مصير غامض ينتظر حزب النور السلفي في مصر بعد أن مني بخسارة فادحة في الانتخابات النيابية التي جرت أخيرا، ويحاول الحزب أن يلملم أوضاعه، وسط دعوات كثير من أعضائه وقياداته إلى ضرورة إعادة هيكلة الحزب والإطاحة بقادته الحاليين.
في الوقت نفسه، زادت الحكومة المصرية من ضغوطها على الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، وأغلقت ما يقرب من 72 معهدا غير رسمي لإعداد الدعاة، في حين ازداد الهجوم من القيادات الوسطى في «النور»، للمطالبة بإجراء تغييرات جوهرية في الحزب الذي مني بخسارة هي الأقوى له منذ ثورة «30 يونيو (حزيران)» التي أطاحت بحكم الإخوان، وفاز بـ12 مقعدا فقط في الانتخابات البرلمانية، بسبب تناقص شعبية الحزب الممثل الوحيد للإسلام السياسي في الشارع المصري.
ويرى مراقبون أن مصير «النور» بات غامضا عقب تردد أنباء عن استمرار الانشقاقات داخله، بسبب موقف الدعوة السلفية الرافض لاستمرار الحزب في الانتخابات عقب حصوله على 10 مقاعد خلال المرحلة الأولى التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتلويح قيادات سلفية بأنها قد لا تنتظر الانتخابات التي ستجرى في الحزب مطلع عام 2017 على جميع المستويات، بما فيها رئاسة «النور» والهيئة العليا للحزب، وقد توافق على تغييرات في المستقبل القريب حال موافقة هيئته العليا.
لكن الشيخ صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، استبعد تغيير قيادات «النور» الآن، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أنه «حزب مستقر، والخلافات مع الدعوة في وجهات النظر فقط، ولم ترتق إلى حد الصراعات».
وفي خطوة عدها مراقبون بمثابة وقف طوفان اعتلاء الدعاة غير الرسميين المتشددين منابر المساجد، والذي ظهر جليا خلال الماراثون الانتخابي، أغلقت وزارة الأوقاف معاهد تابعة للدعوة السلفية خصوصا في الإسكندرية. وقال قيادي مسؤول في «الأوقاف» إن «غلقها خطوة على طريق حصار أصحاب الأفكار المتشددة».
ويقدر عدد المعاهد الخاصة التي لا تخضع لإشراف «الأوقاف» ومسجلة لدى الوزارة - بحسب الإحصائيات الرسمية - بـ72 معهدا، منها 15 تابعة لجماعة أنصار السنة (وتضم دعاة من «النور»)، و37 للجمعية الشرعية (وتضم عناصر من الإخوان و«النور»)، و20 لجمعية الفرقان (وتضم كبار مشايخ «النور» بالإسكندرية).
وأثار القرار، الذي تشاورت بصدده جهات عليا في مصر، حالة من الرفض من قبل مشايخ «النور». وقال مسؤول في الدعوة السلفية بالإسكندرية: «سوف نشكو تعسف (الأوقاف) للقضاء المصري».
ومعاهد إعداد الدعاة تنتشر في مصر، حيث أي جمعية تمتلك الحق في تأسيس معاهد إعداد دعاة، كما أن هناك مشايخ لديهم مدارس خاصة ويمنحون شهادات بأسمائهم، وهناك كثير من المعاهد لا يتم الترخيص لها من قبل أي جهة سوى الجمعية الشرعية أو الدعوة السلفية، دون العودة إلى «الأوقاف».
وقال القيادي في «الأوقاف» إن «هذه المعاهد تبث أفكارا متشددة للطلاب الذين يدرسون بها سواء مصريين أو من دول أخرى»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «(الأوقاف) لن تعترف إلا بعدد 19 معهدا تابعة لها، فضلا عن عشرة أخرى، سوف يبدأ اليوم (السبت) تلقي طلبات الالتحاق بها».
ووافقت الحكومة في يوليو (تموز) الماضي على عدم السماح لأي جمعية أهلية بافتتاح أو استمرار عمل أي معهد من معاهد إعداد الدعاة أو الثقافة الإسلامية التابعة لها، خصوصا أن بعض من يدرسون بها غير متخصصين وقد يحمل بعضهم فكرا متطرفا.
ومنحت «الأوقاف»، التي تشرف على نحو 198 ألف مسجد، هذه المعاهد مهلة لتوفيق أوضاعها، لكن القيادي المسؤول في «الأوقاف» أكد أن «معاهد الجمعيات رفضت شروط الوزارة، لذلك تم حظر نشاطها بشكل نهائي».
في السياق نفسه، يقول المسؤول في الدعوة السلفية بالإسكندرية - الذي فضل عدم تعريفه - إن «(الأوقاف) تريد الانفراد فقط بالدراسة في معاهدها، وقرار الغلق أضر بآلاف العاملين بهذه المعاهد ومن تخرجوا فيها».
وقال صبرة القاسمي إن هناك مناوشات تحدث من وقت إلى آخر بين «الأوقاف» والدعوة السلفية، ومنعت «الأوقاف» مشايخ الدعوة و«النور» من صعود المنابر، وحدثت بعض الاستثناءات لمشايخ النور بعد ذلك.
وتابع القاسمي بقوله: «الصراع بين الدعوة السلفية و(الأوقاف) تحت الأرض، ويظهر للسطح من وقت إلى آخر».
وفي سياق آخر، قالت مصادر في الدعوة السلفية، إن أي تغيير لقيادات حزب النور سيكون وفقا للائحة الحزب الداخلية، حيث إن من يحق لها سحب الثقة من الحزب هي الجمعية العمومية وكذلك هيئته العليا.
ولمحت المصادر التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» إلى وجود خلافات لا تزال جارية حتى الآن بين قيادات الدعوة السلفية و«النور»، عقب خسارة قيادات بارزة بالحزب في الانتخابات، وفي مقدمتهم النائب الأول لرئيس الحزب السيد مصطفى خليفة، لافتة إلى أن الدعوة كانت تتوقع هذه النتيجة، لذلك طالبت «النور» بالانسحاب من المرحلة الثانية، لكن الحزب تمسك بخوضها.
وشكا ممثلو أكبر تجمع للسلفيين بمصر من تعرضهم لهجوم وشائعات خلال الانتخابات التي شهدت - على حد وصفهم - رشى انتخابية لم يشهد لها مثيل على الإطلاق، وهو ما كان السبب في خسارة مرشحي «النور».
وحصل «النور» فقط على 12 مقعدا بعد أن حصد 25 في المائة من مقاعد البرلمان السابق الذي استحوذت على أغلبيته جماعة الإخوان المسلمين. ويرى مراقبون أن «لفظ الشارع المصري الحزب بسبب آراء قياداته المتشددة كان سببا في خسارته الكبرى». يأتي هذا في وقت يواجه «النور» حملات شرسة للمطالبة بحله، بعد أن دشن نشطاء حملة شعبية أطلقوا عليها «لا للأحزاب الدينية» لحل «النور» ومعه 9 أحزاب أخرى قائمة على أساس ديني.
من جانبه، قال صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن «النور مستمر في الحياة السياسية، والدعوة السلفية مستمرة في مسيرتها، وليس من مصلحة المصريين لفظ «النور»؛ لكنه قال إنه حدثت أمور غير صائبة للضغط على «النور» والدعوة السلفية خلال الفترة الماضية، وهو شيء غير طبيعي، لافتا إلى أن «النور» كانت لديه طموحات أكثر للفوز بمقاعد أكثر داخل البرلمان.. وقد يكون أعضاء الدعوة السلفية غير راضين وضغطوا على «النور» للانسحاب من المرحلة الأولى ومن الحياة السياسية، لكن رموز «النور» أصروا على الاستمرار، والطرفان كان رأيهما صوابا، فالدعوة السلفية ترى أن انسحابهم حفظ لماء الوجه، و«النور» يريد المشاركة في الحياة السياسية.
وشارك «النور» في صياغة خريطة المستقبل، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو عام 2013، وهو الموقف الذي أشعل الوضع بين الدعوة السلفية وحزبها، وقوى إسلامية مؤيدة للإخوان.
مصير غامض لحزب النور آخر ممثلي تيار الإسلام السياسي في مصر
الحكومة واصلت الضغط عليه وأغلقت 72 من معاهده.. ونتائج الانتخابات عكست تراجعه شعبيًا
مصير غامض لحزب النور آخر ممثلي تيار الإسلام السياسي في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة