مصر تبحث أفكارًا «خارج الصندوق» لتنمية الاستثمار العقاري

تحركات حكومية ونظم جديدة لإنعاش القطاع.. و«صلاحيات وزير» لرؤساء المدن لحل المشكلات

أحد المشروعات الجديدة في منطقة القاهرة الجديدة بمصر
أحد المشروعات الجديدة في منطقة القاهرة الجديدة بمصر
TT

مصر تبحث أفكارًا «خارج الصندوق» لتنمية الاستثمار العقاري

أحد المشروعات الجديدة في منطقة القاهرة الجديدة بمصر
أحد المشروعات الجديدة في منطقة القاهرة الجديدة بمصر

نشاط مكثف من المتوقع أن تشهده السوق العقارية في مصر خلال الفترة المقبلة، بعد تحركات على المستوى الرسمي، من شأنها إنعاش القطاع الذي ظل راكدا السنوات الأربع الأخيرة على غرار جميع القطاعات المالية والصناعية والخدمية، نتيجة الاضطرابات السياسية التي أضرت كثيرًا بحجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.
القطاع العقاري، الذي يعتبر المحرك الأول لجذب الاستثمارات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، افتقد خلال الفترة الماضية لقرارات تحركه وتنعشه من ركود أبطأ بالكاد مساهمته في حجم الاستثمارات الكلية، إذ تتطلع مصر إلى حجم استثمارات أجنبية مباشرة تصل إلى 10 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي.
فعلى المستوى الوزاري، عقد وزير الإسكان المصري مصطفى مدبولي مؤخرًا اجتماعًا مع رؤساء المدن العمرانية الجديدة لمتابعة حجم الاستثمارات وتنفيذ المشروعات، أكد خلاله أن «مصر لن تنجو في هذه المرحلة الدقيقة إلا بتشجيع وزيادة الاستثمارات، لذا علينا سرعة اتخاذ القرارات التي تسهم في تحقيق ذلك».
وأعطى مدبولي اللجان العقارية في أجهزة المدن الجديدة الحق في اتخاذ القرارات في نطاق صلاحياتها، وعدم الاكتفاء بإحالة الموضوعات إلى الجهات الأعلى، قائلاً: «اتخذوا القرارات، وحلوا المشكلات، ولا تخافوا».
ويبدو أن وزارة الإسكان توصلت إلى النقطة التي ستجذب مصر بها الاستثمارات العربية والأجنبية خلال الفترة المقبلة، إذ قال الوزير «كل رئيس جهاز بمثابة وزير في مدينته، ولديكم تفويضات كاملة، فعليكم سرعة العمل على حل المشكلات»، موضحًا عن سياسة الوزارة التي قال إنها تتجه إلى تشجيع الاستثمارات في مدن الصعيد (جنوب مصر).
ومن شأن اللائحة العقارية، التي تم اعتمادها بمجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مؤخرًا أن تحل كثيرًا من المشكلات، وفي الوقت نفسه ستحافظ على مستحقات الدولة.
وعلى مستوى شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية قال المهندس هشام شكري نائب رئيس الشعبة، إنها اقتربت من الصياغة القانونية لمشروع قانون الاتحاد العام للمطورين، تمهيدًا لعرضه على وزير الإسكان خلال الأيام القادمة.
واقتربت أيضًا من إجراءات إنشاء صندوق مخاطر لتأمين مدفوعات المشترين، وهي في مرحلة الصياغة القانونية، وتنتظر الشعبة حاليًا رد وزارة الإسكان على الدراسة التي تقدمت بها لإنشاء 500 ألف وحدة إسكان اجتماعي ومتوسط، بالشراكة مع الوزارة.
ومن شأن تنظيم وتخطيط سوق العقارات في مصر، والتي تمتلك فرصًا استثمارية ضخمة وواعدة إضافة إيرادات هائلة للدولة، التي تسعى بالفعل لجمع مليارات الدولارات من جهات أجنبية ومحلية عن طريق الاقتراض، بالإضافة إلى الحد من العشوائيات.
وعلى صعيد متصل، أصدر رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية غير المصرفية شريف سامي بالتزامن مع تلك الإجراءات قرارًا منظمًا للصيغ الجديدة التي ستستخدم في مجال التمويل العقاري، والتي تشمل «الإجارة» المنتهية بالتملك و«المرابحة» و«المشاركة»، والتي تطبق لأول مرة في مصر، والتي من شأنها تنشيط وإنعاش وزيادة الطلب على العقارات خلال الفترة المقبلة.
والنظم الجديدة تلك تهدف لتنمية سوق التمويل العقارية من خلال إيجاد نظم جديدة للتمويل تلبي مختلف الاحتياجات، سواء في مجال السكن أو العقارات التجارية والصناعية والخدمية.
والتمويل العقاري بـ«المشاركة» نظام تدخل فيه الشركة بحصتها في العقار كشريك للعميل، وتلتزم بتمليك هذه الحصة للعميل بشكل تدريجي حتى تؤول ملكيتها إليه بالكامل في نهاية العقد. أما «الإجارة» فهي تأجير الشركة لعقار، إيجارا منتهيًا بتملك العميل له في نهاية مدة الإجارة أو أثنائها ما لم يبد رغبته في عدم التملك خلال المدة المتفق عليها بالعقد. أما نظام «المرابحة» في التمويل العقاري فيكون من خلال عقد بموجبه تقوم الشركة بشراء العقار بثمن معلوم، لبيعه للعميل بالتقسيط بنفس الثمن، مضاف إليه ربح معلوم وموضح بالعقد، ومن شأن تلك النظم الجديدة على السوق العقارية المصرية أن تنشط الوحدات السكنية لمتوسطي الدخل وتقلل الطلب عن الوحدات لمحدودي الدخل.
وقال سامي، إن القواعد التي صدرت تلزم شركات التمويل العقاري بالحرص على مصالح عملائها، والإفصاح لهم عن كافه البيانات والمعلومات المتعلقة بالتمويل بما يمكنهم من اتخاذ القرار المناسب. كما تلزمها بالإفصاح عن كل المصروفات والعمولات ومقابل الخدمات التي تقدمها ويتحملها العميل لأي سبب وتحت أي مسمى.
ويجب أن تكون إجراءات التمويل واضحة ومحددة على نحو يكفل معرفة العميل بجميع حقوقه والتزاماته، بما فيها مخاطر عدم السداد.
ويعتبر المعروض من العقارات في مصر أقل من الطلب، نظرًا للكثافة السكنية التي تتميز بها مصر، مما يرفع أسعار الوحدات السكنية سواء الاقتصادية (لمحدودي الدخل) أو المتوسطة (لمتوسطي الدخل) أو المرتفعة المستوى (الفاخرة)، بنسب يرى البعض أنها ليست في متناول الجميع، لذا تلجأ الدولة دائمًا لتوفير شقق لمحدودي ومتوسطة الدخل، وتترك للقطاع الخاص توفير الشقق الفاخرة، ومع زيادة الطلب من متوسطي الدخل تزاحم الشركات الخاصة الدولة في توفيرها في مناطق مختلفة على مستوى المحافظات.
وانخفاض تكلفة المنشآت العقارية في مصر مقارنة بالأسواق العربية والخليجية المجاورة، يفتح شهية المستثمرين لمشاركة الدولة في التخطيط العمراني والتجهيز المسبق، مما دفعهم للمطالبة بالاطلاع على خطة الحكومة للتنمية العمرانية وإبداء الرأي.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».