في الوقت الذي يعيش فيه القطاع العقاري السعودي ضعفا في أدائه، يصاحبه انخفاض في الأسعار، يشهد تأجير المحال والمجمعات التجارية فورة عكسية في النشاط تؤهله لتزعم الحركة التجارية العقارية دون أدنى منافسة، حيث يشهد ارتفاعات غير مسبوقة وغير مبررة في الأسعار، الأمر الذي انعكس سلبا على إيجار المحال التجارية بشكل عام.
ووصلت إيجارات المحال التجارية في السعودية إلى مستويات كبيرة ومهولة خلال السنوات الماضية، خصوصا السنوات الخمس الأخيرة، التي بلغت فيها الارتفاعات أكثر من 60 في المائة، الأمر الذي اضطر على أثره بعض المستأجرين إلى رفع قيمة معروضاتهم لتعويض الفرق، أو إغلاق محالهم، وذلك لعدم قدرتهم على الاستمرار في دفع الإيجار، على الرغم من تحقيقهم مكاسب سابقة قبل رفع الأسعار.
وترجع الزيادة في إيجارات المحال التجارية والمجمعات إلى عدم وجود قانون يقيد أسعار الإيجارات، الأمر الذي أدى إلى بلوغها مستويات مرتفعة، على الرغم من حالة الركود والانخفاض التي تعيشها سائر القطاعات الأخرى التي انخفض مؤشر الأسعار فيها إلى مستويات كبيرة، لم تدفع بهذا القطاع الذي يعيش تضخما كبيرا في قيمته نحو الانخفاض أو الركود في أقل الحالات، مما جعل تأجير المحال التجارية على رأس القطاعات الأكثر ارتفاعا، خصوصا في الفترة الأخيرة التي أصبحت الأسعار تحلق فيها خارج السرب، ووصلت إلى مستويات قياسية من دون مبرر حقيقي.
وقال إبراهيم النافع، الذي يدير أحد المحال التجارية في العاصمة الرياض، إن من أكثر المشكلات التي يعانون منها في تجارتهم عدم قدرتهم على توقعات تحقيق الأرباح نتيجة ارتفاع الإيجار من دون أي سبب واضح، مضيفا أنه ومنذ 5 سنوات يرتفع الإيجار بشكل سنوي لأكثر من 15 في المائة، وأنهم على الرغم من وجودهم في الموقع نفسه منذ فتره طويلة تزيد على 16 سنة فإن الإيجار لم يرتفع منذ أن استأجروا الموقع إلا خلال السنوات الماضية، والعذر الوحيد لمالك العقار هو الارتفاع الكامل في أسعار السوق العقارية، وأن بإمكانه الخروج في حال رفض الزيادة الحاصلة، مبينا أنهم مضطرون إلى رفع أسعار البضائع لتسديد الإيجار، وأن المتضرر الرئيسي من ذلك هو المستهلك الذي يدفعها بشكل غير مباشر.
وأوضح النافع أن عدم وجود قانون يمنع زيادة الإيجار من أهم أسباب التضخم التي يعيشه القطاع العقاري منذ سنوات، فترى التدافع في رفع الأسعار بين التجار سمة رئيسية تعاني منها السوق، الأمر الذي يدفع بالتضخم التجاري بعد أن يجبر التاجر على رفع الأسعار، الذي لا يجد له حدا أو نسبة عشرية لا يمكن تجاوزها، بعكس كثير من الدول التي تقيد المؤجر بنسب عشرية بسيطة لا يمكنه تجاوزها بأي حال، وهو ما تفتقد إليه السوق السعودية.
يشار إلى أن التضخم في السوق العقارية السعودية بلغ أوجه، بعد أن أصبح العقار بمثابة السوق الآمنة والمثالية للمستثمرين، وهو الأمر الذي جعل القطاع العقاري من أكثر القطاعات تضخما وارتفاعا، ووصلت الأسعار إلى مستويات مهولة تجاوزت نطاق العرض والطلب.
وفي المقابل، أرجع فيصل الصانع، الذي يمتلك العديد من المنشآت العقارية، سبب رفع إيجارات المحلات إلى ضغوط السوق بشكل عام، وأن من يضع الأسعار هو الطلب الكبير على المحال التجارية، خصوصا الواقعة في المناطق التجارية والاقتصادية، موضحا أن المحال الواقعة على شوارع بعرض 30 مترا فما فوق ترتفع فيها الأسعار أكثر من غيرها، ويرتفع السعر كلما زاد عرض الشارع، الأمر الذي يبرز عمق الحركة النشطة لتلك المحلات.
وزاد الصانع بأن الحركة الاقتصادية في الرياض بشكل عام تختلف عنها قبل 8 سنوات، بمعنى أن هناك قوة شرائية كبيرة وحركة نشطة من تلك المحلات، تفرض عليهم مجاراتها ورفع أسعار المحال، كاشفا أن بعض التجار يعرضون على بعض الملاك عزمهم استئجار المحل المؤجر بسعر أعلى، مما يجعل المالك يخيّر المستأجر بين رفع قيمة الإيجار أو الخروج الفوري لتسليمه لتاجر آخر.
يذكر أنه لا يوجد في السعودية نظام يقيد عملية وضع أسعار العقار، مما يعني أن عملية وضع السعر أصبحت تخضع لرؤية صاحب المنشأة، وأن بعض الملاك يستغلون الفراغ القانوني برفع الأسعار وإلهاب السوق العقارية، وهي خطوة عدها المراقبون رئيسية في دفع التضخم الحاصل في القطاع العقاري السعودي.
وفي الاتجاه نفسه، بيّن عبد الله البواردي، الذي كان يمتلك أسواقا تموينية، أنه اضطر إلى إغلاقها بعد أن أصبح صاحب المنشأة يحاسبه على أرباحه عن طريق رفع الإيجار إلى مستويات مهولة وغير مقبولة. وأشار إلى أن الإيجار ارتفع لأكثر من 60 في المائة، مقسمة على 3 سنوات، وهي نسبة كبيرة لم يستطع تحملها، وبالتالي أغلق محله على الرغم من أنه وقبل إغلاق المحل كان يحصد المزيد من الأرباح.
وأضاف البواردي أن الإيجار السنوي الذي كان يدفعه عند استئجاره المحل لم يتجاوز 60 ألف ريال في محل له 4 فتحات، إلا أن مالك المنشأة ضاعف عليه الإيجار ليصل إلى 160 ألف ريال، وهو المبلغ الذي لم يستطع تسديده، مبينا أن المحل مغلق منذ أكثر من سنة ولم يستأجره أحد حتى هذه اللحظة.
وفي صلب الموضوع، أوضح علي البواردي، وهو وسيط عقاري، أن تأجير المحال التجارية في السعودية يعد من أكثر القطاعات التي تشهد زيادة في الأسعار، إذا ما قورن بالقطاعات العقارية الأخرى، وأن الوضع فيه يخضع وبشكل مباشر لميزان العرض والطلب، خصوصا المحلات الواقعة في أماكن الازدحام والنشاط العقاري، فتجد أن بعض ملاك العقارات يقومون برفع الإيجار على المستأجرين بشكل سنوي، دون أن يرفضه المستأجرون الذين يحصدون أرباحا عالية ولا تضرهم الزيادة التي يفرضها مالك المنشأة.
وقال البواردي إن «قبول الأغلبية بالزيادة هو السبب الرئيسي في دفع ملاك العقار إلى الزيادة الدورية»، موضحا أن أصحاب المحال يفسد بعضهم بعضا بعرضهم استئجار بعض المحلات المؤجرة بسعر أعلى، أو قبولهم الزيادة دون مناقشة صاحب المنشأة، وهو الأمر الذي حوّل عملية رفع الأسعار إلى عملية مزاجية من قبل مالك المنشأة العقارية.
يشار إلى أن القطاع العقاري السعودي يسير نحو خطة حكومية للسيطرة على الأسعار وعودتها إلى طبيعتها، إلا أن التركيز ينصب بشكل كبير على قطاع الإيواء والسكان عن طريق الأراضي التي يعتبرها الخبراء منبع ارتفاع أسعار العقار، إلا أن التوجه نحو ضبط أسعار المنشآت التجارية لم يتغير، الأمر الذي أهل تأجير المحال التجارية لتصدر القطاعات العقارية التي تسير نحو الارتفاع.
السعودية: تأجير المحال التجارية.. قطاع وحيد يسبح عكس تيار انخفاض الأسعار
عقاريون: افتقاد السوق لقوانين تضبط إيقاع الأسعار انعكس على ارتفاعها
السعودية: تأجير المحال التجارية.. قطاع وحيد يسبح عكس تيار انخفاض الأسعار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة