قال الشيخ محمد أحمد حسين، مفتي فلسطين، إن «محاربة أفعال تنظيم داعش تكون بالتصدي المستمر لفتاويه (الضالة)، وتوضيح فكره المتطرف». وأكد في حوار مع «الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في مؤتمر إسلامي عقد بمصر مؤخرًا، أن «أعظم شواهد العداء للإسلام هي (الحرب المسعورة) على أرض الأقصى، وأن الدفاع عن القدس ليس مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل الأمة العربية والإسلامية»، لافتا إلى أن «اصطفاف الأمة يحطم أحلام إسرائيل ويفشل مخططاتها في هدم المسجد الأقصى».
وأوضح الشيخ حسين، خطيب المسجد الأقصى، أن تسويق التطرف والعنف من طرف متشددين من العالم الإسلامي لنشره داخل المنطقة العربية، يخفي إرهاب إسرائيل تجاه الفلسطينيين وتجاه العالم العربي والإسلامي أجمع، لافتا إلى أن التعصب الأعمى للجماعات، التي تنسب نفسها زورا للإسلام، يضر بالدين الإسلامي ويجر على المسلمين الويلات، وأن عنف بعض المسلمين يخدم أعداءنا.
وفيما يلي أهم ما جاء بالحوار:
* وجهت اتهامات كثيرة للشعوب الإسلامية عقب حادث تفجيرات فرنسا بأنها منبع الإرهاب والتطرف.. ما رأيك؟
- العالم الإسلامي كله أدان تفجيرات باريس، وأعرب عن رفضه لأي إرهاب يطول أي منطقة في العالم، لكن التطرف وما ينشأ عنه من إرهاب ليس عند المسلمين فقط، بل إنه يطال أيضا بعض الدول غير المسلمة التي يوجد فيها تطرف وإرهاب.. وبالعودة للتاريخ، فإن منظمة «السيكاري» تعد أول منظمة إرهابية عرفها التاريخ، وقد شكلها بعض المتطرفين اليهود من طائفة «الزيلوت»، الذين وفدوا إلى فلسطين في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، بهدف إعادة بناء الهيكل الذي عرف بالمعبد الثاني.
* في تصورك كيف نحارب الفكر المتطرف على أرض الواقع، خصوصا بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم على يد «داعش»؟
- محاربة هذا الفكر التكفيري المتطرف يتم من خلال تكثيف جهود العلماء في العالم الإسلامي لشرح وتوضيح خطورة هذه الأفكار على الشباب، وجميع أفراد المجتمع، والعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة، والتصدي المستمر للفتاوى «الضالة» والأقوال الباطلة التي يستند عليها التنظيم الإرهابي لتوضيح كل ما هو مناف لهذا الدين من فكر متطرف.
* هل العالم الإسلامي يواجه حروبا كثيرة الآن.. وما هي أنواعها؟
- نعم نواجه حربا الآن، ولعل من أنواع الحرب التي تواجه الإسلام هو التطرف والعنف والغلو، ويمثلهما فريقان متناقضان، أحدهما يقف في صف العداء المعلن للإسلام والتعصب ضده، والثاني يمثله بعض المسلمين، الذين يقودهم الحرص المفرط والتعصب الأعمى إلى حمل أفكار تضر الإسلام أكثر مما تنفعه، وتجر عليه الويلات الجسام جراء الانغلاق وقصر النظر، وللفريقين أعمال وأقوال تعبر عن منحى التطرف الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا. والناظر في حال الأمة الإسلامية في العصر الحاضر، يجد فيها تطرفا وغلوا من جهة، وتفريطا وتساهلا من جهة أخرى.
* هل يختلف برأيك الإرهاب المنتشر في العالم الآن عن الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين العزل؟
- بالفعل.. فما تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني لا يقل خطرا عن الإرهاب الذي ترتكبه الجماعات الإرهابية في العالم، وفي مقدمتهم «داعش». ولذلك يجب على الأمة العربية والإسلامية أن تدرك خطورة ما تقوم به إسرائيل، على اعتبار أن الواجب الديني يحتم على الأمة الدفاع عن المقدسات الدينية، والعمل على تحريرها، وعدم تركها في أيدي الإسرائيليين وحيدة للهجمات الشرسة التي يرتكبها اليهود. ولذلك، فإن تسويق العنف والتطرف من خلال عناصر متشددة تنتمي للعالم الإسلامي والدول العربية يخفي إرهاب إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
* برأيك.. ما الذي ترمي إليه إسرائيل من حفرها تحت المسجد الأقصى؟
- المحاولات الإسرائيلية تسعى لفرض سيطرتها كأمر واقع، وذلك من خلال تغيير الحقائق وطمس المعالم الدينية التاريخية والمقدسات الإسلامية المقدسة، ولذلك يجب على الأمة أن تصطف جمعاء وأن يوحدوا كلمتهم، لأنه بوحدتهم تفشل مخططاتهم، التي تهدف إلى تزييف التاريخ والحضارة الإسلامية وطمس ثقافتها.
* وماذا عن دور مصر في مساندة القضية الفلسطينية؟
- تربط مصر بفلسطين علاقة قوية أصيلة، وعلاقتها تعود إلى سنوات بعيدة، وإن واجهت الحكومتان اختلافات على المستوى السياسي، لكن في وقت الشدائد نجد أن مصر هي أول من يساند الدولة الفلسطينية.
* نعود لمشهد العداء المعلن الآن ضد المسلمين عقب تفجيرات فرنسا.. ما هي شواهد التطرف الحاضرة ضد بعض الدول المسلمة؟
- من أعظم الشواهد على العداء المعلن للإسلام من قبل جماعات التطرف، هناك الحرب المسعورة على أرض فلسطين ومقدساتها وأهلها، خصوصا المسجد الأقصى، الذي يتعرض الآن إلى حملة متلاحقة من الممارسات المعادية التي تستهدف تغيير معالمه الإسلامية، وتجزئته وشرعنة وجود غير المسلمين فيه، وقد تصل الأمور إلى تدميره بفعل الحفريات الواسعة تحته، إضافة إلى محاولات كثيرة للنيل منه، يهدد بها بين الحين والآخر أشخاص وجماعات من أهل التطرف اليهودي، ولم يبتعد عن الحقيقة وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي، حين حذر من قبل أنه إذا لم يتحرك المسلمون لإنقاذ المسجد الأقصى، فلن يبقى للمسلمين أقصى بعد 6 أشهر، وتصريح من مسؤول بهذا المستوى لا يصدر من فراغ.. وإنما من حقيقة يلمسها ويشاهدها بأم عينه.
* ما هي في رأيك أسباب التطرف لدى بعض الجماعات المحسوبة ظلما على الإسلام؟
- الجهل وعدم معرفة حقيقة الدين ومقاصده، فبعض قادة هذه الجماعات والتنظيمات يظن نفسه من أهل العلم والاجتهاد، وهو لا يعرف إلا «نتفا قليلا» من هنا وهناك، ويجهل الكثير، ولا يعرف طرق الترجيح بين المختلفات، فيعتد برأيه ويفسد أكثر مما يصلح، فضلا عن تمسك هذه الجماعات الإرهابية بحرفية النص دون فهم فحواه ومعرفة مقصده، والاشتغال بالمسائل الجزئية عن المسائل الكبرى التي تهم الأمة.
* وهل هناك أسباب داخلية وخارجية لذلك؟
- نعم.. الأسباب الداخلية تنحصر في الظلم الاجتماعي البين في بعض المجتمعات المسلمة، حيث نرى التفاوت الطبقي الفاحش بين فئات المجتمع، وما ينتج عنه من حقد اجتماعي، وضعف الثقة بالعلماء الرسميين في الدول، فيعمد البسطاء إلى تلقي العلم عن أنصاف المتعلمين، أو عن طريق الكتب الصادرة عن أشخاص وجماعات متشددة، بسبب فقدهم الثقة بالعلماء الرسميين، فضلا عن أن بعض الدول الإسلامية قامت بمصادرة حرية الدعوة إلى الإسلام باعتباره عقيدة ونظام حياة، ووقفت في وجه الدعاة، وكان هذا الضغط على الدعاة من أبرز الأسباب التي دعت إلى التطرف، وكذا ازدراء الدين عبر وسائل الإعلام.
أما الأسباب الخارجية فتتمثل في أن ما لقيه العالم الإسلامي وما زال يلقاه من هجمة شرسة على أوطانه ومقدساته، اتفقت عليها القوى غير الإسلامية العالمية، ولا شك أن ذلك له أثر كبير على شعور المسلم الغيور على دينه وأرضه ومقدساته.. فيلجأ البعض للعنف بسبب ذلك.
* ومتى نحكم على العمل بأنه تطرف وأن صاحبه إرهابي؟
- الحكم على العمل بأنه تطرف أو أن الشخص متطرف باب خطير لا يقدر عليه إلا علماء الدين، الذين يدركون حدود هذا العمل ويعلمون أبواب العقيدة وفروعها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لذلك فإن المقياس في الحكم على الأعمال والأفراد والجماعات هو الكتاب والسنة، وليست الأهواء والأعراف.
* وكيف نحمي الأمة من الإرهاب برأيك؟
- علاج التطرف والإرهاب لا ينفك عن معرفة الأسباب وتشخيص حالاته، ويشترك في هذا العلاج المجتمع بشرائحه، وبخاصة الشباب، فتطرف بعض المسلمين وغلوهم يخدم أعداء الإسلام، والتعصب للرأي أو لجماعة أو طائفة أو حزب، هو الصورة الشاهدة على التطرف، الذي يقف وراء تشويه صورة الإسلام، وهي على هذا النحو المشوه من قبل بعض من يظنون أنهم يبذلون الجهد لخدمته والدعوة إليه، لكن يخونهم التوفيق في اختيار الأساليب السوية، فيلوذون إلى خيمة التعصب التي تمنعهم من بلوغ بعد النظر في الدعوة، ويختارون المغالاة منهجا والتطرف أسلوبا، فتكون النتائج خرابا طاما وطعنا للإسلام في الصدر والظهر، من حيث يظنون أنهم يخدمونه ويعملون من أجل رفع رايته.
والتطرف الداخلي لا يقل خطره كثيرا عن الخارجي في استهداف الإسلام وإعاقة الدعوة إليه، ونشر المصاعب أمام إعطاء الصورة المشرقة عنه، حتى يميز الناس بين الخبيث والطيب عن بصيرة ورشاد.
* قلت إن محاربة التطرف مسؤولية المجتمع بأكمله.. كيف ذلك؟ وما هو دور علماء الدين وقادة الدول؟
- يتمثل دور المجتمع وقادة الدول والعلماء في محاربة التطرف بأن تكون الدساتير والقوانين التي تحكمهم معبرة عن معتقداتهم وقيمهم وتقاليدهم، ثم تتبعها مناهج التربية والتعليم والصحافة والإعلام، وأن تكون السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية تنسجم مع هذه المعتقدات وتخدم أهدافها، فضلا عن إحياء دور العلماء الراسخين والمصلحين في المجتمعات، ونشر العلم الشرعي، وتمكين أهل العلم من أهل الوسطية والاعتدال من علاج هذه الظاهرة بالمنهج العلمي السليم، بعيدا عن السطحية المتمثلة في الإدانة والشتم وكيل التهم، ونبذ أساليب العنف والتعذيب والتصفية الجسدية، وإحياء روح النصيحة، فالتطرف مصدره الفكر، ولذلك ينبغي أن يكون علاجه بالفكر والمجادلة بـ«التي هي أحسن»، وتجنب مقابلة التكفير بالتكفير، فلا يقابل التطرف الفكري بتطرف فكري مماثل.. ولا يواجه التعصب بالتعصب، وكذا محاربة الفقر والجهل والمرض، ومحاولة القضاء على الفوارق الاجتماعية الكبيرة، ومنح الفرص للناس على أساس العدل والمساواة.
وعلى علماء الدين بذل الجهود العلمية في بحث موضوع التطرف، وعقد الندوات والمحاضرات لتبيان أهمية الموضوع وحقيقته وضرره على حياة الناس، وتربية الأمة على منهج الوسطية تربية عملية شاملة، مما يقضي على الخلل الموجود في المجتمع المسلم من جهتي الإفراط والتفريط.
* وهل للشباب دور في مكافحة التطرف؟
- نعم، وذلك بتصحيح النظرة وتقويم الأفكار حتى يعرف الشباب دينهم على بصيرة، ويكون ذلك بسلامة المنهج في فهم الإسلام، وبالفقه الواعي لدين الله.. لا القائم على الفهم السطحي للنصوص الشرعية.
مفتي فلسطين: الحرب المسعورة على الأقصى أعظم شاهد على العداء للإسلام
الشيخ حسين قال لـ«الشرق الأوسط» إن محاربة «داعش» تكون بالتصدي لفتاويه الضالة
مفتي فلسطين: الحرب المسعورة على الأقصى أعظم شاهد على العداء للإسلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة