سليمان: لبنان ظل من غير دولة طيلة 40 سنة

قال إنه يريد بقاء القصر «نابضا حتى آخر لحظة»

الرئيس اللبناني ميشال سليمان
الرئيس اللبناني ميشال سليمان
TT

سليمان: لبنان ظل من غير دولة طيلة 40 سنة

الرئيس اللبناني ميشال سليمان
الرئيس اللبناني ميشال سليمان

الأرجح أن الرسالة التي تقصد الرئيس اللبناني ميشال سليمان توجيهها من باريس للأطراف في لبنان أو للجهات التي تتعاطى مع الشأن اللبناني عقب اجتماع دولي ناجح بحضور الدول الخمس الكبرى أشبه ما تكون بـ«الوصية» السياسية. فالرجل على ما قال وأكد أمس في لقاء مع مجموعة صحافية لبنانية في مقر إقامته في باريس، لا يريد التجديد وليس راغبا به بأي شكل من الأشكال. لكنه لا يريد أن يترك الرئاسة إلا وقد حدد الأسس التي سيتعين على خليفته السير على هديها كما أنه لا يريد أن يعد اللبنانيون أن اقتراب نهاية ولايته يعني أنه أصبح مهمشا لا حول له ولا قول.
يقول الرئيس سليمان الكثير للبنان. ويوم أمس عاد لخطاب القسم الذي أكد أنه كان النبراس الذي اهتدى به رغم أنه لم ينجح في تحقيق الكثير مما تضمنه «لأن لبنان كان من غير دولة طيلة أربعين عاما: عشرون منها تحت الاحتلال السوري وقبلها عشرون في ظل لحرب الأهلية ثم جاءت مسألة المحكمة الدولية فالحرب في سوريا».. كما أن اللبنانين، يقول سليمان، لم يبدأوا في التحاور مع بعضهم البعض إلا حديثا.
وبينما يتواصل هجوم حزب الله والأطراف المتضامنة معه على سليمان بغرض إحراجه فإخراجه، رد الأخير من باريس قائلا: «يجب أن يبقى المقر الرئاسي نابضا حتى آخر دقيقة وحتى منتصف الليل (من انتهاء الولاية) ولا يجربن أحد أسلوب التهويل على الرئيس مهما كان نوعه ومن يخطئ (في تقديره) فليقرأ كلمة كلمة خطاب القسم ليعرف إن كان مصيبا (في حكمه) أم لا».
ويريد الرئيس سليمان رسم «السقف» الذي لن يجوز للرئيس الذي يخلفه في قصر بعبدا النزول تحته، الأمر الذي يعني في نظره «تحصين» موقعه رئاسة الجمهورية من المزايدات والتنازلات. وفي هذا السياق أعلن في باريس أن ما «يهمه» هو «الثوابت» التي يتحدث عنها «حتى تكون صالحة للرئيس الجديد الذي يتعين عليه البدء بها والانطلاق منها» وهي التي يختصرها خطاب القسم.
ويبدو في كلام الرئيس سليمان بعض «التحسر» لأنه كان «مفروضا» عليه كما يقول أن ينفذها «لكنه لم يقدر على ذلك لأسباب كثيرة ليفسرها من يريد على هواه». وتأتي الاستراتيجية الدفاعية على رأس المسلمات التي يريد أن تكون منارة الرئيس المقبل لتخطي ما سماه في خطاب الكسليك «الثلاثية الخشبية» العقيمة المتمثلة بإيكال الدفاع عن لبنان «الجيش والشعب والمقاومة» وليحل مكانها «الأرض والشعب والقيم». ويعتبر سليمان أن الاستراتيجية الدفاعية «ضرورة» للمقاومة «حتى لا تستهلك إنجازاتها في الصراعات السياسية».
ليس من الممكن أن يمر حوار مع الرئيس سليمان من غير الحديث عن الانتخابات الرئاسية. فولايته تنتهي ليل 25 - 26 مايو (أيار) والفترة الدستورية للانتخاب تبدأ في 25 الجاري أي قبل أقل من ثلاثة أسابيع. وفي مؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي استضافته العاصمة الفرنسية، سئل الرئيس سليمان كما قال عن هذا الاستحقاق وكان رده أنه: يجب تشجيع الأطراف «المعنية» والمجلس النيابي على إجراء الانتخابات حتى من غير وجود رئيس توافقي لأن رئيسا ما سيخرج من جولات الاقتراع. ولما يسأل مجددا عما يخوله توقع إجرائها، يجيب أن العنصر الأول هو موقفه بالذات الرافض للتمديد حتى وإن تعثرت العملية الانتخابية «لأن الدستور يفرض ذلك ولأنني شخصيا متشوق لإنهاء ولايتي».
فضلا عن ذلك، فإن سليمان يرى في دعوة التمديد له «تعطيلا للعملية الانتخابية» كما يرى أن مقاطعة النواب «ضرب للديمقراطية وليست ممارسة لها». أما إذا انتهت الولاية ولم تحصل الانتخابات، فإن الرئيس سليمان لا يجد حرجا في إيكال السلطات للحكومة وفق منطوق الدستور حتى وإن لم تحصل على ثقة المجلس النيابي بسبب خلاف أجنحتها على البيان الوزاري وحول بنود إعلان بعبدا وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. فالدستور أناط بالحكومة تسلم سلطات الرئيس وهذا بذاته أهم من مثولها أمام المجلس ونيلها الثقة، وفي أي حال، فإن حكومة كهذه ستكتفي بتسيير الأمور العادية ولن تقدم على عقد معاهدات دولية أو تجري تقسيما إداريا جديدا.
وفي كل حال، يبدو سليمان «سعيدا» بصيغة حكومة الرئيس تمام سلام وتمنى لو جاءت في بداية عهده. فضلا عن ذلك، فإنه يرى إمكانية للتوافق على بيان وزاري والتغلب على المواضيع الخلافية لأن «لكل الصعوبات مخارج وحلولا». لكن لو كان الأمر كذلك فلماذا لم تنجح لجنة الصياغة في التوصل إلى حل حتى الآن؟
وعاد الرئيس سليمان مطولا إلى مؤتمر باريس الذي يعتبره ناجحا إطلاقا وكاشفا أن المؤتمرين قرروا عقد اجتماعات لاحقة قد يكون أولها في شهر يونيو (حزيران) المقبل وسيسبقه اجتماع تقني في روما في 10 أبريل (نيسان) المقبل على مستوى قادة أركان جيوش الدول الصديقة التي كانت موجودة في باريس ودول أخرى لدعم الجيش اللبناني.
ونفى سليمان نفيا قاطعا ما تروجه أوساط لبنانية من أن فرنسا وضعت شروطا على السلاح المقدم للبنان مذكرا بما قاله له الرئيس هولاند من أنه «لا شروط» على السلاح الذي يستطيع لبنان الحصول عليه. وكشف سليمان أن الجيش سيحصل على صواريخ مضادة للطائرات وللدبابات ومدفعية وأسلحة بحرية وأجهزة لمحاربة الإرهاب. سيبدأ التسليم بعد نحو شهرين ليمتد إلى حدود السنتين بسبب الحاجة لتصنيع الأسلحة المطلوبة والممولة من الهبة السعودية. وفي رأيه، فإن السلاح المطلوب للجيش هو الذي يمكنه من أداء المهمات الثلاث الرئيسة وهي محاربة إسرائيل ومحاربة الإرهاب وحماية السلم الأهلي وجمع السلاح غير الشرعي.
وحث سليمان «كافة الأطراف اللبنانية» على «احترام الحبر» الذي كتب به إعلان بعبدا الخاص بنأي لبنان عن نفسه بخصوص النزاع في سوريا باعتباره كان تعبيرا عن إرادة لبنانية جامعة، مضيفا أنه «لا يجوز تسفيه عمل أعلى الهيئات في الوطن». وفي أي حال، فإنه نبه أن سلوكا من هذا النوع (أي التنكر لإعلان بعبدا) «ينسف مصداقية لبنان في العالم»، داعيا إلى الفصل بين ما حققه لبنان في باريس من إنجازات وبين وجوده شخصيا على رأس الدولة اللبنانية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.