مجلات سينما لسد ثغرة لا تُسـد

مدير التصوير رمسيس مرزوق على غلاف مجلته
مدير التصوير رمسيس مرزوق على غلاف مجلته
TT

مجلات سينما لسد ثغرة لا تُسـد

مدير التصوير رمسيس مرزوق على غلاف مجلته
مدير التصوير رمسيس مرزوق على غلاف مجلته

* بينما تواصل مجلة «الحياة السينمائية» الصادرة من «مؤسسة السينما السورية» الصدور مطوية ثلاثة عقود إلى الآن، تنطلق مجلات سينمائية حديثة في كل من لبنان ومصر لتنضم إلى جانب ما يصدر أيضًا في تونس والمغرب وهو قليل ومتباعد.
ولو ضممنا إلى ما يصدر حاليًا، تلك التي صدرت وتوقفت عن الصدور في السنوات والعقود السابقة، مثل «السينما» و«السينما والتاريخ» المصريّـتين و«فيلم» اللبنانية وسواها من المحاولات التي لم تدم طويلاً، مثل «الفن السابع» في قبرص و«سينما» في باريس (كلتاهما صدرت بالعربية) لبدا لنا كم هائل على أمل الوصول إلى ذلك الجمهور الشاسع لاقتطاع ولو جزء صغير منه يبادل الجهد الصادر بقليل من وقته واهتمامه وبما هو أقل من ذلك من ماله. لكن التجارب تكاثرت والنتائج في مجملها واحدة: الجمهور، في عمومه، ليس في وارد عقد قران بينه وبينها. القليل منه يقرأ تبعًا لتيمه وعشقه بالسينما، لكن الغالبية التي اشترت لتطالع ما تم نشره ووجهت بمجلات سينمائية لا تشبه السينما. مليئة بالمقالات الأرشيفية غير الممنهجة والمعالجات غير الصحافية لما كان يجب أن يكون أكثر صلة بالمستجدات والأحداث وأكثر ملئًا لفراغ السائد.

سينما مستقلة
هذا كله قبل أن يجد الراغبون من نقاد وهواة السينما في الإنترنت ملاذًا. فإذا بالمشاريع تنطلق من كل صوب كل منها يحمل وعدًا لم تنفّـذه الوسائط السابقة وينشد التواصل مع الفئة ذاتها من الجمهور الجالس في بيته لتصطدم، على نحو أو آخر، بالعبثية ذاتها: القليل يكترث والغالبية لها مرادات أخرى من وراء استخدام الإنترنت لا تدخل الثقافة في قائمتها.
على ذلك، تواصل المجلات السينمائية العربية المطبوعة فعل الولادة. في السنة الحالية صدرت ثلاث مجلات جديدة منها. كل منها بهوية مختلفة رغم أن الثلاث تلتقي في رغبتها سد ثغرة ما زالت أكبر من أن تسدها كل هذه المجلات مجتمعة.
إنها «الفيلم» و«كاميرا» و«السينما العربية». الأولى والثانية من مصر التي أنتجت، خلال سنوات السينما المديدة فيها، الكثير من المجلات المتتابعة التي توقفت عن الصدور بعد أشهر أو بعد سنوات. الثالثة هي لبنانية التي لم تفتقر إلى المحاولات بالعربية والفرنسية منذ الستينات.
العدد الثالث الصادر حديثًا من مجلة «الفيلم» يختص بالسينما المستقلة ومجمل مواضيعه تدور في رحاها مولية كل جانب من جوانبها الكثيرة اهتمامًا مجديًا. رئيس تحريرها فتحي إمبابة ورئيس تحريرها التنفيذي حسن شعراوي بينما يحتل الزميل صلاح هاشم موقع المستشار فيها.
مواضيعها مدروسة ومع أن بعضها مؤجل ومستورد من الأرشيف، إلا أنه مبرمج على نحو صحيح، إذ ما كان ينقص المجلات السينمائية العربية اللجوء إلى التاريخ والمقالات المؤرشفة تبعًا لحاجة آنية، كما هو الحال في «الفيلم» إذ فرض الاهتمام بالسينما المستقلة الإتيان بمواضيع (مقابلات ودراسات) من سنوات مضت.
أحد المقالات المهمّـة المنشورة هو «السينما المستقلة في مصر» لكاتبه ضياء حسني والمقال المترجم ليانيس تزيوماكيس عن «السينما المستقلة الأميركية» وتلك الصفحات التي نقلت للقارئ جوانب تعريفية عن فيلمي صلاح هاشم «الطهاوي» و«البحث عن رفاعة».
هناك تأثر كبير بتصميم غربي واستعارة متعددة لنصوص أجنبية، وهذا لا إشكال فيه مطلقًا كونه منتميا إلى ما يصرف العدد جهده له. وبين المجلات الثلاث فإن تصميم «الفيلم» هو الأكثر ابتكارا.

سجل عربي
«كاميرا» هي الأولى من نوعها في العالم العربي: مجلة خاصّـة بالتصوير السينمائي يرأس تحريرها إقبال بركة ويشرف عليها مدير التصوير المشهود له بالدقة وفن الحرفة رمسيس مرزوق. كونها تتبع هذا الاتجاه المتخصص سيجعلها قادرة على تبنّـي قاعدة عريضة من النماذج والمواضيع المتصلة بفن التصوير للسينما. فهناك الأدوات المستخدمة والدراسات الخاصة بكاميرات الدجيتال وهناك القواعد والدراسات الخاصّـة بلغة السينما من زاوية التصوير، كما يمكن إضافة مقالات نقدية للأفلام من الزاوية ذاتها بحيث يتاح للقارئ فعل المقارنة بين الفيلم الماثل على الشاشة ورؤية الخبير كاتب النقد.
تحتاج المجلة إلى تحكّـم أفضل بالعدد المستفيض من المواضيع. الكثرة ليست أهم من النوعية. وما تحفل به المجلة كاف، لو كانت الدراسات المنشورة أطول، لأكثر من عدد. نظرة على المجلة الأميركية «American Cinematographer» قد تكون مفيدة في هذا المجال ومدعاة لحياة أطول للمجلة العربية.
كذلك فإن استخدام حرف «د» للدلالة على حصول الكاتب على الدكتوراه وبلوغه وضعًا أكاديميًا معينًا أمر يخلق حواجز خفية بين الكتاب أنفسهم ولا يعني أن مادة ممهورة بكلمة «دكتور» هي أفضل من أخرى لا «دكترة» فيها.
المجلة الثالثة هي «السينما العربية» التي يتولى رئاسة تحريرها الناقد إبراهيم العريس، وقد صدر عددان في عدد (3 و4) قبل أيام.
ما يميّـز هذه المجلة عن سواها (عبر العقود جميعًا) هو اختصاصها بالموضوع العربي في السينما. كل المقالات (باستثناء باب واحد اسمه «سينما الجوار») تتعامل وشؤون السينما العربية بحزم واضح. وتعكس المقالات المنشورة في العدد الثالث هذا التوجه جيدًا: نقد أفلام عربية من قِـبل لفيف من النقاد العرب، حوارات، احتفاءات (بينها واحد بعنوان «تحية إلى عمر الشريف» يتضمن مقالتين) ومقالات حول مخرجين عرب وأفلامهم كما أخرى تطرح قضايا بالإضافة إلى ملف العدد الذي خصصت صفحاته لموضوع «الأغنية والموسيقى في الأفلام العربية».
إذا ما كان هناك حاجة تستطيع هذه المجلة الإقدام عليها، فهي حاجتها لتوضيب أفضل. قراءة الفهرس واضحة. تقليب الصفحات ذاتها هو الذي يبدو متداخلاً وغير ذي فواصل واضحة. أمر يستطيع تصميم أفضل توفيره.
لكن من الناحية التحريرية فإن «السينما العربية» هي صاحبة الرسالة الأكثر شيوعًا وحضورًا. العدد الصادر يؤكد أن منحاها المتخصص والعريض يؤدي إلى رصد تراكمات وتواريخ السينما العربية كلها (أمر لا يدخل في حسبان المجلتين الأخريين كثيرًا) من عدد إلى عدد بحيث ستؤلّف بعد دزينة من الأعداد ما يكفي لاعتبارها التأريخ المطلوب لكل تيارات وظواهر وهويات السينما العربية.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.