{داعش} ينتزع المال من محكوميه

مليار دولار سنويًا في صورة مكوس وضرائب على المعابر الحدودية

أنصار «داعش» في الموصل (نيويورك تايمز)
أنصار «داعش» في الموصل (نيويورك تايمز)
TT

{داعش} ينتزع المال من محكوميه

أنصار «داعش» في الموصل (نيويورك تايمز)
أنصار «داعش» في الموصل (نيويورك تايمز)

يعطي محمد الكريفاوي مبلغ 300 دولار لمقاتلي تنظيم داعش ثلاث مرات في الشهر ليحصل على امتياز قيادة شاحنته المبرِّدة المليئة بالمثلجات (آيس كريم) والمنتجات سريعة التلف الأخرى من الأردن إلى جزء من العراق يخضع لسيطرة التنظيم.
يأخذ المقاتلون الذين يراقبون المعابر الحدودية هذه المبالغ المالية كرسوم استيراد، وليس كرشوة. ويقدمون حتى إيصالا مختوما موضوعا عليه شعار وختم التنظيم، يحتاجه السيد الكريفاوي، البالغ من العمر 38 عاما، للمرور عبر نقاط التفتيش الأخرى التي تقابله وهو في طريقه لتسليم المنتجات.
وفي حال رفض الدفع، سرعان ما تتغير الأجواء التي تبدو طبيعية، حيث أوضح السيد الكريفاوي: «إن لم أدفع، إما يعتقلونني أو يحرقون شاحنتي».
وعبر مساحات شاسعة من سوريا والعراق، أنشأ تنظيم داعش - بهدف بناء حكومة جديرة بالثقة - بيروقراطية مفترسة وعنيفة تنتزع كل دولار أميركي ودينار عراقي وليرة سورية متبقية لدى هؤلاء الذين يعيشون تحت سيطرته أو يمرون عبر أراضيه.
وخلال مقابلات أُجرِيت مع أكثر من عشرة أشخاص يعيشون داخل - أو فروا مؤخرا من - الأراضي الخاضعة لسيطرة «داعش»، ومع مسؤولين غربيين وشرق أوسطيين يتعقبون أموال المقاتلين، جرى وصف التنظيم بأنه بمثابة رسوم عبور وتذاكر مرور صارمة، وأجرة مقابل استخدام المباني الحكومية، وفواتير خدمات مياه وكهرباء، وضرائب على الدخل والمحاصيل والماشية، وغرامات على التدخين أو ارتداء ملابس مخالفة.
وتضاهي أرباح هذه الممارسات الدول التقليدية، بما مجموعه عشرات الملايين من الدولارات شهريا، وتصل إلى مليار دولار في العام، وفقا لتقديرات بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين. وأثبتت هذه الإيرادات حتى الآن أنها منيعة إلى حد كبير أمام العقوبات والغارات الجوية التي تستهدف «داعش».
وقالت لويز شيلي، مديرة مركز الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الدولية والفساد في كلية السياسة العامة بجامعة جورج ميسون: «يقاتلون في الصباح، ويجمعون الضرائب بعد الظهر».
وساعدت مصادر الدخل الشهيرة لـ«داعش» - تهريب النفط، وسلب خزائن البنوك، ونهب الآثار، واختطاف الأجانب من أجل الحصول على فدية، وجمع التبرعات من مؤيديه الأثرياء في الدول المجاورة - في جعل التنظيم جدليا أغنى التنظيمات المتطرفة في جميع أنحاء العالم. لكن في ظل فهم المسؤولين الغربيين والشرق أوسطيين لمصادر تمويل «داعش» بشكل أفضل على مدى العام الماضي، برز إجماع واسع على أن أكبر مصدر للتمويل النقدي لـ«داعش» على ما يبدو هو الشعب الذي يحكمه، والشركات التي يسيطر عليها.
وفي أعقاب هجمات باريس الشهر الماضي، استهدفت الولايات المتحدة إنتاج النفط وعمليات التهريب لدى «داعش» بشكل أكثر عدوانية، بعدما كانت تمتنع عن القيام بذلك خوفا من إلحاق الضرر طويل الأجل باقتصاد كل من العراق وسوريا. وضربت مقاتلة أميركية هذا الشهر شاحنات ناقلة للنفط في شرق سوريا، ما أدى إلى تدمير 116 مركبة. وفي نهاية المطاف، رغم ذلك، رجح الكثير من المسؤولين والخبراء أن تنظيم داعش لن يكون قادرا على تغطية حتى تكاليفه من دون عائدات النفط، ما دام أنه يسيطر على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، بما في ذلك المدن الكبرى. ويستلزم إفلاس التنظيم أكثر من مجرد تفجير ناقلات النفط.
وقال سيث جونز، خبير في شؤون مكافحة الإرهاب بمؤسسة راند: «كل هذه الأفعال تصبح منغصات في تمويل داعش ما لم تُنتزع قواعد إيراداته بعيدا عنه، وهذا يعني الأراضي التي يسيطر عليها».
وقد استولى «داعش» على عمليات تحصيل الإيرادات المشروعة للحكومات التي اغتصب التنظيم الأراضي منها. كما أنه يستخدم التهديد المستمر بالعنف لانتزاع أكبر قدر ممكن من الأموال من الناس والأعمال التجارية والممتلكات التي يسيطر عليها.
وفي منطقة باب الطوب في الموصل بالعراق، على سبيل المثال، حوّل المقاتلون مركز شرطة يعود تاريخه إلى العهد العثماني في القرن العشرين إلى سوق، بها 60 محلا تباع فيها الفواكه والخضراوات، ويبلغ الإيجار السنوي لهذا السوق 2.8 مليون دينار عراقي (أي ما يعادل 2500 دولار تقريبا).
وفي الرقة، التي تعد العاصمة الفعلية لـ«داعش» بسوريا، يرسل «ديوان الخدمات» المسؤولين إلى أسواق المدينة لجمع ضريبة النظافة - من 2500 إلى 5000 ليرة سورية (أي نحو من 7 دولارات إلى 14 دولارا) في الشهر، وذلك يتوقف على حجم المحل. ويذهب السكان إلى نقاط التجميع لدفع فواتيرهم الشهرية للكهرباء والمياه - نحو 800 ليرة سورية (أي نحو 2.50 دولار) للكهرباء، و400 ليرة سورية (أي نحو 1.20 دولار) للمياه.
ويشرف «ديوان الركاز» على إنتاج النفط، والتهريب، ونهب الآثار، وقائمة طويلة من الأعمال التجارية الأخرى التي يسيطر التنظيم عليها حاليا. ويدير «داعش» مصانع تعبئة المياه والمشروبات الغازية، ومشاغل النسيج والأثاث، وشركات الهواتف الجوالة، بالإضافة إلى مصانع البلاط والإسمنت والمواد الكيماوية - فهو يختلس العائدات من كل تلك المنشآت.
ويطالب التنظيم أيضا بتقليص العائدات التي تجنيها الشركات الصغرى. وقال طارق، سوري يعيش في بيروت يدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد: «إما ندفع بزيت الزيتون أو نقدا، وذلك يعتمد على الإنتاج». وطلب طارق عدم كتابة اسمه كاملا نظرا لأن والديه ما زالا يعيشان ويعملان في مزرعة العائلة في منطقة الباب الخاضعة لسيطرة «داعش» خارج مدينة حلب.
ويكره مسؤولو ما تسمى «الخلافة» مصطلح «الضرائب»، ويفضلون بدلا من ذلك المصطلح الإسلامي «الزكاة»، التي تشير إلى الصدقات المطلوب من المسلمين دفعها. ورغم أن القاعدة الفقهية توصي بإخراج نسبة 2.5 في المائة من ثروة الفرد كزكاة، فإن المقاتلين يأخذون 10 في المائة، مبررين ارتفاع النسبة بأن «الأمة في حالة حرب»، وفقا لمواطن صحافي يعيش في الرقة، طلب كتابة اسمه أبو معاذ من أجل سلامته.
ويتولى التنظيم تجميع رسوم تسجيل السيارات، وجعل الطلاب يدفعون ثمن الكتب المدرسية، وحتى إنه فرض غرامات على الأشخاص الذين يقودون السيارات ذات مصابيح خلفية مكسورة - وهي ممارسة لم يُسمع عنها تقريبا في الطرق غير الممهدة في منطقة الشرق الأوسط.
كما ترِد الغرامات في العقوبات الصادرة على كسر قواعد المعيشة الصارمة التي يفرضها «داعش». وعلى سبيل المثال، ممنوع التدخين منعا باتا، فقد قال محمد حامد، البالغ من العمر 29 عاما، إنه عندما رأوه وهو يدخن سيجارا في متجره بالموصل في أواخر أغسطس (آب): «لم يكتف داعش بجلدي بالسوط 15 جلدة أمام العلن، لكنه أجبرني أيضا على دفع 50 ألف دينار (أي نحو 40 دولارا) في ذلك الوقت. وبعد وقت قصير، تمكنت من الفرار إلى منطقة كردية في العراق».
وفي كل شيء، يقدر بعض المسؤولين أن «داعش» يستخرج ما يصل إلى 800 أو 900 مليون دولار - وربما أكثر - من السكان ورجال الأعمال الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
وتتجاوز العائدات السابقة ما يحصل عليه «داعش» من تهريب النفط، المقدر أنه يجلب للتنظيم 500 مليون دولار إضافيا. وكذلك يكسب التنظيم عشرات الملايين من الدولارات الإضافية من مصادر الدخل الأخرى، مثل الخطف. كما أنه نهب نحو مليار دولار من البنوك في البلدات والمدن التي سيطر عليها - بما في ذلك 675 مليون دولار من مدينة الموصل وحدها - بعد أن كانت ذات مرة مصدرا للدخل.

* خدمة «نيويورك تايمز»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.