مهرجان دبي يجمع أعمالاً مهمّة للدورة المقبلة

ما زال على قمة مهرجانات السينما العربية

لقطة من فيلم دانيال عربيد «الباريسية»
لقطة من فيلم دانيال عربيد «الباريسية»
TT

مهرجان دبي يجمع أعمالاً مهمّة للدورة المقبلة

لقطة من فيلم دانيال عربيد «الباريسية»
لقطة من فيلم دانيال عربيد «الباريسية»

عندما نال المخرج المغربي اللامع حكيم بلعبّاس جائزة أفضل سيناريو عن فيلمه «شي غادي وشي جاي»، في دورة عام 2011 من مهرجان دبي السينمائي، لم يستطع إلا وأن يبدي تعجّبه فقال ما مفاده أنه كان يعتقد أن السيناريو هو أضعف ما في فيلمه.
الجواب على ذلك يتوقّف على مدى إلمام بعض أعضاء لجان التحكيم في أي مهرجان وتحبيذ بعضهم الآخر مع قلّة من تلك التي تستطيع القراءة بين السطور.
لكن فوز بلعبّاس، الذي ما زال يبهر المشاهدين بأعمال متميّزة كتابة وإخراجًا وكانتقاء لمواضيعها، عائد هذا العام إلى مهرجان دبي في دورته الثانية عشرة التي تنطلق من التاسع وحتى السادس عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
يمثل بلعبّاس جيلاً جديدًا ومستقلاً من مخرجي السينما المغربية، كذلك يفعل هشام العسري الذي يعاود حضور مسابقة المهر العربية بفيلمه الجديد «جوّع كلبك» الذي يروي قصة خروج سياسي سابق وذي نفوذ من مخبئه، ليعترف بجرائمه في استوديو مهجور، وفي الوقت نفسه تعتزم مخرجة سينمائية معتزلة العودة إلى الأضواء، من خلال هذه المقابلة.
وهو ليس وحيدًا في عودته بالطبع بل هناك مخرجون عرب كثيرون عائدون إلى المهرجان الذي تبوأ سدّة المهرجانات العربية وما زال. المخرجة الفلسطينية التي تعيش في لبنان مي المصري ستعرض أول فيلم روائي طويل لها وعنوانه «3 آلاف ليلة» الذي عرضته في مهرجان تورنتو السينمائي ونالت عنه ثناء ملحوظًا. والمصري اشتهرت، منذ سبعينات القرن الماضي، بأفلامها التسجيلية ذات المواضيع السياسية. السياسة ستبقى في فيلمها الجديد لكن الروائي سيحل محل التسجيلي.
وتعرض المخرجة اللبنانية نورا كيفوركيان فيلمها «23 كيلومتر» الذي يتناول الفيلم حكاية رجل أرمني يدعى باركيف، يعاني من مرض «الرعاش» (باركنسون)، في مرحلة متقدمة، ويقوم برحلته الأخيرة على طريق بيروت - دمشق: مدينتان متلازمتان، شهدت الأولى حروبها وتتعلق الثانية بأهداب الحياة كما تعيشها اليوم.
كذلك تعود المخرجة اللبنانية دانيال عربيدة لتقدم فيلمها الجديد «باريسية» (عرض أيضًا في مهرجان تورنتو الأخير). هي المخرجة التي أحدث فيلمها الأسبق «معارك حب» (2004) وهجًا كبيرًا في المهرجانات التي عرض فيها لتتبعه بـ«رجل ضائع» (2007) وبفيلم آخر عن بيروت وتناقضاتها «بيروت بالليل». أحداث فيلمها الجديد تقع في تسعينات القرن الماضي، عندما تهرب الفتاة الشابة لينا من جحيم الحرب الأهلية في لبنان إلى باريس، لتعاني من الوحدة والضياع، وعلى رغم ذلك تكافح في سبيل الحصول على ما يمكن أن يشجعها على المضي قُدمًا في الحياة.
الوجود العراقي ملحوظ أيضًا في برمجة مهرجان هذه السنة وتم الإعلان عن فيلم عراقي واحد حتى الآن في المسابقة وهو «كلاسيكو» لهالكوت مصطفى وتدور أحداث فيلمه هذا في شمال العراق، ويتناول قصة فريدة عن تفاؤل الشباب، إذ يقرر أخوَان شابان القيام برحلة محفوفة بالمخاطر، ومغادرة وطنهما من أجل لفت انتباه نجم الكرة العالمي كريستيانو رونالدو (موضوع شبيه بفيلم كردي آخر مر على شاشة المهرجانات العربية قبل أعوام قليلة).
وينضم الفيلم الجزائري «حكاية الليالي السود» لسالم الإبراهيمي إلى مسابقة الدورة الجديدة وفيه يتحدث عما يسميه الفيلم بـ«الشيوعية الأصولية» متناولاً الخسائر الكبيرة التي تخلفها الفوضى السياسية، حتى ضمن البيت الواحد.

تسليط أضواء
المكانة التي احتلها مهرجان دبي السينمائي بالنسبة للسينما العربية لا تزال الدافع الذي من أجله يتوجه المخرجون والسينمائيون العرب عائدين إليه. في الواقع، ومع غياب البديل الذي مثّله مهرجان أبوظبي الذي توقفت أعماله بدءًا من هذه السنة، ومع غياب أي بديل قوي آخر في المنطقة العربية، ما زال مهرجان دبي السينمائي الدولي الفعل الأول بالنسبة لعروض السينما العربية.
لكن إذ ينطلق مهرجان قرطاج السينمائي في تونس محاولاً، كما في السنوات القليلة الماضية، استعادة موقعه المهم الذي احتله في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وبينما يحضّر مهرجان القاهرة لما يبدو أهم دوراته قاطبة تحت إدارته الجديدة، يواجه «دبي» بعض المنافسة المحدودة حاليًا من هذين المهرجانين. ليست المنافسة المقلقة بالطبع ولا تلك الساخنة، بل تلك الكافية، خصوصًا إذا ما نجحت مساعي مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام، لتقديم نفسها بديلا صالحا للسينمات العربية.
هذا الطرح قد لا يقع في العام المقبل أو الذي يليه على نحو كامل. يتوقف ذلك على نجاح المبادرات الأخرى، لكن حتى ولو وقع فإن ما بناه مهرجان دبي في أعوامه الاثنا عشر، ثم أعوامه العشرة الأخيرة تحديدًا، من مكانة وحضور بات من الصعب زعزعته بأي عوامل خارجية.
عبر هذا التاريخ عرض المهرجان سيلاً كبيرًا من الأفلام العربية قصيرة وطويلة، روائية وتسجيلية. مرّ على شاشاته أعمال مخرجين معروفين وجدد على حد سواء. اكتشف أحيانا وأعاد تسليط الضوء أحيانا أخرى. وباختصار، فعّل مستوى المهرجانات السينمائية العربية ونقلها عمليًا إلى القرن الواحد والعشرين.
كل هذا صعب تغييره أو تجاوزه إلا إذا ما توفرت عوامل داخلية في الأساس. كما هو الحال الآن، هناك شكاوى كثيرة لأصحاب أفلام أرسلوها أو آخرين يعتبرون أن المهرجان يحاربهم من دون مبرر أو سبب. وفي حين أن المؤكد وجود كثيرين يعتبرون رفض المهرجان لأفلامهم ليست واجبة، في حين أن المحتمل كثيرًا أن يكون مستوى هذه الأفلام هو المشكلة، إلا أن البعض بات يتساءل عن غياب منهج واضح في عملية الانتقاء ولماذا هي متروكة بين يدي خبرات قليلة لا يزيد عدد أفرادها عن عدد أصابع اليد الواحدة.
رد أحد كبار مسؤوليه هو أنه لا يوجد قرار فردي في نهاية الأمر إذ إن هذا العدد المحدود (موظفين ومتعاونين دائمين) كاف لتوزيع المهام المنوطة بهم. وأن هؤلاء لديهم من الاستقلالية والمعرفة ما يجعل اختياراتهم وثيقة وموثوقة في الوقت ذاته. كذلك لم تعد الميزانية تسمح بتعيين لجنة اختيار كحال المهرجانات الكبيرة الأخرى. صحيح أن المهرجان لا يعاني ضائقة مالية، إلا أن عليه توفير الطاقة لما يراه مناسبًا وأكثر جدوى.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.