تزايد التكهنات حول استقالة ميركل على خلفية الإرهاب وأزمة اللاجئين

السلطات الألمانية تشن حملات تمشيط واسعة في شرق الراين بحثًا عن «خلية نائمة»

ميركل في مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى جانب رئيس حزب الاتحاد الاجماعي المسيحي هورست زيهوفر («الشرق الأوسط»)
ميركل في مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى جانب رئيس حزب الاتحاد الاجماعي المسيحي هورست زيهوفر («الشرق الأوسط»)
TT

تزايد التكهنات حول استقالة ميركل على خلفية الإرهاب وأزمة اللاجئين

ميركل في مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى جانب رئيس حزب الاتحاد الاجماعي المسيحي هورست زيهوفر («الشرق الأوسط»)
ميركل في مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى جانب رئيس حزب الاتحاد الاجماعي المسيحي هورست زيهوفر («الشرق الأوسط»)

طالب 38 في المائة من الألمان، بحسب استطلاع للرأي بين الألمان أجراه معهد «أينسا» المعروف، باستقالة المستشارة أنجيلا ميركل.
وقال هيرمان بينكرت، رئيس المعهد، إن هذه النسبة بلغت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 33 في المائة، على خلفية «أزمة اللاجئين»، لكن نسبة الـ5 في المائة الإضافية في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، كسبتها المستشارة الألمانية على خلفية العمليات الإرهابية بباريس.
وفي خطابها الأخير أمام البرلمان الألماني (البوندستاج)، أمس (الأربعاء)، بدت المستشارة الحديدية أكثر طواعية، وأقل هجومية في كلماتها من خطاباتها السابقة، رغم أنها ذكّرت الجميع بأن معالجة أزمة اللاجئين لن تتم «بشطبها» من جدول الأعمال. كما وضعت ميركل اتفاقية شينغن على المحك بالقول إن عدم التوصل إلى توزيع عادل للاجئين في أوروبا سيلقي ظلالاً معتمة على الاتفاقية.
جددت ميركل تضامنها ووقوفها الكامل مع فرنسا في حربها ضد الإرهاب، وقالت إن خطر الإرهاب في ألمانيا يتصاعد، وإن إلغاء مباراة ألمانيا ضد هولندا في هانوفر قبل 10 أيام كان أحد مؤشرات هذا الخطر. وكتبت صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار أن المستشارة ألقت خطابها بصوت «مبحوح»، كما وصفته أيضًا بالـ«كسير». وليس هذا التعليق من الصحيفة غير زيادة في التكهنات حول «تعب» المستشارة من منصبها واحتمال استقالتها أو عدولها عن الترشيح مرة أخرى لمنصب المستشارية في الانتخابات العامة المقبلة في عام 2017.
وزاد العالم السياسي المعروف هاينريش أوبرويتر من حدة هذه التكهنات، حينما قال في مقابلة مع صحيفة «هاندلزبلات» ليوم أمس (الأربعاء)، إنه لا يستبعد استقالة ميركل من منصبها على خلفية أزمة اللاجئين، وعلى أساس الخلاف الدائر داخل حزبها بسبب الأزمة، ومن ثم «الصراع المكشوف» مع الحزب البافاري الشقيق «الاتحاد الاجتماعي المسيحي».
«لم يكن هناك صوت معارض ضد ميركل في السابق، لكن هناك أصواتًا بارزة اليوم بالضد منها، وهي عملية تآكل في سلطة المستشارة تؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان منصبها، خصوصًا إذا ترافقت الاعتراضات مع شعور داخلي بالذنب»، بحسب أوبرويتر.
وإذ تتراوح التكهنات بين استقالة المستشارة في العام المقبل، وتسليم مقعد المستشارية إلى وزير المالية المقعد فولغانغ شويبلة بشكل مؤقت وصولاً إلى انتخابات 2017، وبين عدم ترشيح ميركل نفسها لرئاسة الحزب مجددًا، تشن السلطات الألمانية حملات تمشيط واسعة في شرق ولاية الراين الشمالي فيستفاليا بحثًا عن الإرهابي المطلوب صلاح عبد السلام، وعن «خلية نائمة» قالت مصادر أمنية إن أسماء أعضائها غير معروفين للسلطات الألمانية حتى الآن.
وكانت صحيفة «فرانكفورتر الغيمياينة» الواسعة الانتشار قد تحدثت عن إخبارية فرنسية للسلطات الألمانية تتحدث عن خلية «نائمة» تنشط في ألمانيا. وأكدت الصحيفة يوم الأحد الماضي، من مصادر داخل دائرة حماية الستور (الأمن الألماني)، أن أسماء أعضاء الخلية جديدة على المحققين الألمان، وأنه لا وجود لهم في سجلات الشرطة، أو في سجلات المتطرفين الذين يخضعون للرقابة الدائمة.
وربطت الصحيفة بين هذه الخلية الغامضة وبين الهجمات المزعومة على ملعب هانوفر لكرة القدم أثناء مباراة ألمانيا ضد هولندا. وأضافت أن الخلية خططت لتفجير ثلاث قنابل داخل ملعب هانوفر، وأخرى في موقف للحافلات قرب الملعب، وخامسة داخل محطة للقطارات في المدينة.
طالب وزير الداخلية توماس دي ميزيير، وكذلك المستشارة ميركل، وغيرهما من السياسيين المعروفين بعدم ربط قضية الإرهاب بقضية استقبال اللاجئين، وهذه بادرة إنسانية جميلة ترفض تعميم الشبهات على الجميع. لكن ألمانيا استقبلت في هذا العام 800 ألف لاجئ رسميًا، ولو أن تنظيم داعش نجح في تمرير إرهابي واحد بين كل مائة ألف لاجئ، لنجم عن ذلك خطر كبير على الأمن، وهذا ما يعرفه الجميع من خلال عملية حسابية بسيطة.
الذي يشجع على ترويج هذا الاحتمال هي الفوضى التي تم فيها استقبال اللاجئين وتسجيلهم وإسكانهم، وعجز شرطة الحدود ودوائر اللجوء عن استيعاب كل هذا العدد الكبير. إذ أكد هذا العجز أكثر من رئيس شرطة في الولايات لمجلة «دير شبيغل» 1/ 8/ 2015، خصوصًا في ولاية بافاريا التي استقبلت معظم هؤلاء اللاجئين. واستشهدت المجلة بتقرير لنقابة الشرطة الألمانية يوم 9/ 7/ 2015 يشير إلى أن آلاف اللاجئين يدخلون إلى ألمانيا دون أن يتمكن أفراد الشرطة من تسجيل أسمائهم وأخذ بصمات أصابعهم.
لا تزيد طاقة شرطة الحدود في بافاريا عن توثيق وأرشفة المعطيات عن 500 لاجئ يوميًا، بحسب «دير شبيغل»، في حين كان معدل وصول اللاجئين طوال أشهر، يزيد على 900 في اليوم. ويرسل رجال شرطة الحدود هؤلاء اللاجئين إلى معسكرات اللاجئين، دون تسجيل أسمائهم وأخذ بصمات أصابعهم، على أمل أن يفعلوا ذلك بعد يومين أو أكثر في المعسكرات. والمشكلة أن العشرات من هؤلاء لا يبقون في المعسكرات، وقد يتسربون إلى المدن الألمانية، أو إلى السويد أو إلى فنلندا.
يتساءل المواطن الألماني العادي كيف يمكن لهذه الفوضى أن تحدث في ألمانيا، حيث يعرف العالم كله عن سياسييها دقتهم وتفوقهم في التنظيم والبرمجة. ومن المؤكد أن المواطن يشعر أن أنجيلا ميركل هي المسؤولة عن هذه الفوضى حينما أكدت «نستطيع أن ننجح» في ذلك، وكيف أن الأمور انقلبت رأسًا على عقب وتحول شعار «الترحيب باللاجئين» شيئًا فشيئًا إلى قلق دفين في قلوب الكثيرين من الألمان.
عبر العالم السياسي أوبرويتر عن قناعته بأن تاريخ ألمانيا لم يشهد «إذلالاً» لمستشار كما حصل مع ميركل أثناء حضورها مؤتمر الاتحاد الاجتماعي المسيحي يوم 21 نوفمبر الحالي. وأضاف أن ما حدث في مؤتمر الحزب على قاعات معرض ميونيخ الدولي هو «إلغاء» المستشارة.
ويعود الفضل في «إذلال» المستشارة إلى رئيس الحزب «الشقيق» هورست زيهوفر الذي عرف بهجومه الشديد على سياسة ميركل تجاه اللاجئين وفي الموقف من الإرهاب. إذ لم يكلف زيهوفر نفسه عناء استقبال المستشارة عند نزولها من سيارتها أمام القاعة، واكتفى بالوقوف تحت سقف الفندق خشية على بدلته من المطر. ثم استقبلها أحد أعضاء المؤتمر في القاعة بيافطة كتب عليها «ميركل.. برّه!».
ألقت ميركل كلمة باهتة خالية من الحماس وقوة الحجة التي عرفت بهما، وتركها زيهوفر، بعد انتهاء كلمتها، تستمع إلى دروسه السياسية طوال 15 دقيقة دون أن يمنحها فرصة العودة إلى مقعدها. واكتفت المستشارة بالوقوف كئيبة ومكتوفة الأيدي خلفه، تنظر بحزن في الفضاء. عند مغادرتها القاعة ودعها زيهوفر ببرود عن بعد، دون القبلات المعهودة، وسلمها باقة زهور عن بعد. الأدهى من ذلك أنها لم تحظَ بأي تصفيق خلال دخولها، وخلال كلمتها، أو عند مغادرتها القاعة. واضطرت إلى الخروج من باب خلفي لا يرافقها غير حرسها الخاص.
بعد هذا المؤتمر كتب هارالد شتوته، المحرر السياسي في جريدة «إكسبريس»، أن ميركل كانت بلا شجاعتها المعهودة، بلا حول، وبلا سطوة. «افتقدنا كلماتها التي تفحم الآخرين وروحيتها القتالية (...) غيوم سوداء فوق مستشارية ميركل (...) يظهر عليها التعب من منصبها، وكل شيء محتمل الآن، بما في ذلك امتناعها عن الترشيح للانتخابات في عام 2017».



بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

بعد أكثر من أسبوع من الترقب، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حليفه فرنسوا بايرو رئيساً للوزراء، على أمل تجاوز الأزمة الكبرى التي تعانيها فرنسا منذ حلّ الجمعية الوطنية في يونيو (حزيران) وإجراء انتخابات لم تسفر عن غالبية واضحة.

ويأتي تعيين بايرو، وهو سياسي مخضرم يبلغ 73 عاماً وحليف تاريخي لماكرون، بعد تسعة أيام من سقوط حكومة ميشال بارنييه إثر تصويت تاريخي على مذكرة لحجب الثقة دعمها نواب اليسار واليمين المتطرف في الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

وعبّر رئيس الوزراء الفرنسي الجديد عن أمله في إنجاز «مصالحة» بين الفرنسيين، لكنَّه يواجه تحدياً كبيراً لتجاوز الأزمة القائمة. وقال بايرو في تصريح مقتضب للصحافيين: «هناك طريق يجب أن نجده يوحد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية».

وبذلك يصبح بايرو سادس رئيس للوزراء منذ انتخاب إيمانويل ماكرون لأول مرة عام 2017، وهو الرابع في عام 2024، ما يعكس حالة عدم استقرار في السلطة التنفيذية لم تشهدها فرنسا منذ عقود.

ويتعيّن على رئيس الوزراء الجديد أيضاً التعامل مع الجمعية الوطنية المنقسمة بشدة، التي أفرزتها الانتخابات التشريعية المبكرة. وقد أسفرت الانتخابات عن ثلاث كتل كبيرة، هي تحالف اليسار والمعسكر الرئاسي الوسطي واليمين المتطرف، ولا تحظى أي منها بغالبية مطلقة.

وقالت أوساط الرئيس إن على بايرو «التحاور» مع الأحزاب خارج التجمع الوطني (اليمين المتطرف) وحزب فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي) من أجل «إيجاد الظروف اللازمة للاستقرار والعمل».