تعرّض مسلمو بريطانيا لأكثر من 100 جريمة كراهية خلال الأسبوع الذي تلا هجمات باريس الدموية، ما يسجّل ارتفاعا بنسبة 300 في المائة بالمقارنة مع متوسّط عدد جرائم الإسلاموفوبيا في البلد.
وكشف تقرير أعدّته منظمة «تيل ماما» البريطانية لمكافحة الإسلاموفوبيا، واطّلعت عليه «الشرق الأوسط»، أن المسلمين في بريطانيا تعرضوا منذ اعتداءات باريس لـ115 هجوما، وأن هذه شملت اعتداءات لفظية وجسدية، وقعت بين السبت 14 و20 من الشهر الحالي. وأشار التقرير، الذي ستعرض نتائجه أمام لجنة حكومية مختصّة، إلى أن غالبية الضحايا هن نساء وفتيات محجبات، تتراوح أعمارهن بين 14 و45 عاما، وأن المهاجمين هم رجال تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما. كما اتخذت 70 في المائة من هذه الاعتداءات من وسائل التنقل العامة، كالحافلات وقطارات الأنفاق، مسرحا لها، ما أدّى إلى انتشار شعور بالخوف لدى النساء والأطفال الذين تعرّضوا للمضايقات وضمن أوساطهم المقرّبة.
إلى ذلك، لفتت نسبة عالية من الضحايا إلى أن «أحدا لم يبادر بمساعدتهم أو التدخّل لصالحهم أو حتّى بمساواتهم بعد وقوع الحادث، ما جعلهم يحسّون بعزلة وغضب». كما عبّر عدد ممن تعرضوا لحادث مشابه بأنهم يتفادون الخروج من بيوتهم لغير الضرورة، خوفا من التعرّض لمضايقات جديدة.
إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن هذه الأرقام قد لا تعكس العدد الفعلي للهجمات التي تعرّض لها أفراد من الجالية المسلمة البريطانية، إذ إن البعض يخشى التوجه إلى الشرطة والتبليغ عن الحوادث الإسلاموفوبية. ويذكر أن هذا الارتفاع مماثل لذلك الذي شهدته الجالية المسلمة عقب اغتيال الجندي لي ريغبي في شارع جنوب لندن في شهر مايو (أيار) 2013.
وفي هذا الإطار انتشرت شهادة أم مسلمة اضطرت إلى سحب ابنتها من مدرسة في مدينة أدنبره الأسبوع الماضي، لتنامي «المضايقات المعادية للإسلام» ضدّها من طرف زملائها في الصّف، على حدّ تعبيرها. وقالت: «نعتت ابنتي بأسوأ الألفاظ، واشتدّت المضايقات بعد هجمات باريس.. لا أحد يستحق أن يعامل كما عوملت ابنتي». وأوضح التقرير بهذا الصدّد أن الألفاظ الشائع استخدامها من طرف المعتدين تشمل «الإرهابيين» و«المفجّرين».
من جهتها، أكدت «اسكوتلنديارد» لـ«الشرق الأوسط» أن جرائم الكراهية ترتفع بشكل لافت بعد أحداث مشابهة لاعتداءات باريس المأساوية. وبينما تعذّر الحصول على آخر إحصائيات الاعتداءات ذات طابع إسلاموفوبي نظرا لمرور قرابة أسبوعين فقط منذ هجمات باريس الإرهابية، أشارت «اسكوتلنديارد» إلى أن قوات الأمن أقامت دوريات إضافية في المناطق التي تقطنها الجاليات المسلمة التي عبّرت عن قلقها من تنامي جرائم المعادية للإسلام والمسلمين. وقالت المتحدّثة باسم «اسكوتلنديارد» إن الشرطة تنسق بشكل وثيق مع المساجد المحلّية وقادة الجاليات لمراقبة الوضع. وأضافت: «إننا لا نتسامح مع جرائم الكراهية، ولا يجوز لأي شخص أن يعاني في صمت».
وعموما، فإن الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية شهدتا ارتفاعا حادّا في لندن منذ قبل اعتداءات باريس، إذ ارتفعت الأولى بنسبة 70,7 في المائة وبنسبة 93,4 في المائة للثانية في السنة الماضية، وفقا لآخر الإحصائيات التي نشرتها شرطة العاصمة البريطانية في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما أكدته لجنة حقوق الإنسان الإسلامية البريطانية، الأسبوع الماضي، عن أن نحو ثلثي مسلمي بريطانيا يشكون من تزايد التمييز ضدهم، ويعتقدون أن الساسة والإعلام «يذكون أجواء الكراهية». وترسم الدراسة المسحية، التي شملت 1780 شخصا، صورة من العزلة والتهميش لدى هذه الفئة من المواطنين الذين تستعين بها جهات أمنية في تجميع المعلومات الاستخباراتية لمحاربة الإرهاب. وأكدت نتائج الدراسة أن المسلمين يشهدون ارتفاعا في الإساءات الشفهية والجسدية في الأماكن العامة وفي العمل. وأوضح المستشار لدى الحكومة حول قوانين مكافحة الإرهاب، ديفيد أندرسون، أنه خلال الدراسات التي قادها لتقييم سياسيات مكافحة التطرف تعكس أن الجاليات الدينية الأخرى، أو لا-دينية، لا تثق في الجالية المسلمة، كما تظهر ارتفاع نسب الاعتداءات الإسلاموفوبية بنفس وتيرة ارتفاع الاعتداءات المعادية للسامية وللمثليين.
في سياق متصّل، أثار استطلاع رأي نشرته صحيفة «دي سان» البريطانية يفيد بأن واحدا بين كل خمسة مسلمين في بريطانيا يتعاطف مع «الجهاديين»، في إشارة إلى البريطانيين الذين التحقوا بـ«داعش» في سوريا، موجة غضب واسعة في الأوساط المسلمة والصحافة المعتدلة. وتساءل مجلس مسلمي بريطانيا في هذا السياق، وهو أكبر مظلّة تمثيلية للجالية المسلمة في البلد، حول سبب اختيار صحيفة «دي سان» هذا العنوان المضلّل، علما بأن استطلاع الرأي الشائك الذي اعتمدت عليه الصحيفة نفسها يشير إلى أن 71 في المائة لا يتعاطفون البتّة مع القلّة التي تغادر إلى سوريا.
وكان شجاع شافعي، الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا، قد أفاد في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن «البعض يفترض أن المسلمين لا يفعلون ما بوسعهم لمحاربة التطرف، بل ويعززونه بطريقة أو بأخرى. أعتقد أنه ينبغي تقديم الأدلة والبراهين لتبرير هذه الاتهامات والطعن فيها إن ثبتت، عوض الاستمرار في التلميحات». وشّدد على أن الأسباب وراء التحاق البعض بالتنظيمات الإرهابية مثل «داعش» معقدة ومتعّددة، وتبسيطها لمستوى الصفحات الصفراء لا يفيد أحدا غير الجماعات المتطرفة. كما علّق على «التغطية غير المسؤولة التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام البريطانية والتي تنتج في حالة من الاستقطاب بين مختلف مكونات المجتمع والتي تعزّز مواقف الحقد والكراهية ضدّ ملايين الأبرياء».
جرائم الإسلاموفوبيا ترتفع 300 % في بريطانيا.. والمحجّبات أبرز الضحايا
أوساط مسلمة تندّد باستهداف الإعلام للإسلام والمسلمين
جرائم الإسلاموفوبيا ترتفع 300 % في بريطانيا.. والمحجّبات أبرز الضحايا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة