ربما نكون مفرطين في توقعاتنا، إذا انتظرنا من لاعبي كرة القدم الحاليين والسابقين على مستوى العالم المشاركة في الفضيحة التي تلقي بظلالها على الكيان الدولي الحاكم للعبة، (فيفا). ومع ذلك، يبدو غلبرتو سيلفا، نجم كرة القدم البرازيلي الذي نال شرف حمل كأس العالم، قلقًا للغاية بخصوص التزام غالبية أقرانه من اللاعبين السابقين والحاليين الصمت حيال ما يجري في «فيفا»، وإقدام القليل منهم فقط على المطالبة بأسلوب إدارة أفضل لكرة القدم. وأعرب سيلفا عن اعتقاده بأن نجوم كرة القدم الكبار ينبغي أن يكونوا في صدارة الجدال الدائر بهذا الصدد.
وقال غلبرتو: «أعتقد أنه يتعين على جميع عاشقي الكرة - سواء لاعبين حاليين أو سابقين أو مدربين - التصدي لما يجري والإعلان صراحة عن رأيهم فيه. لا أصدق أن أحدًا لا يتفوه بكلمة، وأنهم جميعًا اختاروا الصمت. هذا وضع غريب للغاية. ولا أدري السبب وراءه، لكن تبقى الحقيقة أنني لم أرَ الكثير من اللاعبين الحاليين أو السابقين يتساءل علانية عما يدور. هذا الوضع محبط للغاية. لقد آن الأوان لإجراء تغييرات كبرى، ويجب معاقبة من ارتكبوا مخالفات. لو أنني اقترفت بعض الأخطاء في حياتي، يجب أن أعاقب، فلماذا إذن لا ينطبق الأمر ذاته على هؤلاء الأشخاص؟ صمت اللاعبين الكبار عن فساد (فيفا) يعتبر هو الآخر فساد ولكن من نوع آخر».
جدير بالذكر أن نجم الملاعب البرتغالي السابق لويس فيغو ترشح بالفعل لرئاسة (فيفا)، لكنه انسحب الصيف الماضي قبيل موجة إلقاء القبض وتوجيه اتهامات لمسؤولين بالاتحاد. من جانبه، يشدد غلبرتو على ضرورة مشاركة المزيد من اللاعبين في إدارة شؤون الكرة، وأبدى استعداده شخصيًا للاضطلاع بدور نشط على هذا الصعيد. وقال: «نحن قادرون بالطبع على القيام بذلك، لكن من المهم للغاية أن نعد أنفسنا لذلك، وأن نبني بداخلنا تفهم جيدًا لكيفية عمل هذه الأمور وكيف يمكننا المساعدة في إدارتها. في الحقيقة، هناك الكثير من المشكلات تتعين مواجهتها. وقد تعلمنا كيفية التصدي للمشكلات التي قد تظهر داخل الملعب. بينما خارج الملعب، لا ندري ما يكمن أن نواجهه. إننا لا ندري حقيقة من يقفون بجانبنا، فقد تظنه صديقك بينما هو في واقع الأمر الشيطان ذاته».
وقال غلبرتو البالغ من العمر 39 عامًا، إنه يأمل لو أن بإمكانه الاستمرار في الملاعب لفترة أطول قليلاً بعد أن فاته الموسم الأخير بسبب إصابة في الركبة. ويبدو اللاعب على قدر كبير من الوعي الاجتماعي. في وطنه البرازيل، كان واحدًا من الشخصيات الرائدة خلف «حركة بومسنسو»، المؤلفة من مجموعة من اللاعبين تحاول فرض الشفافية والديمقراطية و«الفكر السليم» على كرة القدم الوطنية. ولم تكن هذه المهمة بالسهلة، ذلك أن المشاركين بالحركة تعرضوا كثيرًا لتهديدات من قبل الأندية التي يشاركون في صفوفها، وكذلك من قبل شخصيات وصفها غلبرتو بأنها «لا ترى سوى أسفل أقدامها فقط وما يخدم مصلحتها فحسب. في الواقع، يتعين علينا القتال في مواجهة آلة كبيرة بينما نبدو أمامها ضئيلين للغاية. إننا نود كرة قدم أفضل للجميع، وليس اللاعبين فحسب، وإنما أيضًا للمشجعين والأندية - أي كرة القدم البرازيلية بوجه عام. ومن الجنون أن نفاجأ بالبعض يتعاملون معنا كأعداء. ولا أدري سببًا لذلك. هل ذلك لأن لديهم ما يريدون إخفاءه؟ أما نحن فليس لدينا ما نخفيه، لهذا نواجه الموقف بشجاعة».
الملاحظ أن السعي للقيام بالأمر الصائب كان دومًا جزءًا من طبيعة غلبرتو منذ صباه، حيث خرج للعمل في سن الـ11 لإعالة أسرته. ودائمًا ما يبتسم عندما يتذكر ما فعله بأول أجر يتسلمه بعد أسبوع من العمل في زراعة البن. وعن ذلك يقول: «اشتريت دجاجة لأبي وأمي. واضطررت للسفر بالحافلة حاملاً هذه الدجاجة. وقد شعرت ببعض الخجل. وحاولت التظاهر بأنني شخص مختلف. وقد سعد والدي بالهدية، فقد كان من الرائع بالنسبة لنا تناول اللحم على الغداء أيام الأحد، لأنه لم يكن باستطاعتنا تناول دجاجة كل يوم»، في ذلك الوقت، كانت والدة غلبرتو مريضة وبحاجة لزرع كلية جديدة، في الوقت الذي كان والده يعمل في صناعة الصلب مقابل راتب زهيد.
ومع وجود ثلاثة شقيقات أصغر منه يتعين عليه رعايتهن، قرر غلبرتو العمل منذ سن صغيرة. وبعد مشاركته في زراعة البن، عثر على أعمال أخرى.
وعن ذلك قال: «في سن الـ12 عملت في التنجيد، وكنت أعاون فتية آخرين على صنع أرائك وما إلى غير ذلك. وفي سن الـ13، عملت في صناعة البناء. وتعلمت الكثير من الأمور. وأصبحت أعي جيدًا القيمة الحقيقية للمال. لقد توقفت عن ارتياد المدرسة لاضطراري للعمل لمعاونة والدي على إطعام أسرتنا، ومعاونة والدتي على الحصول على العلاج».
وبالفعل، استعادت والدته عافيتها، وتحولت حياة غلبرتو إلى ما هو أفضل مما كان يحلم به عندما انطلق في عالم كرة القدم. ببلوغه الـ26، كان قد فاز مع منتخب البرازيل بكأس العالم. وجذب أداؤه في كأس العام 2002 أنظار مدرب آرسنال أرسين فينغر إليه 2002، وسرعان ما انضم إلى آرسنال بعد هزيمة البرازيل لألمانيا في طوكيو. وعن الفترة التي قضاها في النادي الإنجليزي، قال غلبرتو: «أجمل سنوات عمري وأروعها».
وقد عاد غلبرتو إلى لندن أخيرا، حيث أبدى دعمه لجمعية «ستريت تشايلد يونايتيد» الخيرية التي تستخدم كرة القدم كأداة لمعاونة المشردين. ولا يفوت غلبرتو أي زيارة له لإنجلترا من دون المرور على ملعب التدريب الخاص بآرسنال لتحية الأصدقاء القدامى. ومازح فينغر بأنه لا يحتاج سوى حذاء جديد لينزل الملعب ويشارك بدلاً من فرانسيس كوكلين المصاب. وعن ذلك قال ضاحكًا: «قلت له إنني جاهز».
وأضاف: «منذ رحيلي لم يحظ آرسنال بلاعب يملأ هذا المركز حتى قدوم كوكلين. ورغم استعانة النادي بلاعبين آخرين مثل ميكل ارتيتا وماثيو فلاميني ومن قبلهم سيسك فابريغاس، فإنه لم يحظ بهذا النمط من اللاعبين الذي يتولى دور التنسيق وخدمة الآخرين». أتمنى أن يتعافى كوكلين من إصابته ويعاون آرسنال هذا الموسم، ذلك أن النادي سيحتاجه بالتأكيد.
واستطرد قائلاً: «إنها فترة عصيبة للغاية بالنسبة للنادي والمدرب فيما يخص تنظيم الفريق، وذلك بسبب كثرة الإصابات. الواضح أن أرسين يواجه الكثير من المشكلات بالفعل ولا يملك أمامه الكثير من اللاعبين. ويجب أن يستجيب اللاعبون من جانبهم لهذا الوضع»، وأضاف: «هذه لحظة حرجة قد يتوقف عليها مصير الموسم بأكمله. إذا ما تمسكوا بنقاط قوتهم خلال هذه الفترة وتناغمهم ستبقى أمامهم فرصة جيدة للنجاح. لقد آن الأوان لأن يفوز آرسنال بالدوري مجددًا. وستكون هذه هدية مناسبة لأرسين مقابل ما أنجزه على امتداد قرابة 20 عامًا»، وكما يتابع مسيرة آرسنال أشار غلبرتو إلى البصمة التي تركها البرازيلي فيليبه كوتينيو على الدوري الممتاز، وقال: «إنه رائع. لقد شاهدته عدة وهو يلعب في صفوف ليفربول، ومن الممتع مشاهدته وهو يسهم بصورة إيجابية في الكرة الإنجليزية. ورغم عجزه عن المنافسة من حيث القوة البدنية، فإنه يملك قدرة كبيرة على التفكير السريع بصورة تمكنه من تسلم الكرة وتمريرها والتحرك بها من دون أن يتمكن الخصوم من اللحاق به. نحن في البرازيل نملك بداخلنا شعور بالمسؤولية - وهذا تحديدًا ما يفعله».
من ناحية أخرى، من المعتقد أن الجيل الجديد من النجوم البرازيليين يملك القدرات اللازمة لمعاونة البرازيل على التعافي من خيبة الأمل الشديدة التي منيت بها في بطولة كأس العالم لعام 2014. ويرى غلبرتو أن نيمار تحديدًا قادر على الانضمام لكوكبة النجوم البرازيليين العالميين. وقال عنه: «بالنظر إلى سنه، يبدو ما حققه مذهلاً للغاية. لقد سعدت كثيرًا بانتقاله إلى أوروبا. وأعتقد أنه جاء في الوقت المناسب. كما أنه شجاع للغاية. وأرى أنه في غضون سنوات قلائل سيصبح من بين اللاعبين الذين يكتبون تاريخ كرة القدم البرازيلية». وأشار إلى أنه شاهد الهزيمة المدوية للبرازيل على يد ألمانيا بسبعة أهداف مقابل هدف واحد من داخل استوديو. وقال: «هل يمكنك تخيل مدى قسوة هذا الموقف؟». إلا أن غلبرتو يبدي تحفظًا حيال فكرة تعافي البرازيل سريعًا، وقال: «لا يزال هذا يمثل تحديًا كبيرًا كي أكون أمينًا في رأيي، فمنذ ذلك الحين رأيت التغيير يجري ببطء بالغ في البرازيل، ولم يشارك الجميع في عقد مناقشة واسعة النطاق حول الأمراض التي أصابت جسد كرة القدم البرازيلية على مدار السنوات الـ10 الأخيرة».
واستطرد موضحًا بأنه: «انظر إلى ما يجري بكرة القدم المحلية لدينا، فالكثير من الأندية لا تزال بحاجة لجهود تطوير كبيرة في مجال البنية التحتية، بل ويفتقر بعضها إلى ملاعب مناسبة للتدريب. هذا أمر مخزٍ خاصة بالنظر إلى أننا في عام 2015. في بعض المناطق، لم نعد نلعب كرة القدم في الشوارع. والآن تحولت بعض المساحات التي اعتدنا اللعب بها إلى مبانٍ. وقد خسرنا الكثير من هذه المساحات الآن. ويجب اتخاذ إجراءات لإيجاد نموذج أو هيكل جيد لمعاونة الأطفال على أن يصبحوا محترفين من دون أن نفقد ما يجري بدمائنا وهي المهارات الرائعة التي تخلق في صفوفنا نيمار آخر ورونالدو جديد ورونالدينهو وريفالدو وبيليه وغيرهم».
وكسفير لأطفال الشوارع، أعرب غلبرتو عن اعتقاده بأن «هؤلاء الأطفال ليسوا محظوظين بظروف معيشية جيدة، وإنما يكافحون في الشوارع. ويعايشون حياة شاقة قاسية. وهم بمثابة لا شيء في هذا العالم، بل ويتعامل معهم البعض كما لو كانوا أكوامًا من القمامة، لكن مسؤولي (ستريت تشايلد) يقفون بجانبهم. ويجري الاعتماد على كرة القدم كأداة مهمة لإعادة دمجهم في المجتمع»، وأضاف: «عندما أقارن حياتي بحياتهم أجد أنه رغم شقائي لم أضطر يومًا للمبيت بالشارع، ولا لالتقاط الطعام من سلة مهملات، مثلما يتعرض الكثيرون منهم في حياتهم. إنني أحاول وضع نفسي مكانهم للتعرف على ما يحتاجونه حقًا. حينئذ يمكنك أن تنظر إلى أوضاعهم بعمق. إنهم بحاجة لفرصة فحسب، بحاجة لشخص يؤمن بهم، لكن إذا لم يساندهم أحد قد ينتهي بهم الحال بالموت في الشوارع. إنهم يرغبون فقط في أن يصبحوا جزءًا من العالم».
غلبرتو سيلفا: صمت كبار النجوم على «فساد الفيفا» فساد من نوع آخر
نجم البرازيل وآرسنال السابق يطالب بثورة لإنقاذ كرة القدم من سلوك المنحرفين

غلبرتو حصد الكثير من الألقاب مع آرسنال، غلبرتو سيلفا بقميص جريميو البرازيلي.
غلبرتو سيلفا: صمت كبار النجوم على «فساد الفيفا» فساد من نوع آخر

غلبرتو حصد الكثير من الألقاب مع آرسنال، غلبرتو سيلفا بقميص جريميو البرازيلي.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة