بعد كلام عن وضعها على قائمة الإرهاب الرهان على انشقاق المعتدلين في «أحرار الشام»

خبير لـ«الشرق الأوسط» : براغماتية الحركة وطموحها للعب دور سياسي قد ينقذاها

بعد كلام عن وضعها على قائمة الإرهاب الرهان على انشقاق المعتدلين في «أحرار الشام»
TT

بعد كلام عن وضعها على قائمة الإرهاب الرهان على انشقاق المعتدلين في «أحرار الشام»

بعد كلام عن وضعها على قائمة الإرهاب الرهان على انشقاق المعتدلين في «أحرار الشام»

لا يخفي المعارضون السوريون أن قوائم المنظمات السورية المعارضة التي يمكن أن تُدرج على قوائم الإرهاب، تمثل إشكالية جديدة تعتري أي اتفاق سياسي على حل الأزمة السورية، وسط ترجيحات بإدراج تنظيم «حركة أحرار الشام» على تلك القوائم التي أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نية إعدادها مع الأردن، وستتضمن حتما، بحسب معارضين سوريين، تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، غير أن ضم الحركة التي تشكل اليوم، قوة ضاربة في «جيش الفتح» الذي يقاتل في ريفي إدلب وحماة في شمال البلاد إلى قوائم الإرهاب التي كشف عنها الخبير الأردني في الجماعات المتشددة محمد أبو رمان لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، تتضاعف، على ضوء التحولات التي تشهدها الحركة، منذ تولي أبو يحيى الحموي قيادتها، أواخر الصيف الماضي.
وتلتقي تلك الترجيحات مع ما أكده مصدر لصيق بالتنظيم في شمال سوريا، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن إدراج الحركة على تلك القوائم، «هي فكرة قديمة تتجدد الآن، بسبب تحولات طرأت على الحركة، قادت سلوكياتها أكثر إلى أدبيات تنظيم القاعدة» الذي كان يعتبر أساس تشكيلها في السابق، نظرًا لعلاقة مؤسسها الراحل أبو خالد السوري، بقياديين في تنظيم القاعدة وقربه من أبو مصعب السوري وأسامة بن لادن.
وخضعت الحركة، منذ تأسيسها في سوريا في عام 2012، لسلسلة من التغيرات على مستوى القيادة، والمنهج العقائدي. إلى حين مقتل قياديي الصف الأول والثاني البالغ عددهم 55 شخصًا، خلال تفجير مقرهم في سبتمبر (أيلول) 2014. ليتولى قيادة الحركة بعدها، الشيخ أبو جابر «الذي شهد عهده انفتاحًا على مختلف الفصائل، وتقلصت قبضة التشدد الديني، وبات الفصيل متقاربًا إلى حد كبير مع أدبيات الثورة السورية وفصائلها العسكرية المعتدلة»، لجهة رفع علم المعارضة السورية في المعارك، والتقليل من حجم الدورات العقائدية، والانخراط في مفاوضات مع النظام والإيرانيين لتبادل الأسرى، أو التفاوض على هدن واتفاقات لوقف إطلاق النار، على غرار اتفاق الزبداني - كفريا والفوعة. فضلاً عن أن الحركة، ميزت نفسها سياسيًا، عبر كتابة مقالات في صحف أميركية وبريطانية، بما أوحى بأنها تخلت عن عقيدتها المتشددة. ويشير هؤلاء إلى أن «الشيخ أبو جابر، أمير الحركة السابق، كان شخصًا منفتحًا، وثوريًا، وهو سوري معتدل، ولم ينخرط في تنظيم القاعدة في السابق، خلافًا لأبي يحيى الحموي».
غير أن هذا المنهج «سرعان ما تغير مع تولي الحموي قيادتها»، بحسب ما يقول المصدر اللصيق بالحركة، علمًا بأن الحموي «التحق بـ(القاعدة) في أفغانستان والعراق، وله تاريخ جهادي». وأوضح أن «المهاجرين تولوا واجهة الحركة وقيادتها، حيث تصدرت القرارات المتشددة المشهد، وتقلّص نفوذ المقاتلين السوريين» الذين يشكلون نحو 90 في المائة من مقاتليها. ويضيف: «الحركة تنزلق مجددًا نحو منهج التشدد الذي يمثله تنظيم القاعدة في هذا الوقت».
إزاء هذا الواقع، يراهن كثيرون على انشقاق «المعتدلين» عن التنظيم، في حال إدراج الحركة على قائمة المنظمات الإرهابية. لكن الخبير السوري المواكب لحركة الفصائل المعارضة عبد الناصر العايد، يستبعد هذا الخيار، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن وجود تيارين «مستحيل، ذلك أن نسبة المهاجرين بين المقاتلين بسيطة، بعد أن استقطب تنظيما داعش والنصرة العدد الأكبر من المقاتلين المهاجرين إلى سوريا، بوصفهم لا ينسجمون مع آيديولوجيا أحرار الشام».
ويقول: «الرهان في أحرار الشام على البعد السياسي الذي تتمتع فيه الحركة، فهي ليست حركة جهادية عابرة للحدود. كانت منذ نشأتها متشددة لكنها التزمت الحدود الوطنية ولم تطرح طروحات خارج سوريا»، مشيرًا إلى أن «الرهان على البرغماتية التي تتمتع بها، نظرًا لأنها تطمح للعب دور سياسي في المستقبل».
ويشير العايد إلى أن زعيمها أبو يحيى الحموي «هو واجهة فقط، لأن الحركة تحركها قيادة الظل»، شارحًا أن التحول الأخير الذي طرأ على منهج عملها، «يعود إلى التدخل الروسي»، ذلك أن «الحركة حاولت تنفيذ أكثر من مبادرة، لكن ظروف الحرب الروسية دفعتها للتراجع عن المواقف المرنة، واضطرت للتنسيق مع النصرة، وانسحبت من كل المبادرات منعًا لأي مزاودة على عملها».
ويضيف: «حين يكون هناك مسعى سياسيًا واضحًا، فإن الأحرار إما ستنضم إلى التسوية السياسية، وإما تحدث هناك انشقاقات غير معلنة، على غرار ما قامت به سابقًا بتشكيل حركة مثل «جيش الشام»، وتشكيل مجموعة مقاتلة صغيرة هيأتها للعمل في منطقة آمنة كان يسعى الأتراك لإنشائها، وذلك لتكون القوة التنفيذية والأمنية فيها».
ويقول العايد إن الأحرار «تكاد تكون من التنظيمات القليلة جدًا في سوريا التي استوعبت ضباطًا منشقين عن القوات النظامية وباتوا قادة فعالين، شأنها شأن الجيش السوري الحر»، مشيرًا إلى أن «معظم القياديين الميدانيين الآن، هم من السوريين، وصاروا أمراء، لكن الأهم أن الحركة تمتلك قدرة على التغير لمواكبة التطورات السياسية، وسيقود البرغماتيون المشهد في حال حصول حل في سوريا، رغم أن الظروف الآنية دفعت الراديكاليين فيها إلى الواجهة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.