«ضفاف أخرى».. رواية تمجد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف

فازت بالجائزة الثانية في المسابقة الإبداعية لدار الشؤون الثقافية العامة ببغداد

«ضفاف أخرى».. رواية تمجد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف
TT

«ضفاف أخرى».. رواية تمجد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف

«ضفاف أخرى».. رواية تمجد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف

يشكو الأدب العراقي منذ عام 2003 وحتى الوقت الراهن من انحسار ثقافة التسامح وشحّتها إلى حدٍ كبير. وربما يعود السبب الأول إلى الاحتقان الطائفي الذي كرّسه نفرٌ من السياسيين. رواية «ضفاف أخرى» لذياب فهد الطائي التي فازت بالجائزة الثانية في المسابقة الإبداعية لدار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، هي رواية تسامح بامتياز ليس لأنها عابرة للأديان فحسب وإنما لتبنيها مفاهيم إنسانية تحثّ على الأخوّة والتعاضد، وتدعو إلى المودّة والرحمة في بلدٍ بات يقف حقًا على «كف عفريت»!
يشكّل الراوي فالح عقدة من عقد الرواية وعتبة من عتباتها لكنه ليس العتبة الرئيسية على الرغم من حضوره الطاغي منذ مُفتتح النص الروائي حتى مُنتهاه.
فلقد آثر الراوي أن يتنازل عن مهمة البطولة إلى عاشقين يستحقان أن يتناصفاها عن جدارة وهما جودي وجانيت اللذان أحبّا بعضهما بعضًا وكانت الدوافع والمحفزّات ثقافية حيث التقيا في ندوة نظّمها اتحاد الأدباء عن «الشعر الحديث وقصيدة النثر» ثم انغمسا في لقاءات رومانسية متعددة أفضت بهما إلى الحُب والتماهي الروحي.
لا يمكن إهمال الراوي العليم الذي يسرد بصيغة المتكلم كل أحداث النص الروائي تقريبًا، ويؤثثه، ويملأ فراغاته. كما أنه يطرح بحكم السن وتراكم الخبرات الكثير من الأفكار الجوهرية التي تتركز عليها ثيمة الرواية لعل أبرزها «أن القراءة هي المفتاح لفهم العالم» (ص 27). وبما أن العراق يعيش حقبة مظلمة فلا غرابة أن يذكِّرنا الراوي بأن الظلاميين قد أحرقوا كتب أثينا، ودمروا مكتبة الإسكندرية، وألقوا كتب بغداد في نهر دجلة لكنهم لم يستطيعوا في خاتمة المطاف أن يمنعوا الناس من القراءة. فها هو السارد نفسه الذي عاد من فيينا إلى دبي ومنها إلى بغداد يكتب في صحيفة نمساوية محلية، وابنته رؤى تكتب قصائد حب بالألمانية. كما أن جلّ أصدقائه أدباء ومثقفون.
فعبد السميع كاتب وصحافي يعمل في مجلة «ألف باء»، وزوجته أم جودي تعمل في محطة فضائية، كما أن جودي نفسه كاتب قصصي وروائي وحبيبته جانيت شاعرة وتمحض الأدب والفن حُبًا من نوع خاص.
يؤشر الراوي على نقاط الخلل التي يعاني منها المجتمع العراقي وأبرزها اختفاء الطبقة الوسطى وظهور طبقة جديدة من الأثرياء التي انبثقت من القتلة، وعصابات التسليب، وسرّاق المال العام، كما اتسعت في الوقت ذاته طبقة الفقراء والمُعدمين الذين أصبحوا هدفًا لأصحاب السيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة، والعبوات اللاصقة، والقنابل المتفجرة المزروعة في الشوارع الداخلية والطرق الخارجية.
لم يهمل الراوي الآفات الأخرى التي تنخر في جسد المجتمع العراقي من بينها الرشوة والمحسوبية والفساد الإداري فتجديد جواز السفر أو تمديده لم يتم إلا بمائة وخمسين دولارًا أميركيًا في إشارة واضحة إلى الفساد السياسي الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا.
لا شك في أن تعدد الزوجات هو ضرب آخر من الفساد الاجتماعي في الأقل وقد أصبح ظاهرة لافتة للانتباه بعد سقوط بغداد. ويكفي أن نشير إلى عدنان، صديق الراوي الذي تزوج من سلافة التي تعد أنموذجًا للجمال والمرح والفتنة، لكنه لم يتخلَ عن زوجته الأولى التي أنجبت له ثلاث بنات وولدين حيث اشترى لها بيتًا في حي العامل، وخصص لها راتبًا شهريا يكفي لإعالة الأسرة برمتها.
وعلى الرغم من أن العمل التجاري ما بعد 2003 لم يعد يُدار إلا بمهارات اللصوص المحترفين فإن عدنان سوف يبقى موضع ثقة الراوي الذي سيشترك معه في بعض المشاريع التجارية المربحة خصوصًا بعد أن تيقن من أن صديقه القديم الذي يؤمن بمبدأ تحقيق الربح الشرعي من دون اللجوء الغش أو الاحتيال أو التزوير.
يتيح لنا سفر الراوي إلى كركوك لإنجاز معاملة تقاسم الإرث فرصة للتعرف على أهم مدينة عراقية تمثل أنموذجًا للتعايش السلمي بين القوميات والأديان والمذاهب، فلقد سبق للراوي أن عاش فيها قبل رحيله من العراق، كما عاش فيها سائقه فاضل، خريج معهد التكنولوجيا أصلاً، وهو يعرفها شارعًا شارعًا كما يعرف راحة يده.
يعوِّل الراوي ومبدع النص على الثيمة الحساسة العابرة للأديان والمذاهب والتصورات الرائجة في المجتمع العراقي ما بعد الاحتلال الأنجلو - أميركي حيث يلتمس جودي من الراوي فالح أن يقنع والده عبد السميع بفكرة الزواج من جانيت التي أحبّها بوصفها شاعرة مثقفة، وعاملة تكدح ليل نهار بغية إعالة أسرتها الفقيرة التي هاجر بعضها إلى أوروبا فيما ظل البعض الآخر متشبثًا بالوطن. وإذا كان الأب متعاطفًا مع ابنه ولا يجد ضيرًا في أن يتزوج ابنه بفتاة مسيحية فإن الأم المتعصبة تبدي موقفًا عدوانيًا شرسًا تجاه هذه الزيجة الغريبة في وقت عصيب تتقاتل فيه ميليشيات الطائفتين وتفتكان بالبلاد والعباد معا، ولكن سبق السيف العذل، إذ اقترن جودي بجانيت وكانا ينويان السفر إلى عمّان بوصفها محطة مؤقتة، وسوف ينتقلان منها إلى إحدى الدول الأوروبية لكن الراوي يوافق في خاتمة المطاف على العمل مع صديقه عدنان ويفتح مكتبًا تجاريًا في بغداد سوف تعمل فيه جانيت سكرتيرة بعد عودتها من شهر العسل في الأردن، ويكون بإمكانها أن تحضر كل الفعاليات والأنشطة الثقافية. أما جودي فسوف يعمل في مخازن الشركة بعد أن يجتاز دورة سريعة في العمل المخزني.
لا ينحصر اهتمام الراوي الثقافي بطباعة ديوان جانيت ورواية جواد «جودي» على نفقته الخاصة وإنما رأيناه منهمكًا في الهمّ الثقافي بدءًا من الإنسيكلوبيديا البريطانية التي سدّ بمجلداتها نافذة الحمّام المكسورة في بيته البغدادي، ورواية «صورة دوريان غراي» لأوسكار وايلد، ورواية «أصل الأخلاق» لبرغسون، مرورًا برباعية «يوسف وإخوته» لتوماس مان، و«مسافر في ليل شتوي» لإيتاليو كالفينو، وانتهاءً بقصائد البياتي وروايات دستويفسكي وغيرها من العناوين التي تصادف قارئ هذا النص الروائي الذي يعتز بالثقافة ويمجد الكُتاب والمبدعين.
إنّ منْ يُدقق في تضاعيف هذا النص الروائي الناجح سيكتشف من دون عناء كبير أشياء كثيرة لعل أبرزها حُب الوطن، فالأفكار المبثوثة في متن الرواية تدعو إلى المحبة والتراحم، وتنبذ العنف بكل أنواعه. كما أن الرواية لا تحضّ على الهجرة وترك البلد تحت رحمة اللصوص، والأفّاقين، وتجّار الحروب لأن العراق بالنتيجة هو وطن للعراقيين جميعًا مثلما هو حضن دافئ للقادمين من جهات العالم الأربع.
قد لا ينطوي بعض الروايات على رسائل محددة، وربما يميل بعضها الآخر إلى التلميح لا التصريح لكن رواية «ضفاف أخرى» تجاهر بموقفها المضاد لنشر ثقافة الكراهية والتمييز على أسس دينية أو طائفية وقد استحقت الفوز لإعلائها شأن هذا الجانب الحساس مع الاحتفاظ بعناصر قوتها الفنية التي استمدها الروائي من الواقعية النقدية شكلاً ومضمونا.
وللطائي سبع روايات منها «الصبّار الأزرق»، «ورد الدفلي» و«الأشباح والأمكنة». كما فازت روايته «دائرة النسيان» بالجائزة الثالثة لمسابقة الإبداع الأدبي في العراق عام 1988.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.