يعيد إليك سلامك الداخلي

مبني من الطمي وأثاثه من الأخشاب والفخار.. في محافظة الوادي الجديد المصرية

واحة من الهدوء والراحة
واحة من الهدوء والراحة
TT

«قصر البجوات».. يعيد إليك سلامك الداخلي

واحة من الهدوء والراحة
واحة من الهدوء والراحة

إذا انتابك شعور بازدياد ضغوط الحياة، وراودتك رغبة ملحة في الهروب من صخب الحياة اليومية في المدن، فما عليك سوى التوجه إلى فندق «قصر البجوات» في قلب الصحراء الغربية المصرية، الذي ينقلك إلى عالم آخر من راحة البال وصفاء الذهن.
يقع الفندق في شمال واحة الخارجة، وهي عاصمة محافظة الوادي الجديد، أكبر محافظات مصر من حيث المساحة والثالثة أفريقيا، وثاني أقل محافظة بعد جنوب سيناء سكانا.
يعد الفندق من الفنادق القليلة في مصر التي يطلق عليها «الصديقة للبيئة»، فهو يستوحي تصميمه المعماري من تصميمات المعماري العالمي الشهير حسن فتحي، الذي تقوم فلسفته على أن يستمد البناء شكله من عمق وأصالة التراث الحضاري والمعماري للبيئة المحيطة به. شيد الفندق المعماري هشام سمير من دون إسمنت أو خرسانة.. تم بناء الفندق من الطمي بسمك خاص ليتلاءم مع مناخ وأجواء الواحة التي عادة ما تكون جافة، لذا يشبه الفندق في تصميمه بيوت الواحات المصرية ببساطة بنائها والقباب التي تميزها.
ويقبع الفندق وسط الصحراء، ويحاط بمساحات من المزارع وأشجار النخيل تلك التي تمد الفندق بمورد طبيعي وصحي للأطعمة الطازجة.
لا وجود للبوابات الإلكترونية، بل يحيط بالفندق سياج من جريد النخيل، فالفندق يرفع شعار: «العودة إلى الطبيعة»، مما يجعلك تشعر بأنك في منزل أسرتك مرحبا بك دون قيود. ديكورات يدوية مبهرة من خشب الدوم والخزف ولوحات الرمل هي أول ما يلفت نظرك بمجرد دخولك إلى بهو الفندق، جميعها من المشغولات اليدوية لأبناء الواحة وأهاليها. أما أثاث الفندق فقد تم اختياره من البيئة الصحراوية، فبعض الأسرة مبنية من الطين أو خشب الدوم المتين، وفوقها وسائد، وأسرة مريحة بمكونات طبيعية.
يضم الفندق ستين غرفة، وستة أجنحة، لكن تم الانتهاء من 12 غرفة قبيل الافتتاح الرسمي المنتظر في بداية العام المقبل، ويبلغ سعر الليلة في غرفة مزدوجة 120 دولارا للأجانب، و600 جنيه للمصريين والعرب، شاملا الإفطار والعشاء. كما يوجد جناحان كبيران للأسر كبيرة العدد، وتكلفة الإقامة به للأجانب 280 دولارا، وللمصريين والعرب ألف جنيه مصري، كلها تمنحك الاستجمام وفرصة لا مثيل لها للاستمتاع بأجواء الحياة البدوية المصرية، تكملها جداريات فنية رائعة الجمال في أرجاء الغرف.
يقول محمد المليجي، نائب رئيس مجلس إدارة فندق «قصر البجوات»، لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل في مجال السياحة مع والدي منذ ما يقرب من 14 عاما، وهو لديه خبرة تمتد إلى أكثر من أربعين سنة، وكنت أنظم (رحلات سفاري) كثيرة، وكان أكثر ما يغضبني أن (واحة الخارجة) لا يوجد بها فندق يناسب أجواءها أو طرازها المعماري المميز، والفنادق الفخمة الموجودة كانت تخرج السائحين من أجواء (رحلة السفاري) الأسطورية وسط الصحراء والطبيعة الرائعة، حيث تبدأ الرحلة من القاهرة وتتجه إلى الواحات البحرية والفرافرة ثم الخارجة ومن بعدها الأقصر، لكي يعيش السائح أجواء الحياة البدوية بتفاصيلها، ويتعرف إلى أهل الواحات بطبيعتهم السمحة الطيبة وروحهم الجميلة؛ لذلك اخترنا هذا الموقع المميز في (الواحات الخارجة)، وحرصنا على أن يجدد الفندق لدى أهالي الواحة أهمية الحرص على الطراز المعماري المميز لواحتهم، خصوصا بعد أن قام بعض الأهالي بهدم بيوتهم الجميلة وبناء بيوت من الخرسانة، مما يضر بجمال وتلقائية الواحة».
ويضيف: «حرصنا على أن يتوافق الفندق مع طبيعة الواحة من دون محاولة السيطرة عليها حتى إن الأرض لم يتم تمهيدها، وقمنا ببناء الغرف على تضاريس الأرض، فبعض الغرف مرتفعة، وبعضها منخفض وفقا لتضاريس المكان، أما داخل الفندق فلا وجود لشبكة الإنترنت، ويتم استخدام التكنولوجيا الحديثة في أضيق الحدود، مثلا: استبدلنا بالثلاجات في الغرف ثلاجات من الفخار تشبه (الزير)، يوضع بها ثلج، وهي تحتفظ به لفترة طويلة ويمكن وضع المشروبات والمأكولات بها».
تشع أرجاء فندق «قصر البجوات» بالطاقة الإيجابية التي يحفزها استخدام الخامات والمواد الطبيعية في الحجرات من «أباجورات» من الخزف والملح والفخار التي تمتص الطاقة السلبية الناجمة عن المصابيح الكهربائية؛ لذا سوف تتفهم عدم وجود هواتف في الغرف، التي تم الاستعاضة عنها بأجراس ويمكنك الضغط على زر لكي يلبي أحد العاملين بالفندق طلباتك.
ولعشاق التخييم، يتميز الفندق بمساحة مخصصة للتخييم، ويوفر لهم إمكانية الاستعانة بمرافق الفندق والاستمتاع بالوجبات التي يقدمها المطعم، ومقهى «ركن عبودة»، حيث تقدم الوجبات في طواجن من الفخار النقي المصنوع من مواد بيئية، فيمكنك تناول ما لذ وطاب من أشهى الطواجن المصرية الشهيرة مثل البامية والبطاطس و«المعكرونة بالبشاميل»، فضلا عن أشهر الأكلات البدوية مثل المندي والمشويات والفطائر المخبوزة يدويا والعصائر الطازجة.
يتيح لك فندق «قصر البجوات» فرصة رائعة للتأمل واستكشاف أسرار وخبايا واحة الخارجة، فالغرف بعيدة بعضها عن بعض، وتكفل لك مساحة من الخصوصية، وجميعها تطل على منظر بانورامي رائع، حيث ترى الآثار العتيقة تحيط بك أينما ذهبت بناظريك، التي تعود إلى حضارات وعصور مختلفة، مثل العصور الفرعونية واليونانية والرومانية وبواكير العصر المسيحي، ومنها: «معبد هيبيس»، و«معبد الناضورة»، و«جبل تروان»، و«مقابر البجوات»، وعدد لا نهائي من الكثبان الرملية بتموجاتها الانسيابية البديعة.
وتعد «مقابر البجوات» قبلة لكثير من السائحين من مختلف الجنسيات، فهي ليست مجرد مقابر أثرية عادية، لذا أغلب زوارها من دارسي الفنون الجميلة في العالم، حيث تحمل تلك المقابر المسيحية التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي نقوشا من ألوان «الفريسكو» الزاهية والرائعة الجمال، وتتوسطها أطلال كنيسة، وتعد ثاني أقدم كنيسة في مصر، وتحتوى على 263 هيكلا أكثرها مزخرف من الخارج، وقبابها مزينة بمناظر مختلفة من التوراة، بالإضافة إلى المناظر المسيحية، وتحتوي «الجبانة» على «مقبرة الخروج» التي تبرز رسوما تروي قصة خروج بني إسرائيل من مصر وفرعون يتبعهم بجنوده، ثم قصص بعض الأنبياء، ومنهم آدم وزوجته حواء وخروجهما من الجنة، وقصة دانيال في جب الأسود، ويونس في بطن الحوت، وأيوب وهو يشفى من البلاء، وإبراهيم وابنه الذبيح، ونوح وهو يعبر الطوفان بالسفينة. ولا تزال هذه النقوش والرسوم محتفظة بجمالها على الرغم من مرور كل ذلك الزمن عليها. وتوجد في العشرات من هياكلها آلاف الكتابات باللغات الإغريقية واللاتينية والقبطية والعربية.
الإقامة في الفندق تساعدك على استكشاف كنوز الواحات الخارجة، فإذا كنت اخترت أن تخوض المغامرة من دون الترتيب مع شركة سياحية، فإن الفندق ينظم لك برنامجا سياحيا حافلا انطلاقا من خبرة القائمين عليه بالمنطقة. فبخلاف زيارة «مقابر البجوات» يمكنك زيارة «معبد هيبيس»، المشيد على بقايا معبد قديم يرجع إلى عصر الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية (664ق.م)، لكن يرجح أنه شيد في عصر الدولة الوسطى (2100ق.م)، أو زيارة «معبد إيزيس» الذي يقع في 4 طوابق تحت الأرض، ولا تزال الأعمال الكشفية مستمرة فيه، كما يمكنك ممارسة رياضة التزحلق على الرمال، وتسلق «جبل الطير» الذي يعلوه «كهف مريم» بنقوشه الرائعة، لمشاهدة لحظة الغروب في قلب الصحراء الشاسعة، فضلا عن «عيون ناصر» التي تتميز بخصائصها العلاجية لأمراض العظام والأمراض الجلدية، وتصل درجة حرارتها إلى 43 درجة مئوية، وهي ممتعة بعد يوم طويل بين المزارات الأثرية.
يكفل الفندق لك متعة الابتعاد عن الحياة المدنية بكل أشكالها، رغم أنه لا يبعد عن الطريق الرئيسي لمدينة الخارجة سوى 600 كيلومتر (كلم)، وعلى بُعد ثلاثة كلم من مقر محافظة الخارجة. كما يبعد عن مطار الخارجة مسافة كيلومتر واحد فقط، ويمكن الوصول إلى الفندق عبر طريقتين، الأولى: عن طريق الطيران من القاهرة إلى الوادي الجديد، وهناك رحلتان ذهابا وإيابا يومي الأحد والخميس من الساعة الثامنة صباحا، والرابعة عصرا من الخارجة، بها خمسون مقعد طائرة «شارتر» «مصر للطيران»، إلى أسيوط تبعد ساعتين، والثانية: إذا كنت من عشاق الصحراء محبي السفاري فيمكنك قيادة سيارتك لمسافة 620 كيلومترا من القاهرة عبر طريق يقطع الصحراء الغربية المصرية، وتستغرق الرحلة سبع ساعات تقريبا. أما إذا كنت في مدينة الأقصر فيمكنك الوصول إلى «قصر البجوات» عبر قيادة السيارة على طريق «باريس» لمسافة 450 كيلومترا، وتستغرق الرحلة نحو أربع ساعات.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».