المشهد

سود وبيض وبقايا الأوسكار

المشهد
TT

المشهد

المشهد

*‫ لا يزال الحديث في هوليوود يدور حول الأوسكارات التي وزعت يوم الأحد الماضي، خصوصا لناحية فوز «12 سنة عبدا» بأوسكار أفضل فيلم وعدم فوز مخرجه‬، ستيف ماكوين، بجائزة أفضل مخرج. السؤال الدائم في مثل هذه الحالات: كيف يكون الفيلم، أي فيلم، أفضل فيلم ولا يكون مخرجه بالضرورة أفضل مخرج؟
*‫ لا‬ بأس. هذا كان قرار نحو ستة آلاف عضو في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، وسبق لهم أن صوتوا على هذا النحو أكثر من عشرين مرة سابقا، أبرزها عام 1973 عندما فاز «العراب» بأوسكار أفضل فيلم، لكن عوض أن يذهب أوسكار أفضل إخراج إلى مخرجه فرنسيس فورد كوبولا، ذهبت إلى زميله بوب فوسي عن «كباريه». سنتها، كان هناك ثلاثة مرشحين آخرين؛ هم: جون بورمان عن «خلاص»، وجوزف مانكوفيتز عن «تحري»، والسويدي يان تروول عن «المهاجرون». كوبولا، وبعده بورمان، كان الأكثر استحقاقا.
*‫ لكن الأخبار ترد بفوز «12 سنة عبدا»‬ بفارق ضئيل عن منافسه الأول «جاذبية». هذا كان متوقعا إلى حد بعيد، لكن حدوثه كان لافتا على أي حال. أكثر من ذلك، لم يشكر الكاتب جون ريدلي، وهو أفرو - أميركي، المخرج ماكوين (البريطاني الأسود) عندما نهض الأول لتسلم جائزته كأفضل كاتب سيناريو. هذا كشف عن خلاف بينهما، لا تزال أسبابه مجهولة. ماكوين بدوره لم يشكر الكاتب. كلاهما شكر المنتج براد بيت.
*‫ أحد القراء بعث برسالة يسألني، قبل مدة: أين ذهب «رئيس الخدم» الذي قيل فيه أول ما باشرت صالات السينما عرضه في السنة الماضية إنه آيل إلى الترشيحات‬: «لماذا اسمه لم يـذكر في الترشيحات»؟ سأل. بوجود «12 سنة عبدا»، لم يكن بالإمكان إدخال فيلم يدور، ولو جزئيا، حول التاريخ نفسه. كذلك ليس «رئيس الخدم» بقوة فيلم ماكوين لا تنفيذا ولا سردا ولا دراميا. لكن نستطيع أن نقول إن فيلم ماكوين أكل الفرصة من أمام «رئيس الخدم». أقلع بسيارته وترك الفيلم الآخر، ومخرجه لي دانيالز أيضا، ينفض الغبار.
*‫ أول مرة نال فيها فنان أسود الأوسكار كانت عام 1940 عندما استحقـت هاتي ماكدانيلز الجائزة عن دورها المساند في «ذهب مع الريح». منذ ذلك الحين وبعد ذلك، أربعة عشر ممثلا وممثلا فازوا: إما بأوسكار الدور الرئيس، أو بأوسكار الدور المساند. سيدني بواتييه، ابن السادسة والثمانين الذي سار على منصة الأوسكار ‬بخطى ثقيلة، كان أول من فاز بأوسكار أفضل ممثل بين أترابه السود، وذلك عن دوره في «براعم في الحقل» عام 1963. وحتى عام 1999، بقي الفوز حكرا على الممثلين البيض حتى انتزع دنزل واشنطن الجائزة عن دوره في «يوم التدريب».
*‫ على صعيد الإخراج، هم ثلاثة مخرجين سود فقط جرى ترشيحهم في تاريخ الجائزة المديد‬. ليس من بينهم سبايك لي، المخرج الذي أنجز في الثمانينات بعض الأفلام المغايرة للمعهود ليس بين المخرجين الأفرو - أميركيين فقط، بل بين أترابه البيض كذلك. أول مرشـح أسود لأوسكار أفضل مخرج كان جون سينغلتون عن «فتيان الجيرة» (1991)، والثاني لي دانيالز عن «برشيوس» (2009)، والثالث هو ستيف ماكوين عن فيلمه الحالي.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.