الماضي حين يخيم على الحاضر

القاصة الأردنية مجدولين أبو الرُّب في «الرجوع الأخير»

غلاف الرجوع الأخير
غلاف الرجوع الأخير
TT

الماضي حين يخيم على الحاضر

غلاف الرجوع الأخير
غلاف الرجوع الأخير

تنتمي الكاتبة الأردنية مجدولين أبو الرُّب إلى جيل التسعينات من القرن الماضي الذي احتشد بعدد لافت من القاصّات المبدعات اللواتي حفرنَ أسماءهن بقوة في المشهد القصصي الأردني أمثال بسمة النسور، جميلة عمايرة، حزامة حبايب، انتصار عباس وغيرهنَّ من القاصّات الدؤوبات.
يمكن القول باطمئنان نقدي إلى أن قصص مجدولين ناجحة في الأعمّ الأغلب لأنها تتوفر على سويّة فنية قوامها الثيمة، والشخصية، والبناء القصصي القائم على صراع درامي يتنامى شيئًا فشيئًا منذ مرحلة التمهيد للحدث، مرورًا بالذُروة، وانتهاءً بحل العقدة. وبما أن المساحة الزمكانية ضيّقة فلا بد من التعجيل بصناعة الحدث، وتصعيده دراميًا، والإسراع في حسمه عبر حلّ مقنع فنيًا يستقر في ذاكرة القارئ ولا يغادرها بسهولة.
تتوفر قصة «كذب أبيض» على أكثر من ثيمة كالحمْل والإنجاب والموت والضجر والاستفزاز ولكن «الكذبة البيضاء» هي التي تعْلق في ذهن المتلقي لأن الراوية التي تختبئ وراءها كاتبة القصة نفسها لا تُريد أن تترك أثرًا سلبيًا في نفس المرأة الحامل «ذات الثوب الأزرق الفضفاض»، خصوصًا وهي على وشك الولادة، لذلك تفادت ذكر موت ابنها الذي لم يعش سوى أربعة أيام لا غير، وحرَّفت الإجابة باتجاه آخر حينما قالت: إنها تركته عند جدته، بينما يشي واقع الحال الذي لا تعرفه سوى الراوية العليمة التي جاءت إلى عيادة الطبيب كي يصف لها دواءً يجفف الحليب في صدرها!
تُعدّ الراوية في هذه القصة أنموذجًا للشخصية الرئيسة «Main Character» بينما تُمثِّل المرأة الحامل ذات الثوب الأزرق الشخصية الأساسية «Major Character»، أما الشخصيات الأربع الأخرى بما فيهن السكرتيرة فهنّ شخصيات مؤازرة قد لا تسهم في صناعة الحدث، لكنها تؤثث فضاءه القصصي.
يتوزع السرد في قصة «الرجوع الأخير» على ثلاث شخصيات وهي الأم والابن والخادمة. وعلى الرغم من اشتراك الثلاثة في صناعة الحدث القصصي فإن الأم تحتل الحيّز الأكبر منه ذلك لأنها فقدت الذاكرة وأصبحت لا تفرِّق بين ابنها وشقيقها عارف الذي توفي منذ خمس سنوات. وهي تقيم الآن في بيتين، الأول، في عمّان، والثاني، في القدس، حيث عاشت فيه قبل خمسين سنة، وتريد أن تأخذ أمها التي كوَت ركبتها إلى الطبيب بدلاً من أبيها المُتعَب. إنها، باختصار شديد، تعيش الماضي والحاضر وتخلط بينهما فلا غرابة أن يمنعها الابن من مغادرة المنزل ويعطي المفتاح للخادمة الأمينة. لقد صنعت مجدولين حدث الأم التي تشوشت ذاكرتها ولم تعد تميّز بين الابن والشقيق، كما أوصلت هذا الحدث إلى أكثر من ذروة حينما ثارت ثائرتها وأخذت تصيح من نافذة المنزل: «أنقذوني، يا ناس، أنقذوني..». ولو وضعنا الاستذكارات التي قد يكون بعضها صحيحًا أو مُتخيلاً لكن لحظة الحسم قد كثّفتها القاصة في النهاية المرسومة بعناية فائقة وبصيغة استفهامية مفادها: هل تقبل الخادمة بالزيادة التي اقترحها الابن وقدرها 25 دولار شهريًا، أم ترفض القلادة الذهبية التي قدّمتها الأم وقيمتها نحو ألف دولار، مقابل أن تخرج من المنزل؟ حسنًا فعلت مجدولين، حينما تركت نهاية هذه القصة مفتوحة كي يسهم القارئ في الإجابة على هذا السؤال الموجّه له بوصفه عنصرًا مُشاركًا في صناعة الحدث ومُتلقيًا له في آنٍ واحد.
تتميّز قصة «مسارح الظنون» بحبكتها القوية وبنائها الهندسي المحكم. ولعل الخبر الذي قرأه في صحيفة قبل أسبوع هو الإطار الذي احتوى الثيمة الرئيسية وحدثها الأوحد القائم على المفارقة. فأم طارق التي أيقظت أبا طارق مُخبرة إياه بأن لصًا قد دهم بيتهما وأنها سمعت وقع أقدامه على السلالم المفضية إلى غرفة المؤونة. وحينما وضع أبو طارق فوهة البندقية على رأس اللص الذي كان متدثرًا فوجئ بأنه امرأة وليس رجلاً، لكن الأغرب من ذلك أنها في العشرينات من عمرها، وهي حامل أيضًا. فما الذي أتى بها في آخر الليل، وما الذي تخبئه في جعبتها؟ تروي هذا المرأة الشابة حكايتها لأم طارق وتغادر المنزل في الصباح، لكن ما يعيد القصة إلى بدايتها هو أن أبا طارق، قد قرأ الخبر مرة ثانية، وتأكد بأن عامل نظافة قد عثر على طفل حديث الولادة قرب حاوية للنفايات. والأدهى من ذلك أنه وُجِد عند أطراف الحي الذي يسكنهُ! لعل اللفتة الإنسانية في هذه القصة، أن أبا طارق كان يتمنى أن يكون هذا الجنين المتكوِّر في بطن زوجته التي لم تنجب منذ ثلاثين عامًا، وليس في بطن هذه المرأة التي تسللت إلى منزله خلسة.
يعوِّل بعض القصاصين على التعالق النصي مع أفكار وقناعات قد لا تكون صحيحة بالضرورة. وقد فعلت قاصتنا ذلك غير مرة كما في قصة «تغيّير» حيث تكون الأم هي البطلة، بينما يكون بقية أفراد الأسرة شخصيات ثانوية. لقد اقتنت الأم مكتبة قبل عشرين عامًا، وجلبت معها صدَفة حلزونية وهي الأهم في سياق الثيمة القصصية. فالمكتبة التي أصبحت مثارًا لسخرية البنات لم يشترِها حتى بائع أثاث متجوَّل ولذلك تخلصت منها وأوصت نجارًا بأن يصنع لها مكتبة جديدة. أما الصدَفة الحلزونية فلن تفرّط بها الأم، لأنها تعتقد بأنها كلّما قرّبتها إلى أذنها سمعت هدير البحر. ثمة أفكار أساسية تعلق في ذهن القارئ في هذه القصة مثل: جرأة كبيرة تعني تغييرًا أكبر، جرأة قليلة تعني تغييرًا أقل. وعلى الرغم من أن كثيرين يستعملون الصدَفة كمطفأة للسجائر فإن الأم موقنة تمامًا بأن «صوت البحر يسكنها» فكيف تفرِّط بصوت البحر؟
تتوسّع أبو الرُّب في توظيف المنحى الأسطوري في قصة «المضبوع» التي لا يمكن إحالتها إلا إلى الحس الخرافي الذي تصنعه الذاكرة الشعبية ثم تصدّقه في خاتمة المطاف. فالابن المضبوع في هذه القصة لا حول له ولا قوّة، فهو مستسلم، وخاضع كليًا لإرادة أبيه، ويمكن أن يتْبعه حتى ولو كان هذا الأب ذاهبًا إلى حتفه!
تؤكد الخرافة الشعبية بأن الضبع إذا شاهد إنسانا في الليل فإنه يتبول على ذيله ثم يرشق ضحيته بهذا البول ويخدِّرهُ، فيقع الإنسان تحت سطوته، ولا يبدي أي شكل من أشكال المقاومة. في هذه القصة يظل الابن خانعًا وتابعًا لأبيه. وحينما يتمادى هذا الأخير نرى مُلثّمًا يسرق كل ما ادّخره هذا الأب الذي يخشى الأهل والأقارب والجيران. ولعل السؤال المحيّر في هذا الصدد هو: كيف دخل الملثّم إلى هذا البيت المغلق بالألواح والمسامير؟ ثم نكتشف في خاتمة المطاف أن الابن المفلس تقريبًا بات يجلب كل يوم مشويات ومقبلات لذيدة من دون أن يثير حفيظة الأب. كما بدأ يرتدي ملابس جديدة من دون أن يتلقى توبيخاته وشتائمه المُقذعة.
لا تشذّ بقية القصص رغم تنوع موضوعاتها عن المعالجات الفنية في بقية القصص التي تُدلل أننا نقف أمام قاصة محترفة تستطيع أن تلفت عناية قارئها. فبالإضافة إلى الثيمة، والشخصية، والبناء المعماري وما يتخلله من تصعيد درامي مدروس يفضي إلى نهاية تنويرية فإن القاصة مجدولين أبو الرُّب تتوفر على لغة قصصية رشيقة لافتة للانتباه.



سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
TT

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)

أعلنت لجنة جائزة «بوكر» البريطانية للرواية في وقت متأخر مساء الثلاثاء عن فوز رواية «أوربيتال» للكاتبة البريطانية سامانثا هارفي بالجائزة ذات القيمة الأدبية الكبيرة على الرغم من مبلغها المادي المتواضع، البالغ خمسين ألف جنيه إسترليني.

وذكر رئيس لجنة التحكيم، الفنان والمؤلف إدموند دي وال، أن رواية سامانثا هارفي تستحق الفوز لـ«جمالها وطموحها»، وأنها «تعكس شدة اهتمام هارفي الاستثنائي بالعالم الثمين والمحفوف بالمخاطر الذي نتقاسمه».

وأهدت سامانثا هارفي، في خطاب الفوز جائزتها «إلى أولئك الذين يتحدثون باسم الأرض ولصالح كرامة البشر الآخرين، والحياة الأخرى، وجميع الأشخاص الذين يتحدثون عن السلام ويدعون إليه ويعملون من أجله».

وتتركز أحداث الرواية حول ستة رواد فضاء يعملون داخل محطة فضائية تدور في فلك الأرض.

وفي مراجعته للرواية كانت نشرتها «نيويورك تايمز»، كتب جوشوا فيريس أن «(أوربيتال) خالية تقريباً من الحبكة؛ فليس بها عرق فضائي يغزو الأرض، ولا كوكب يدفع الناس إلى الجنون». ومع ذلك، يقول فيريس إن الافتقار إلى السرد لم يضر الرواية، التي تضمنت مقاطع قصيرة عن البيئة والوقت والدين. وخلص الناقد إلى أن الكتاب «جميل على نحو يسلب العقل. وفي بعض الأحيان، يكفيك الشعور بالدهشة والروعة». من جهتها، قالت هارفي، في مقابلة حديثة لها مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنها في أثناء عملها على «أوربيتال»، شاهدت «آلاف وآلاف الساعات من لقطات تصوير للأرض جرى التقاطها من الفضاء»، وأضافت هارفي أنه «نظراً لأن ذلك كان في فترة الجائحة»، فقد خالجها شعور بنوع من «التحرر الجميل أن أتمكن من القيام بذلك كل يوم، وفي نفس الوقت أكتب عن ستة أشخاص محاصرين داخل علبة صفيح».

ومن بين الروايات السابقة الفائزة بالجائزة «حياة باي» ليان مارتيل، و«أطفال منتصف الليل» لسلمان رشدي، و«القاتل الأعمى» لمارغريت أتوود.

وكانت ست روايات قد تنافست على الجائزة، ومنها «جيمس»، تأليف بيرسيفال إيفرت التي توقع مراهنون بريطانيون فوزها بالجائزة. والرواية عبارة عن إعادة سرد لرواية «مغامرات هكلبيري فين» لمارك توين، من منظور الرجل الأسود الهارب من العبودية في الرواية الأصلية. وتبعاً لمراجعة الناقد دوايت غارنر في «نيويورك تايمز»، فإن «ما يميز جيمس عن روايات إيفرت السابقة، رغم أنها تحمل الحس الفكاهي القوي ذاته مثل الكثير من الروايات الأخرى، أن الإنسانية هنا تتجلى بشكل أفضل كثيراً. هذه أكثر روايات إيفرت إثارة، وكذلك أكثرها عاطفية».

وفي إطار مقابلات أجريت معه، قال إيفرت إنه وقع على الفكرة في أثناء لعب التنس، وتساءل فجأة عما إذا كان أي شخص قد أعاد كتابة «هكلبيري فين». وقال في تصريحات أدلى بها في مايو (أيار): «كان سؤالاً مثيراً للاهتمام، وكشف لي كذلك عن السبب وراء ضربي للكرة بشكل رديء للغاية».

ومن الروايات الأخرى المرشحة، «بحيرة الخلق»، تأليف راشيل كوشنر. وتدور أحداثها حول جاسوسة مأجورة تتسلل إلى داخل إحدى جماعات النشطاء البيئيين في فرنسا - وإن كانت لا تعرف، على ما يبدو، حقيقة من استأجرها - لصالح تكتلات زراعية ضخمة تسعى للزج بأعضاء الجماعة في السجن. وفي مقابلة صحافية أجرتها، قالت كوشنر إن كتابة «بحيرة الخلق» كانت «أكثر ما استمتعت به في حياتي»، وإنها «فضلت العالم الذي صنعته» في الكتاب على العالم الذي نحيا فيه اليوم. ونالت الرواية إعجاب الكثير من النقاد، بما في ذلك غارنر، الذي كتب أنها «تعزز مكانة كوشنر باعتبارها واحدة من أفضل الروائيين باللغة الإنجليزية». ومع ذلك، عبَّرت ميا ليفيتين، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، عن اعتقادها بأن الرواية، المليئة بالتأملات الفلسفية، «رديئة الصياغة على نحو مخيب للآمال».

وحازت رواية «الحارس»، تأليف يائيل فان دير وودن، اهتمام بعض الأوساط الأدبية أيضاً، لسبب رئيس واحد: وجود قدر كبير من الجنس بها. في الواقع، كما لاحظ أحد المراجعين في صحيفة «التايمز»، تتضمن الرواية «فصلاً كاملاً عن الجنس».من جهتهم، أكد حكام جائزة «بوكر» أنهم اختاروا الرواية في القائمة القصيرة، وهي أول رواية لفان دير وودن، لأسباب تتجاوز الموضوع، واصفين العمل في بيان صحافي بأنه «قصة قوية وجذابة حول الهوس والأسرار». تدور أحداث الرواية في هولندا في ستينات القرن العشرين، وتروي قصة رومانسية لم تكن بالحسبان بين إيزابيل، امرأة باردة مهووسة تعيش في منزل والديها القديم، وإيفا، صديقة أحد أشقاء إيزابيل. وتكشف الرواية تدريجياً كذلك عن أنها قصة عن الهولوكوست وإرثه. من ناحيتها، قالت فان دير وودن في مقابلة أجريت معها قريباً، إن الكتاب مستوحى من قصة قصيرة كتبتها عن عشاء عائلي تسوده أجواء التوتر، يحضره رجل مع صديقته، التي لا يحبها أحد هناك. وكتبت لوري سوديرليند في صحيفة «التايمز»: «يا له من كتاب هادئ رائع. لا شيء في هذا الكتاب يبدو زائداً عن الحاجة».

ومن الروايات المرشحة الأخرى، رواية «ستون يارد ديفوشنال»، تأليف شارلوت وود، التي ستتولى دار نشر «ريفيرهيد بوكس» بالولايات المتحدة نشرها في 11 فبراير (شباط). وتدور عن امرأة تتخلى عن وظيفتها في منظمة غير ربحية معنية بالحياة البرية، بعدما غلبها اليأس، على ما يبدو، بسبب افتقار عملها إلى التأثير، وتلجأ إلى دير، حيث تنقطع عزلتها بسبب، من بين أمور أخرى، تفشي وباء الفئران. من جهتها، وصفت جوهانا توماس كور، التي راجعت الرواية لصحيفة «صنداي تايمز» في بريطانيا، بأنها «عمل جميل وناضج لا يخشى الحياة». أما وود، فصرَّحت عبر مقابلات صحافية حديثة بأن الرواية كُتبت في أثناء فترة الإغلاق جراء جائحة فيروس كورونا، وبعد تشخيص إصابتها بالسرطان. وقالت في بيان لموقع «بوكر» الإلكتروني إن: «الاضطرابين المزدوجين» بثَّا داخلها «غريزة ملحة للتخلص من كل ما هو غير ضروري».