«الأمل الطبي».. مداواة مليون لاجئ سوري بالمجان

المركز لا يزال في حالة عجز مقابل التوسع الذي وصل حتى الآن إلى 8 عيادات

«الأمل الطبي».. مداواة مليون لاجئ سوري بالمجان
TT

«الأمل الطبي».. مداواة مليون لاجئ سوري بالمجان

«الأمل الطبي».. مداواة مليون لاجئ سوري بالمجان

في الـ25 من مارس (آذار) 2014، فر طبيبان بأحد المراكز الطبية الخيرية مع بقية النازحين السوريين الذين هاجروا من منطقة القلمون الغربي باتجاهات شرقية في سبيل الأمان نحو عرسال، حيث البلدة اللبنانية الأقرب لهم من القلمون الغربي التي سقطت وقتذاك بيد قوات النظام وميليشيات حزب الله.
ومن المخيمات السورية غرب عرسال تجدد ظهور ذلك المركز الطبي تحت اسم «مجمع الأمل الطبي»، وبإدارة طلال أبو مراد، الرجل الحمصي الذي يحمل دبلوما في الدراسات العليا للعلاقات الدولية والدبلوماسية، وهو مؤسس المشروع والقائم على إدارته منذ مطلع 2012 بعد خروجه من المعتقل السوري.
ومجمع الأمل الطبي هو المشروع الخيري الوحيد الذي يقدم خدماته الطبية بالمجان للسوريين الذين تجاوزت أعدادهم داخل لبنان حاجز المليون قبل يوليو (تموز) الماضي، بحسب إحصائية المفوضية السامية للأمم المتحدة. أما عرسال، فهي بحسابات التناسب، تعد أكبر تجمع للنازحين السوريين في لبنان، بالنظر لاقتراب كثافتها السكانية من المائة ألف في مساحة لا تتجاوز 317 كيلومترا مربعا، بفعل النازحين الذين يقدرون بنحو ضعفي سكانها في عام 2013.
وقبل انتقال ذلك المركز الطبي لإعادة تشغيل طاقاته في عرسال، كان اختيار التأسيس وقع على بلدة يبرود في عام 2012 لتدشين العمل الطبي في ملف الجرحى من حمص إلى القلمون الغربي في سوريا. أما مؤسس المشروع، أبو مراد، فكان واحدا من الذين تحرروا لتوهم من معتقل النظام السوري بتهمة ضبطه وسط الثوار السوريين ضد نظام الرئيس بشار الأسد، بحسب أقواله التي جاء فيها: «في الشهور الأولى للثورة اعتقلت بسبب ممارستي للإعلام من نافذة التواصل مع قناتي الجزيرة والعربية مع التوثيق بالصور. وجرى ذلك في إحدى المزارع التي تراجع إليها الثوار أثناء تقدم الجيش نحوهم حتى تطويقهم. وتعرضت داخل المعتقل لأساليب التحقيق المعروفة وللضرب والتعذيب بالكهرباء وبالحبس المنفرد في غرفة لا تتعدى مساحتها مترا مربعا لثلاث ليال، وتلك أيام لن أنساها. وبخلاف ذلك، كالوا لي تهمة كيدية بحمل السلاح».
ويرى مدير مجمع الأمل الطبي أن النظام السوري كان يقاوم تحديات الحرب الأهلية السورية في العام الأول بعد اندلاع شرارتها في مدينة درعا 2011، بترسيخ فكرة أن الثورة ليست سوى نشاط إرهابي. وقال أبو مراد: «كانوا يتعاملون مع المعتقلين على ذلك الأساس. فألقوا علينا ضمن أسئلتهم الاستفسار عن مصدر دعمنا؟ ولماذا نحن بالثورة؟ ومن يمولكم ويحرضكم عليها؟ وكانت اتجاه اتهاماتهم نحو دول الخليج، في محاولة إيهام الرأي العام بأنها حملة مسلحة».
ولاعتقالات النظام السوري مأرب آخر أكثر أهمية، بحسب أبو مراد، الذي استنتج الرغبة في إرهاب المجتمع من الانخراط بالثورة من مشاهداته في الاعتقال والإفراج المتكرر للثوار، كانت لديهم أفكار أن الناس ستتوب وتنتهي عن فعلها ويردعوا بعضهم البعض بعد الضغط النفسي والظروف الصعبة. لكن ذلك كله حدث في العام الأول للثورة، وبعدها تغيرت القناعات.
أفقد سقوط ريف حمص الشمالي بيد الجيش السوري ذلك الرجل الحمصي، موقعه بين الثوار، فانطلق في مهمة إسعاف الجرحى من المدنيين بمنطقة يبرود داخل محيط القلمون (80 كلم شمال دمشق). وبعد سقوط القلمون الغربي لم يجد سكانه وجهة أقرب من عرسال التي شهدت المرحلة الثانية من مجمع الأمل في موقع متاخم لجنود القلمون الذين لا يبعدون سوى كيلومترين فقط.
وفي عرسال، تطورت مسيرة مركز الأمل الطبي الذي عاد يشرع أبوابه من الصفر من دون معدات طبية، حتى فتح عيادتين (عينية وداخلية) إضافة إلى صيدلية، من الدعم الذي وردهم بفضل تبرعات تجمُع «الأمل والرجاء» السوري في مدينة الدوحة القطرية.
وبفضل السمعة الحسنة، كما يرى مدير المركز الطبي الخيري في عرسال، تواصلت معهم «هيئة شام الإغاثية»، قبل نحو 8 أشهر لتقديم الدعم المالي، فيما تقدم «هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية» المساندة بـ5 آلاف دولار شهريا للدواء. وفي يونيو (حزيران) الماضي، تعاقد الهلال الأحمر القطري مع مركز الأمل الطبي لنصرتهم ماديا بـ3 آلاف دولار شهريا للدواء، إضافة إلى رواتب نصف الكادر العامل.
ويقول طلال أبو مراد إن المركز لا يزال في حالة عجز مقابل التوسع الذي وصل حتى الآن إلى 8 عيادات (العينية، والأسنان، والأطفال، وأمراض القلب، والصحة العامة، والإسعاف والطوارئ، والعلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل، والعيادة العظمية)، فضلا عن الصيدلية، مع ثلاثة أقسام للجراحة (العامة، والعظمية، والعينية)، وذلك على الرغم من تواصل دعم الهلال الأحمر القطري مع «هيئة شام الإغاثية». وقال أبو مراد: «مع التوسع، نطلب موارد جديدة. حتى الهلال الأحمر القطري لم يستطع تغطية كل نشاطاتنا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.