* ما زالت الكتب الصادرة عن السينما في العالم العربي قليلة العدد وستبقى كذلك. لا علاج لهذا خلال الوضع الحالي الذي تعاني فيه الثقافات والفنون العربية، إجمالاً، من تشتت وفقر. لكن ما يصدر، من ناحية أخرى، جيّـد في غالبه. مطلوب ومرغوب بل ومفيد… إذا ما وصل إلى القارئ بطريقة أو بأخرى.
* أحد هذه الكتب جديد الزميل إبراهيم العريس «السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للأفلام» الصادر عن «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت: 213 فيلمًا عربيًا تشمل أعمالاً من معظم الدول التي أنتجت أفلامًا تعاملت مع الواقع الفردي والاجتماعي للإنسان العربي ومن جوانب مختلفة طرحتها تلك الأفلام على تعدد توجهاتها الروائية أو التسجيلية.
* إنه جزء أول من مجهود ينوي الزميل إنجازه مقبلاً على وضع قاموس نقدي آخر يحتوي على نحو 200 مخرج ليتبعها بدراسة تربط بين الأفلام ومخرجيها وما بثّـته من اهتمامات تصلح لتمييزها والشغل على طروحاتها. ما هو ماثل أمامنا هو عمل فعّـال قائم بحد ذاته. العريس يختار من مئات الأفلام العربية ما «يستجيب بأكثر مما تفعل أفلام كثيرة أخرى للهم البحثي». يدفع الكاتب القارئ لهضم الأفلام الكثيرة التي يحتويها الكتاب بأسلوبه المميز الذي يمارس من خلاله النقد السينمائي والبحث الثقافي والاجتماعي والفني منذ سنوات. تتعرّض الأفلام إلى تحليلاته الاجتماعية والكثير منها، كما الحال مع «الجوع» لعلي بدرخان و«البيت الزهر» لجوانا حاجي توما وخليل جريج و«عرس الزين» لخالد الصديق إلى مراجعة شاملة للمنبع الفكري والنواحي الفنية لكل عمل وعلى نحو متجدد.
* كتاب «نور الشريف: وجوه بلا أقنعة» يستفيد من رؤية مؤلف الكتاب، وليد سيف، النقدية والأكاديمية استفادة جمّـة. هو ليس غريبًا عن الكتابة النقدية والمعلوماتية الرصينة ويأتي عمله هنا ليشمل خمسة عقود من حياة الممثل نور الشريف على الشاشة.
* مثله في الإجادة، ولو بنبرة مختلفة تمامًا، المؤرخ محمود قاسم الذي درس حياة الممثل الراحل عمر الشريف جيّدًا وقسّـم كتابه إلى فصلين رئيسيين يعبران عن مرحلتي الممثل المحلية والعالمية.
* أما الكتاب الذي سيتلقف الكثير من الاهتمام، بين النقاد والجمهور، فهو «مخرج على الطريق» للمخرج محمد خان الذي وضع جل ما كان كتبه من مقالات، تحت العنوان نفسه، على مدى ثلاثة عقود جاورت أعماله السينمائية. بأسلوبه السهل والرصين (يشابه أفلامه) يكتب خان عن شتّـى اهتماماته السينمائية بعضها على شكل ذكريات وبعضها الآخر قراءات في ظواهر مختلفة.
* وإذا ما كان تأليف الكتب السينمائية الجيدة مسألة صعبة تتطلب الوقت والبحث والتحقيق، فإن الترجمة الجيدة لكتب أجنبية جيدة لا تقل صعوبة. وما زال أفضل كتاب صدر في هذا النطاق «أفلام مشاهدة بدقة» الذي وضعته قبل بضع سنوات مارلين فايب وترجمه محمد هاشم عبد السلام بدراية واقية. قدرة عبد السلام على الترجمة تتجاوز الاكتفاء بالتعريب فهو بدوره مثقف سينمائي جيد وتستطيع أن تقرأ تفاعله مع المادة الأصلية.