لبنان يتأقلم تقنيًا مع مناورات موسكو في المتوسط

خبراء يؤكدون أنه لا أهداف عسكرية لها وتندرج ضمن إطار «عرض العضلات وفرض أمر واقع»

لبنانيون لدى وصولهم إلى مطار بيروت الدولي أمس عشية قرار روسيا تنفيذ مناورات عسكرية بالقرب من سواحل لبنان (رويترز)
لبنانيون لدى وصولهم إلى مطار بيروت الدولي أمس عشية قرار روسيا تنفيذ مناورات عسكرية بالقرب من سواحل لبنان (رويترز)
TT

لبنان يتأقلم تقنيًا مع مناورات موسكو في المتوسط

لبنانيون لدى وصولهم إلى مطار بيروت الدولي أمس عشية قرار روسيا تنفيذ مناورات عسكرية بالقرب من سواحل لبنان (رويترز)
لبنانيون لدى وصولهم إلى مطار بيروت الدولي أمس عشية قرار روسيا تنفيذ مناورات عسكرية بالقرب من سواحل لبنان (رويترز)

نجح لبنان، وتحديدًا من الناحية التقنية، (الخلية التي أنشأتها وزارة الأشغال العامة والنقل) في استيعاب تداعيات المناورات العسكرية التي تجريها روسيا منذ ليل الجمعة الماضي في البحر الأبيض المتوسط وتستمر حتى يوم غد الاثنين. وتحقق ذلك بعد اختصار المسارات التي يسلكها الطيران المدني بمسار واحد، ولكن مع رفض الرضوخ لطلب موسكو بإقفال الأجواء اللبنانية لثلاثة أيام متتالية.
مع هذا، فإن الجهات الرسمية في بيروت لم تتمكن بعد من تخطي تجاوز موسكو الأصول الدبلوماسية بالتواصل والتنسيق بين الدول، بعدما كان سلاح البحرية الروسية هو من اتصل بهيئة الطيران المدني طالبًا منها تغيير مسارات الطائرات المدنية والامتناع عن استخدام المجال الجوي المقابل للأراضي اللبنانية على ارتفاع ومساحة محدّدين، من دون العودة إلى الحكومة أو وزارة الخارجية، وهو ما قرأ فيه خبراء رسالة سياسية واضحة للبنان وحلفائه الإقليميين والدوليين.
في هذه الأثناء، على الرغم من إلغاء بعض الرحلات، والتعديلات التي طرأت على مواعيد رحلات أخرى والأوقات التي تستلزمها، شهد مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حركة طبيعية، بحسب إبراهيم أبو علاوة، المدير العام للطيران المدني بالتكليف، الذي أشار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرار حركة الإقلاع والهبوط في المطار بشكل طبيعي وعادي. ولكن الخطوط الجوية الكويتية أعلنت يوم أمس إلغاء رحلتين، الأولى من الكويت إلى بيروت والأخرى بمسار عكسي، وردت ذلك إلى «إجراء أمني احترازي حفاظًا على سلامة ركابنا الأعزاء بناء على معلومات أمنية بوجود حظر على بعض المسارات الجوية المؤدية إلى محطة بيروت». وأكدت المؤسسة الكويتية في بيان أن «هذا التوقيف سيكون مؤقتا وخاضعا للتقويم اليومي الذي على ضوئه سيتحدد استمرار التوقيف أو إعادة التشغيل»، مشددة على «تطبيقها وسائل السلامة الجوية كافة، حرصا على أمن طائراتها وركابها».
ومن جهة ثانية، أعلنت وكالة «دوغان» التركية عن إلغاء الخطوط الجوية التركية رحلتين إلى بيروت مساء الجمعة «لأسباب أمنية»، إلا أن رحلاتها استمرت بشكل طبيعي السبت. وما يذكر أن الطائرات المتجهة إلى مطار بيروت تعتمد، كما تلك المغادرة منه، حاليًا مسارًا جنوبي لبنان يمر فوق منطقتي صيدا والصرفند، وهو عادة مسار لا تسلكه الطائرات نظرًا لحساسية الوضع على الحدود مع إسرائيل. مع الإشارة إلى أن شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية هي الوحيدة التي لا تزال تعتمد مسارًا فوق سوريا إلى جانب شركات لدول أخرى حليفة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي حين ظلت المعلومات حول أهداف المناورة العسكرية الروسية وحجمها وتفاصيلها غير متوافرة، توافق عدد من الخبراء على كون هدفها الأساسي غير عسكري بل سياسي، لافتين إلى أنّها تندرج ضمن إطار «عرض العضلات». وهو ما كان رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أول من أشار إليه، منبّها من «تعدي على السيادة اللبنانية»، إذ قال في حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي «وفق آخر أخبار الطيران المدني اللبناني فإن الروس أبلغونا إقفال أجوائنا ثلاثة أيام لا أكثر ولا أقل، وهذا أتى بمثابة أمر. فهل الوزير باسيل على علم بهذا الأمر أم لا؟ يا لها من زيارة ناجحة لموسكو».
رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، في تعليقه على هذا التطور أعرب عن «مخاوف كبيرة» من أن تكون هذه المناورات وطريقة «الفرض» الروسي على لبنان بتعديل المسارات التي يسلكها الطيران المدني: «مقدمة لتوسيع موسكو سيطرتها لتصل إلى لبنان، وكأنها توجه رسالة لأميركا وأوروبا بأنّها هي التي ستتخذ القرارات السياسية والعسكرية والأمنية المتعلقة ببيروت». وشدّد قهوجي على أنّه «لا يمكن تحديد أي هدف عسكري للمناورة الروسية الحالية في المتوسط، خاصة، أنّه كان بإمكانها القيام بالمناورة في منطقة أخرى من البحر كي لا تؤثر على حركة الملاحة اللبنانية»، ولفت إلى أنّه «طالما موسكو في عمليات حربية حية ومستمرة في الأجواء السورية، فلا حاجة لها للقيام بمناورات تلجأ إليها الدول عادة التي ليست في حالة حرب للبقاء على استعداد للمواجهة». ثم أردف «أي عمليات تدريب كان يجب أن تحصل في القاعدة الروسية في اللاذقية وليس مقابل السواحل اللبنانية، ما يعني أن هناك أهدافا غير معلنة لموسكو والأرجح تتعلق بنفوذها في لبنان».
ولكن من جانب آخر، لفت العميد المتقاعد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المناورات التي تقوم بها روسيا لها أكثر من هدف: «الأول لتدريب القوات المشتركة الجوية والبحرية والأرضية خاصة أنّه بات يوجد داخل الأراضي السورية أكثر من 3000 خبير عسكري روسي. أما الهدف الثاني فيتخذ طابع الحرب النفسية و(عرض العضلات) وتوجيه رسائل سياسية، ليندرج الهدف الثالث بإطار الاستعداد لمعركة كبيرة لا يمكن تحديد أهدافها إلا قبل ساعات نظرا لأن التطورات الميدانية تتحكم بأولويات هذه الأهداف». وأضاف جابر «بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء، قررت موسكو تكثيف عملياتها العسكرية داخل سوريا، التي تحولت أشبه بكرة ثلج تكبر يوما بعد يوم خاصة بعد دخول الأسطول الفرنسي إلى خط مواجهة داعش الذي اعتبر الروس حليفا لهم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.