على الصعيد العالمي، تبرز منظمة أوبك كأكبر مؤثر دولي في سوق النفط.. لكن المنظمة تشهد تباينات داخلية حول اتجاه سياساتها العامة، كما تشهد صراعا شديدا حول الأسواق مع منتجي النفط من خارج المنظمة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2014، قال وزير البترول السعودي علي النعيمي في مقابلة مع نشرة «ميدل إيست إيكونوميك سيرفي (ميس)» إن السعودية أقنعت أعضاء أوبك الآخرين بأنه ليس من مصلحة المنظمة خفض الإنتاج سواء انخفضت الأسعار إلى 20 أو 40 أو 50 أو 60 دولارا للبرميل.
وفي مارس (آذار) 2015، أكد النعيمي على تصريحاته السابقة بقوله إن السعودية وحلفاءها الخليجيين يحتاجون إلى تجاوز انخفاض الأسعار بهدف الحفاظ على حصصهم في السوق في مواجهة النفط الصخري الأعلى تكلفة والمنتجين الآخرين المنافسين بدلا من خفض الإنتاج.
وأضاف أنه من غير المنطقي أن تخفض أوبك بمفردها الإنتاج، وهي تسهم بنسبة 40 في المائة فقط من الإنتاج العالمي. ودافع عن قرار أوبك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وقال إن السعودية لن تخفض إنتاجها ما لم يطلب المشترون كميات أقل.
وفي يونيو (حزيران) 2015، قال النعيمي إن «أوبك» اتفقت على الإبقاء على مستوى الإنتاج نفسه (30 مليون برميل يوميًا). وفي نوفمبر الحالي.
وعلى الجانب الآخر داخل المنظمة، تضغط إيران، التي تستعد لزيادة الصادرات واستعادة حصتها السوقية بمجرد رفع العقوبات عنها، لإعادة العمل بنظام الحصص في المنظمة، الذي توقف في 2011.
وتقول إيران إن سقف إنتاج أوبك البالغ 30 مليون برميل يوميًا لا يحدد حصصًا للدول الأعضاء بشكل منفرد، وإن ذلك لا يساهم بفاعلية في استقرار سوق النفط. وتعتزم إيران زيادة إنتاجها من النفط الخام بمقدار 500 ألف برميل يوميًا حال رفع العقوبات الدولية.
أما العراق، الذي يزيد الإنتاج والصادرات بمساعدة الشركات النفطية الأجنبية، فكان من بين تعليقاته أنه يجب أن تحدد الدول الأعضاء في أوبك سياساتها الخاصة في ما يتعلق بالاستراتيجية طويلة الأجل بخلق نموذج لتعظيم الإيرادات من خلال الموازنة بين الحصة السوقية والأسعار. ومن المحتمل أن يزيد العراق إنتاجه من النفط في 2016، وإن كان بشكل أقل دراماتيكية من عام 2015. ورغم ارتفاع الفائض النفطي في الأسواق العالمية، تفوقت السعودية على روسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، بعد أن بلغ متوسط إنتاجها اليومي 10.19 مليون برميل، مقارنة بـ10.12 مليون برميل لروسيا، بفارق 69 ألف برميل يوميًا.
ويعد إنتاج السعودية من النفط خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، الأعلى في تاريخها على الإطلاق.
وبين حالات الشد والجذب من أعضاء من داخل المنظمة وخارجها حول سياسة أوبك الحالية، إلا أن الكلمة النهائية تبقى للسعودية التي تمثل ما يقرب من ثلث الإنتاج، وغير متوقع التأثير عليها أو إجبارها على التراجع عن رؤيتها.
انضمام إندونيسيا
إندونيسيا، البلد الذي يستهلك نحو ضعف الكمية التي ينتجها، ستحتل الرقم 13 على لائحة الدول المصدرة للبترول في المنظمة، بعد ما يقرب من سبع سنوات من تعليق عضويتها، وإندونيسيا تعتبر نفسها حلقة الوصل بين أوبك وآسيا، وهي من أكثر المناطق التي ينمو فيها الطلب سريعًا.
وعلى الرغم من أنها استهلكت نفطا بنحو 13 مليار دولار العام الماضي، فإن إندونيسيا ستنضم إلى زمرة المصدرين. ومن المتوقع أن يصل إنتاج إندونيسيا إلى 850 ألف برميل يوميًا بنهاية هذا العام، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في نوفمبر الماضي.
احتدام المنافسة من خارج أوبك
يخوض مصدرو النفط حربًا عالمية للحفاظ على الحصص السوقية. ويستثمر المنتجون من منظمة أوبك الذين يتمتعون بإمكانات مالية كبيرة انخفاض أسعار النفط لدخول أسواق جديدة، ما يؤثر سلبيًا على حساب روسيا وهي من بين أكبر منتجي النفط في العالم.
وأعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، في منتصف نوفمبر الماضي، أن إنتاج روسيا من النفط في ازدياد، وسيصل إلى 533 مليون طن متري خلال العام الحالي.
وتجاوز إنتاج روسيا من النفط، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية، مستويات الاتحاد السوفياتي السابق، لتنتج 10.74 مليون برميل يوميًا في المتوسط، وفقا لبيانات حكومية.
المخزونات والإمدادات
ارتفعت مستويات تخزين النفط في الولايات المتحدة الخام إلى أعلى مستوى في 80 عامًا، وفقًا لإحصاءات وكالة الطاقة الدولية (IEA). ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر نوفمبر الماضي، وصلت الإمدادات العالمية إلى 97 مليون برميل يوميًا في أكتوبر (تشرين الأول)، مدفوعا بالإنتاج خارج أوبك. وعلاوة على ذلك، بلغ المخزون التجاري من النفط الخام في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مستويات قياسية بما يقرب من 3 مليارات برميل في أكتوبر الماضي. وضخت أوبك 31.760 مليون برميل في المتوسط في أكتوبر، وهو ما يمثل تقريبًا ثلث إمدادات النفط في العالم.
بطء النمو العالمي
وإضافة إلى الصين أعلنت اليابان أن اقتصادها تراجع إلى حالة من الركود في الربع الثالث من عام 2015، مما يزيد التوقعات باستمرار التباطؤ الاقتصادي العالمي على نطاق أوسع. وقالت وزارة المالية اليابانية إن ثالث أكبر اقتصاد في العالم، انكمش بنسبة 0.8 في المائة في الربع الثالث.
الأسعار
بينما كان من المعروف أن العنف في الشرق الأوسط يتسبب في ارتفاع أسعار النفط في الماضي، فمن الملاحظ أن تأثير العوامل الجيوسياسية أصبح يتراجع أمام تأثير مزيج من زيادة المعروض العالمي والأخبار الاقتصادية الضعيفة القادمة من آسيا، والتي تدفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في توقعاتها السنوية إنه من المرجح أن تظل أسعار النفط منخفضة على مدى السنوات الخمس المقبلة بسبب وفرة المعروض وتراجع الطلب في الدول المتقدمة.
وذكرت المنظمة أنها تتوقع عودة أسعار النفط إلى 80 دولارًا للبرميل في عام 2020، مع زيادات أخرى بعد ذلك. وقال بنك غولدمان ساكس الاستثماري إن أسعار النفط قد تصل إلى 20 دولارًا للبرميل مدفوعة بأكثر من عامل ضاغط على الأسعار، إذ تشير بيانات غربية ترصد حركة السفن والشحن في لندن إلى وجود ما يصل إلى 100 مليون برميل من النفط الخام موجودة على ناقلات في أعالي البحار بانتظار بيعها.
بالإضافة إلى ذلك، يشير البنك إلى وجود ما يصل إلى 30 مليون برميل من النفط الخام الإيراني في حاويات بانتظار دخول موانئ الشراء بمجرد رفع العقوبات على طهران. كذلك بلغت نسبة امتلاء الحاويات الأميركية 75 في المائة، ما يعني أن ما تبقى من سعة استيعابية من النفط لا يكفي لامتصاص تخمة العرض.
وقال فريق محللين من مؤسستي فيتش وريموند جيمس للخدمات المالية، إن أسعار النفط من المتوقع أن تواجه مزيدًا من الصعوبات خلال عام 2016.
نفط «غير شرعي»
بعد سيطرته على أكثر من 11 حقلاً في سوريا والعراق، تنتج ما بين 25 إلى 40 ألف برميل يوميًا، أوجد تنظيم داعش سوقا جديدة موازية لسوق النفط العالمية الشرعية، يربح منها بحسب تقديرات الخبراء والمراقبين نحو مليون دولار يوميًا، نتيجة بيعه البترول الخام والمكرر أيضًا، والمهرب عبر إيران وتركيا وكردستان العراق بحسب «الغارديان» البريطانية، بأسعار تقل عن المتداولة في بورصات النفط.
ويبيع تنظيم داعش البرميل بسعر يتراوح ما بين 15 دولارًا إلى 18 دولارًا، في وقت يتداول فيه برميل النفط في السوق الرسمية بمتوسط أقل قليلا من 50 دولارًا. وقُدر حجم إيرادات «داعش» من بيع النفط بشكل غير شرعي بنحو 100 مليون دولار في عام 2014. كما يقدر عدد من شركات النفط العالمية العملاقة حجم النفط المهرب يوميا بنحو 500 ألف برميل يوميًا، من دول على غرار روسيا وأنغولا ونيجيريا، من بينها نحو 120 ألف برميل من نيجيريا وحدها.
الميليشيات الليبية
تنفرد ليبيا بوجود مؤسستين تتنازعان السيطرة على إدارة الدولة، ومنها إدارة النفط وإيراداته، الذي يمثل المصدر الوحيد تقريبًا لإيرادات الدولة الليبية.
ويبلغ إنتاج ليبيا الحالي من النفط نحو 400 ألف برميل يوميًا، من أصل 1.5 مليون برميل يوميًا قبل الثورة الليبية، وتشكل إيرادات النفط وحدها ما يزيد على 95 في المائة من إيرادات الدولة.
وتقوم المؤسسة الوطنية للنفط، التي تعد الجهة الشرعية الوحيدة لبيع النفط في ليبيا، باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أي مشترٍ للنفط يتجاوزها، وبخاصة من شركات النفط العالمية، وذلك بعد كثرة تهريب النفط الليبي من قبل الميليشيات الليبية المسيطرة على بعض آبار النفط الخام في شرق البلاد.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»