يأتي فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالانتخابات البرلمانية انتصارًا سياسيا داخل الجمهورية التركية؛ إلا أن الاقتصاد التركي ما زال يواجه الكثير من المشاكل الهيكلية التي تضاعفت مع محاولات الحكومة التركية لبناء ثقة المستثمرين وتنشيط الإصلاحات في بيئة تتسم بعدم الاستقرار.
ويرى محللون أن اقتراب حزب العدالة والتنمية من 50 في المائة من الأصوات أعطاه أغلبية واضحة في البرلمان، علاوة على خفض المخاطر السياسية بشكل عام؛ إلا أن هناك تخوفات من سوء الأوضاع الاقتصادية الذي يلقي بظلاله على الأسواق الناشئة بصورة واسعة.
وبالفعل قد ظهرت هذه التحديات خلال انتخابات يونيو (حزيران) الماضي، حيث انخفض سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار إلى أرقام قياسية، ليصل سعر الليرة إلى 0.343 دولار بنهاية أكتوبر (تشرين الأول)، ويستمر القلق للحفاظ على سياسات البنك المركزي في ظل ارتفاع نسب التضخم التي وصلت إلى 8.9 في المائة في النصف الأول من العام الحالي؛ وفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر في يونيو الماضي. وبحسب محللين، فإن المخاوف قد تفاقمت، خاصة مع ازدياد الضغط على الشركات والاستثمار المحلي الذي يمثل المساعد الأول للاقتصاد التركي.
وتساءل مراقبون عن مدى قدرة حزب العدالة والتنمية في الاستمرار على دفع الإصلاحات الاقتصادية وزيادة الإنتاج والطلب المحلي تمهيدًا لزيادة الصادرات، ومنها إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي. ويجيب عن هذا التساؤل د. فؤاد شاكر، الأمين العام السابق لاتحاد المصارف العربية، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قادر على تحقيق الإصلاحات الاقتصادية على المدى القصير. إلا أن التحول إلى نظام رئاسي وتغيير الدستور يضيفان ضغوطا اقتصادية تتمثل في المواءمة بين طموح الرئيس رجب طيب إردوغان السياسي وبين المصلحة الاقتصادية».
ويبلغ متوسط النمو الاقتصادي التركي بين عامي 2011 و2015 نسبة 3.1 في المائة، وبلغ نصيب العجز في الحساب الحالي (تعاظم المدفوعات مقابل المصروفات) في الناتج المحلي الإجمالي نسبة 6.3 في المائة في الفترة نفسها؛ مما اضطر تركيا للاقتراض أكثر من مرة للحد من تلك الفجوة. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك الكثير من المشكلات الهيكلية، كارتفاع معدل البطالة الذي وصل إلى 10 في المائة في النصف الأول من العام الحالي، واتهامات المعارضين بالفساد، وارتفاع معدلات التضخم.. وكلها مشكلات تمثل «صداعا» للاقتصاد التركي والحكومة المقبلة.
ووفقا لتقرير وكالة التصنيف الائتماني «موديز» الصادر قبل أيام قليلة، فإن فوز حزب العدالة والتنمية خفض على «المستوى القريب» حالة عدم اليقين السياسي، إلا أن هناك تخوفا على نوعية الائتمان السيادي، واستراتيجيات مكافحة معدلات النمو والتضخم المرتفع وتدفقات رأس المال المتقلبة. وقالت «موديز» إن البنوك التركية لا تزال تواجه العزوف عن المخاطرة في الأسواق الناشئة، إضافة لارتفاع المخاطر الجيوسياسية.
ويرى الأمين السابق لاتحاد المصارف العربية، أن «الحكومة التركية ستعي تخوفات المخاطرة بالأسواق الناشئة، فقد اعتادت على التعامل في مثل تلك الأسواق في الشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة القوقاز»، موضحا أن «إدارة الاقتصاد التركي على المدى القصير تمثل مصدرًا آخر للتوتر على مستقبل المستثمرين وتدفقات رأس المال، فالكثير من الأنظار تتجه الآن للحزب لانتظار إعلان ما تنويه الحكومة الجديدة، وهو ما سيشكل حرص المستثمرين على معرفة ما إذا كان الرئيس إردوغان سيعطي مساحة للبنك المركزي، أم سيتم استئناف دعوات انخفاض سعر الفائدة.. كون البنك المركزي هو الداعم لقوة البنوك العاملة بالسوق التركي».
وتزامنا مع ارتفاع الأصول التركية بعد فوز الحزب ذي الخلفية الإسلامية، فقد صعدت الليرة مقابل الدولار خلال الأيام القليلة الماضية، حيث وصل سعر الصرف أول من أمس الاثنين إلى 0.354، ارتفاعا من 0.343 في نهاية أكتوبر.
كما صعد مؤشر بورصة إسطنبول في بداية الشهر ما يقرب من 5 في المائة، وهو أعلى مستوى للمؤشر منذ يوليو (تموز)، وأكبر قفزة في يوم واحد منذ عامين.
وبحسب الخبير الاقتصادي أسامة عبد الخالق، فإن الاضطراب السياسي قد أفقد تركيا ثقة رأس المال الأجنبي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن ذلك يعني أنه «إذا لم تجد الحكومة الجديدة وسيلة لمعالجة التوترات الاجتماعية، فإن المتضرر الأول هو المواطن التركي من تراجع المؤشرات الاقتصادية».
وأضاف عبد الخالق أن مفتاح المستثمرين هو أن يجدوا أي إشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية سيقوم باستراتيجيات اقتصادية، محاولا بذلك اكتساب الثقة مجددا، مؤكدا أن «أهم هذه الخطوات هي تعزيز استقلالية البنك المركزي».
«العدالة والتنمية» يواجه اختبار التحديات الاقتصادية بعد تخطي الانتخابات التركية
خبراء لـ («الشرق الأوسط»): مفاتيح الحل في استقلال {المركزي} وعودة ثقة المستثمرين
«العدالة والتنمية» يواجه اختبار التحديات الاقتصادية بعد تخطي الانتخابات التركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة