مهرجان دبي يطلق قائمته الثانية

مخرجون جدد وآخرون يعودون إلى بيت السينما العربية الأول

الفيلم الأفغاني «المدينة الفاضلة»
الفيلم الأفغاني «المدينة الفاضلة»
TT

مهرجان دبي يطلق قائمته الثانية

الفيلم الأفغاني «المدينة الفاضلة»
الفيلم الأفغاني «المدينة الفاضلة»

منذ أن عرضت المخرجة المصرية هالة خليل فيلمها الروائي الطويل الأول «أحلى الأوقات» سنة 2004، وهي منضمة إلى ذلك الفريق الصغير من المخرجين والمخرجات الذي ينتظر المهتمّون بسينما جديدة أعمالهم.
بعد ثلاث سنوات حققت «قص ولصق» ثم غابت باستثناء عملها على مشاريع إما مؤجلة (مثل «الراهب» وفيلمها عن صلاح جاهين) أو للتلفزيون (كما كان حال مسلسلها «حكايات بنعيشها: فتاة الليل» سنة 2010.
بعد طول غياب، إذن، ها هي تعود وفيلم العودة بعنوان «نوارة» الذي كتبته بنفسها وأسندت بطولته إلى منة شلبي وأمير صلاح ورجاء حسين وشيرين رضا وأحمد راتب ومحمود حميدة. وعرض الفيلم الأول سيتم في الدورة الثانية عشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي سينطلق في التاسع من الشهر المقبل، وحتى السادس عشر منه.

أجيال
«نوارة»، الذي يتحدث عن الحب والحياة ومتاعبهما المتضاعفة خلال اندلاع «ثورة» الخامس والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) 2011 ليس الفيلم المصري الوحيد الذي يستقبله مهرجان دبي وروّاده، كما يتبدّى من خلال إعلان المهرجان لقائمته الثانية يوم أول من أمس (الأربعاء).
هناك فيلمان مصريان آخران ينضمّان إلى «نوارة» ويتنافسان على الجائزة الأولى المسماة بجائزة المهر الذهبي، هما فيلم للمخرج محمود سليمان عنوانه «أبدًا لم نكن أطفالاً» وفيلم محمد خان «قبل زحمة الصيف». الأول يتعامل مع السنوات التي سبقت التحوّلات الأخيرة في مصر، ومن بينها السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك و«المحاولات التي جرت لإفشال ثورة يناير» كما يقول الملخص الخاص بالفيلم.
ما هو ملاحظ أن المواقع الموسوعية العربية القليلة الموجودة على الإنترنت تخلو من ذكر المخرج محمود سليمان ومن ذكر فيلمه هذا أو من ذكر فيلمه السابق الذي يقول نص الإعلان المذكور وهو «يعيشون بيننا» (2003). هذا لا يعني أن الفيلم السابق غير موجود، وأن المخرج بذاته شخص غامض، بل يعني أن فيلمه السابق وفيلمه الحالي هما من صميم مدرسة السينما المستقلة التي عزز مهرجان دبي وجودها منذ بدايته.
لكن في حين أن المخرجة هالة خليل تنتمي إلى جيل بدأ خطواته مع مطلع القرن الحادي عشر، وأن محمود سليمان ما زال اسمًا جديدًا على الأذن والبصر معًا، فإن محمد خان المشترك بفيلمه الجديد «قبل زحمة الصيف» ليس الأكثر باعًا وتجربة وأعمالاً من بين المخرجين المصريين المشتركين، بل من بين كل السينمائيين العرب الحاضرين بأفلامهم أيضًا.
على الأرجح هو أكبر المخرجين المصريين الذين ما زالوا على قيد الحياة سنّا. ولد في القاهرة سنة 1942 مما يجعله في سن الثالثة والسبعين من العمر. أخرج 26 فيلمًا، أولها «الرغبة» سنة 1979 ومن بينها «طائر على الطريق» (1981) و«الحريف» (1983) و«خرج ولم يعد» (1984) و«مشوار عمر» (1986) و«فارس المدينة» (1993) وهي من بين أبرز ما حققه إلى اليوم، علما بأن ما حققه جاء دائمًا مختلفًا حتى عندما مال لفيلمين تقليديي الكتابة والإنتاج، وهما «الغرقانة» (1993) و«أيام السادات» (2001).
«قبل زحمة الصيف» مثال عن شخصيات حيّة في المجتمع المصري ويدور حول الزوجين المتناحرين الدكتور يحيى (ماجد الكدواني) وزوجته ماجدة (لانا مشتقا)، إلى الشاليه الصيفي على ساحل الإسكندرية قبل الزحام، وهناك يتعرفان إلى جارتهما هالة (هنا شيحة)، المترجمة المحترفة التي تطلقت حديثًا، وهي أم لولدين شابين. ومع تقدم العلاقة بينهم يبدو أن العطلة المبكرة التي تعلقت آمالهم بها ليست إلا انعكاسًا آخر لإحباطاتهم نفسها.

من لبنان
بذلك ينضم المخرج خان إلى شلة المخرجين المشتركين في مسابقة دبي ممن سبق لهم تقديم أعمال متعددة كالمخرج المغربي حكيم بلعبّاس الذي يعرض فيلمه الجديد «شي غادي وشي جاي»، والمخرجة الفلسطينية مي المصري التي تقدّم فيمها الروائي الأول «3000 ليلة» والمغربي الآخر هشام العسري الذي يعاود الحضور بفيلمه الجديد «جوّع كلبك» واللبنانية دانيال عربيد التي تعرض فيلمها الجديد «باريسية».
بالإضافة إلى هؤلاء يرد الآن اسم المخرج الجزائري محمد أوزين التسجيلي «سمير في الغبار». وما يبدو الحال عليه أن الجدد (ذوي الأعمال الجديدة تمامًا أو التي لم تتجاوز الثلاثة أفلام) يلتقون والقدامى في المهنة على نحو شبه متماثل. ففي حين تم تسجيل وجود مخرجين جدد في القائمة السابقة التي كشف عنها المهرجان الإماراتي اللثام، ومنهم اللبنانية نورا كيفوركيان التي تقدم «23 كيلومترًا»، والعراقي هالكوت مصطفى الذي يوفر فيلمه الجديد «كلاسيكو»، تعرض اللائحة الثانية أسماء جديدة أخرى مثل التونسي فارس نعناع الذي يقدّم فيه الأول «شبابيك الجنة» الذي يحكي قصة سامي وسارة، وهما في الثلاثينات من العمر، ويعيشان حياة هادئة وسعيدة إلى أن تواجههما إحدى المصائب، ويتأرجحان بين فقدان الأمل والإحساس بالذنب والرغبة في العيش وإعادة بناء حياة جديدة.
ومن تونس أيضًا الفيلم الأول للمخرجة ليلى بوزيد «على حلّة عيني» الذي سبق أن شهد عروضه الدولية الأولى في مهرجان فينيسيا وبنجاح جيد.
كذلك هناك مخرجة لبنانية جديدة أخرى هي جيهان شعيب التي أنجزت منذ أسابيع «روحي» عن راقصة الباليه الشابة التي تعود من باريس إلى بلدها لبنان لأول مرة منذ مغادرتها لبنان. عودتها تفتح صفحة اكتشافات متلاحقة بدءًا ببيت العائلة المهجور الذي دمّرت قذائف جزءًا منه، وتحوّلت حديقته إلى مكبّ نفايات. وإذ تقرر الاستقرار في هذا المكان الذي يعجّ بذكريات الطفولة، تحدّد مهمة العثور على جثة جدها الذي اختفى في الحرب الأهلية. تقودها رحلتها عبر الأراضي اللبنانية إلى اكتشاف أساطير وأسرار في مغامرة داخلية لشابة تبحث عن هويتها.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.