تركيا تعود إلى حضن «العدالة والتنمية» بعد مغامرة فاشلة دامت 5 أشهر

القوميون خسروا نصف مقاعدهم.. والأكراد على حافة الحاجز النسبي

أنصار حزب العدالة والتنمية يحتفلون يتقدم حزبهم في الانتخابات البرلمانية يمقر الحزب في أنقرة أمس (رويترز)
أنصار حزب العدالة والتنمية يحتفلون يتقدم حزبهم في الانتخابات البرلمانية يمقر الحزب في أنقرة أمس (رويترز)
TT

تركيا تعود إلى حضن «العدالة والتنمية» بعد مغامرة فاشلة دامت 5 أشهر

أنصار حزب العدالة والتنمية يحتفلون يتقدم حزبهم في الانتخابات البرلمانية يمقر الحزب في أنقرة أمس (رويترز)
أنصار حزب العدالة والتنمية يحتفلون يتقدم حزبهم في الانتخابات البرلمانية يمقر الحزب في أنقرة أمس (رويترز)

عادت تركيا إلى حضن حزب العدالة والتنمية بعد مغامرة استمرت أقل من خمسة أشهر، عاشت فيها البلاد أسوأ أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية. وأظهرت النتائج شبه النهائية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت أمس في البلاد، استعادة الحزب الحاكم للأغلبية التي يحتاجها لتأليف الحكومة، مع حصوله على قرابة نصف أصوات الناخبين، مما سيعطيه أكثر بكثير من المقاعد المطلوبة لتأليف الحكومة (276 مقعدا).
وأظهرت النتائج الأولية لفرز الأصوات حصول الحزب الحاكم على قرابة 49 في المائة من الأصوات بتقدم كبير عن الانتخابات السابقة التي حصل فيها على 40.7 في المائة من الأصوات. وبينما تقدم حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري قرابة نقطة واحدة، كان حزبا الحركة القومية، والشعوب الديمقراطي أكبر الخاسرين، بتراجع الأول أكثر من أربع نقاط وخسارته قرابة نصف عدد المقاعد التي نالها في الانتخابات السابقة قبل خمسة أشهر. أما الحزب الكردي، فقد أفلت بصعوبة من الإقصاء التام بحصوله على نحو 10.3 في المائة من الأصوات، بتراجع نحو 3 نقاط، أي بفارق ضئيل عن نسبة العشرة في المائة التي تسمح بدخوله البرلمان. علما أن نزوله تحت هذه النسبة كان سيعني فوزا كاسحا لحزب العدالة ويعطيه القدرة على تعديل الدستور أو طرحه على الاستفتاء على الأقل.
وبينت الأرقام الأولية حصول العدالة والتنمية على 316 مقعدا (258 في الانتخابات السابقة)، وحزب الشعب الجمهوري 134 (132 في انتخابات يونيو (حزيران) وحزب الحركة القومية على 41 مقعدا (80 في الانتخابات السابقة) وحزب الشعوب الديمقراطي على 59 مقعدا (80 في الانتخابات السابقة).
وتظهر هذه الأرقام أن حزب العدالة والتنمية استعاد الأكراد المحافظين الذين كانوا يصوتون تقليديا له قبل أن يتخلوا عنه في الانتخابات السابقة. وزاد الحزب 2.7 مليون ناخب جديد إلى حصته من الناخبين الأتراك في عموم تركيا، كما استقطب أصواتا كثيرة من الحركة القومية التي شهدت انشقاقات كثيرة قبل الانتخابات حيث غادره العشرات من القياديين إلى الحزب الحاكم وعلى رأسهم نجل مؤسس الحزب. وقد نال حزب الحركة القومية مقاعد أقل من مقاعد الأكراد، على الرغم من أنه يتقدم عليهم بفارق نقطتين، ويعود ذلك إلى النظام الانتخابي، وإلى تركيز الأكراد بشكل أساسي على المناطق ذات الغالبية الكردية، بينما كانت أصوات الحركة القومية موزعة على كامل الأراضي التركية.
وشهدت الانتخابات مفارقات أيضا، منها سقوط بعض قلاع حزب الشعب الجمهوري في يد حزب العدالة والتنمية، حيث فاز الحزب الحاكم بأنطاليا ومرسين، كما فاز في إحدى دوائر أزمير، وهي مناطق تؤيد تقليديا الشعب الجمهوري، الذي يتركز وجوده على سواحل بحر إيجه، بينما يسيطر حزب العدالة والتنمية على مناطق وسط البلاد بشكل كامل، بينما يسيطر الأكراد على المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد.
ويبدو أن الأتراك اختاروا الاستقرار السياسي الذي طبع عهد العدالة والتنمية في السنوات السابقة منذ توليه الحكم عام 2002، بينما كانت الأشهر الخمسة الماضية التي تلت الانتخابات حافلة بالتطورات السلبية إذ انفجر الصراع المسلح مع الأكراد مرة أخرى، مما أدى إلى مقتل قرابة ألف شخص، كما شهدت البلاد تراجعا حادا في قوة العملة الوطنية، وشهدت أيضا اضطرابا سياسيا تمثل في عدم قدرة الأحزاب تشكيل حكومة ائتلافية، بسبب التناقضات الكبيرة في البرامج بين أحزاب المعارضة مع الحزب الحاكم، كما في التناقضات الكبيرة بين أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على تأليف حكومة والاجتماع على برنامج واحد. وبعد تيقنه من الفوز، كتب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تغريدة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يقول فيها «الحمد لله». وأمام حشد كبير من أنصاره في مسقط رأسه قونيا، وصف داود أوغلو نتائج الانتخابات العامة بأنها نصر للديمقراطية. وقال: «اليوم هو نصر لديمقراطيتنا وشعبنا (...) اليوم هو يوم انتصار»، مضيفا أن «الانتصار هو ملك الشعب». وتابع في إشارة إلى الانتخابات العامة بعد أربعة أعوام: «نأمل أن نخدمكم جيدا على مدى السنوات الأربع القادمة، وأن نقف أمامكم مرة ثانية عام 2019».
وشارك أكثر من 45 مليون تركي في الانتخابات التي سادتها عموما أجواء هادئة نسبيا، حيث لم يسجل وقوع خروقات أمنية كبيرة، كما لم تحصل شكاوى كبيرة من المرشحين للانتخابات. غير أنه بعد وقت قليل من إعلان النتائج غير الرسمية، اندلعت مواجهات بين الشرطة وناشطين أكراد في ديار بكر مساء. وبدأت الحوادث قرب مقر حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. وأحرق عشرات الشبان الإطارات وأطلق متظاهرون الرصاص في الهواء، بينما قال أحدهم «ستندلع الحرب إذا بقي حزب الشعب الديمقراطي دون عتبة العشرة في المائة. لقد سرقوا أصواتنا». وتدخلت شرطة مكافحة الشغب مستخدمة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق الجمع في اتجاه الشوارع المجاورة.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».