تشهد تركيا الأحد المقبل جولة ثانية من الانتخابات البرلمانية خلال 5 أشهر في محاولة جديدة من الحزب الحاكم للعودة إلى السلطة منفردا، بعدما أفقدته انتخابات السابع من يونيو (حزيران) الماضي أغلبيته البرلمانية، لكن هذه الانتخابات قد لا تكون الأخيرة، إذ يتوقع معارضون أتراك أن يعمد الرئيس رجب طيب إردوغان إلى تكرار «السيناريو» نفسه ما بعد الانتخابات إذا ما أتت النتائج مشابهة لنتائج انتخابات يونيو، كما ينبئ كثير من استطلاعات الرأي، ما سيعني انتخابات مبكرة جديدة ستكون الثالثة في أقل من سنة.
وكان فشل أحزاب المعارضة التركية في تشكيل ائتلاف قوي في ما بينها، نتيجة التباينات التاريخية بين أطرافها، وتحديدا الأكراد والقوميين، قد دفع البلاد إلى هذا السيناريو، لكن يبدو أن سيناريو جديدا قد بدأ بالظهور مؤخرا، وهو نشوء حزب خامس داخل البرلمان يتكون من المنشقين عن حزب العدالة والتنمية – إذا ما فشل الأخير في إحراز الأكثرية اللازمة لتشكيل الحكومة – بحيث ينضم هؤلاء إلى حزبي المعارضة الرئيسيين، الشعب الجمهوري والحركة القومية لتشكيل حكومة ائتلافية.
تدل نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، وما قبلها من تجارب انتخابية كالانتخابات الرئاسية والبلدية والاستفتاءات، على أن الشارع التركي رسم حدوده الداخلية، إذ إن تبادل الأصوات بين الأحزاب السياسية بات في حدوده الدنيا، في دلالة على مدى قوة الاستقطاب القائم في البلاد، منذ صعود نجم حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى السلطة في عام 2002، وحتى اليوم. فالناخبون الأتراك حسموا خياراتهم الانتخابية، وهم يمارسونها بقواعد مختلفة عن تلك المعتمدة في الدول الديمقراطية، حيث يؤثر أداء هذه الأحزاب على نتائجها الانتخابية. فالناخب المحافظ المؤيد لحزب العدالة والتنمية، مثلا لم يتأثر بكل الضجة التي أثيرت حول «فساد» الطبقة الحاكمة، ولم يعر أي اهتمام لتسجيلات مسربة، قيل إنها تعود إلى إردوغان ونجله بلال يتحادثان في أحدها عن ضرورة التخلص من أموال موجودة لدى صاحب الصوت الذي يفترض أن يكون بلال، بل على العكس، فقد ارتفعت أصوات إردوغان ليحصل على 50 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، حتى إن سقوط الحزب الحاكم في الانتخابات الأخيرة لم يكن ناجما عن تراجع دراماتيكي في أصواته، فهو نال نحو 41 في المائة من الأصوات، وهو كان قد حكم البلاد في عام 2002 بـ34 في المائة فقط، بل نجم عن قانون الانتخابات التركي الذي يوزّع الأصوات بطريقة سمحت للأكراد الذين اجتازوا عتبة الـ10 في المائة بالحصول على 80 نائبا، بعدما كانوا لسنوات طويلة يفضلون الترشح منفردين وتشكيل كتلة برلمانية في وقت لاحق، وكانوا بذلك يخسرون مقاعد كثيرة لعدم تجرُّئِهم على الترشح كحزب خوفا من حاجز الـ10 في المائة الذي يفرضه القانون التركي لدخول البرلمان.
وبات واضحا أن الشارع التركي ينقسم بين الأحزاب المتمثلة في البرلمان، حيث يحظى حزب العدالة والتنمية الحاكم بتأييد مطلق من الشارع المحافظ المتدين في البلاد، في حين يصوت اليساريون بشكل أساسي لحزب الشعب الجمهوري، الذي يحمل شعار العلمانية الأتاتوركية ومعظم مؤيديه هم من «العلويين» (أي من الجماعات الإسلامية من غير أهل السنة)، بينما يصوت القوميّون المتشددون لحزب الحركة القومية، ويختصر حزب «ديمقراطية الشعوب» تمثيل الشارع الكردي.
البروفسور مظهر باغللي، عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، رأى أن النتائج في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) «لن تختلف كثيرا عن نتائج السابع من يونيو بالنسبة للأحزاب الكبيرة كالعدالة والتنمية والشعب الجمهوري، فقط ستنخفض أصوات حزب ديمقراطية الشعوب لأنهم حازوا على تأييد اليساريين والاشتراكين وبعض الديمقراطيين الذين أردوا أن يدخلوا الأكراد في عراك السياسة التركية لحل المعضلة الكردية بالطرق السلمية والعادلة. ولكن، مع الأسف، بعد أن حصل (ديمقراطية الشعوب) على 13 في المائة ودخل البرلمان، فإنه بدلا من أن يسيّس الأكراد تحول إلى حزب لتعنيف الأكراد. ولهذا حسب استطلاعات الرأي سيعزف كثير من الأكراد الذين منحوا صوتهم لديمقراطية الشعوب وسيصوتون للأحزاب الأخرى».
واستغرب باغللي الشائعات عن أن العدالة تستفيد من نشر الذعر والإرهاب في البلاد، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن حزب «العدالة والتنمية تضرر وسيتضرر كثيرا من تفجيرات أنقرة التي حصلت قبل أسبوعين، لأن المعارضة تحمّل الحكومة والعدالة والتنمية مسؤولية التفجيرات بحجة أنها لم تأخذ الاحتياطات اللازمة، وهي المسؤولة عن أمن وسلامة المواطن أينما وجد، ولهذا فالتفجيرات ستؤثر سلبيا على نتائج الانتخابات ولن تكون لصالح العدالة والتنمية».
كذلك توقع النائب التركي أن يقف «العدالة والتنمية» في هذه الانتخابات على الصراط المستقيم، فإما أن يتعدى الـ276 عضوا أو يبقى أقل منها بـ3 أو 4 نواب، معتبرا أن الحزب سيحصل على 41 في المائة من الأصوات، إلا أنه أشار إلى أنه في حالة عجز الحزب عن تخطي حاجز الـ276 نائبًا أو الحصول على 276 نائبا فإنه سيشكل حكومة مع الشعب الجمهوري مباشرة ومن دون أي تردد، بل هو مجبر على هذا من أجل مصلحة البلاد. وحسب ما يجول داخل الحزب فإنه من المستحيل أن يشكل العدالة ائتلافا مع حزب الحركة القومية لأنه لا توجد أي أرضية مشتركة بين الحزبين الآن في برامجهم السياسية». وأضاف باغللي: «في حالة إخفاق إدارة الحزب في تحقيق أي نجاح في رفع نسبة الأصوات والعجز عن تشكيل حكومة ائتلاف فإن التذمر سيبدأ داخل الحزب، لكنني لست مع الفكرة القائلة بأنه سيخرج حزب آخر من داخل العدالة، لأن الحزب سيقوم بإعادة تشكيل نفسه من جديد، أي بتغيير الإدارة والقائمين على الحزب».
من جهة أخرى، يقول الدكتور مراد يانيك، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة إسطنبول، إنه «في كل انتخابات تجري في تركيا يوجد عدة مؤثرات في نتائجها»، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن من أكثر ما أثر في نتائج الانتخابات الماضية في يونيو الماضي كان الجو السياسي في البلاد، في إشارة إلى المعركة مع جماعة الداعية فتح الله غولن «التي أسفرت عن اعتقال وتسريح المئات من القضاة ومدعي النيابة ورجال الشرطة». وأردف أن ذلك ما عرف بـ«فضيحة الفساد والرشوة التي تسبب في استقالة 4 وزراء عام 2013 وردت أسماء أبنائهم في هذه الفضيحة، والحديث عن تورط رجال أعمال مقربين من إردوغان وإدراج اسم ابنه بلال في الشائعات أيضا، وهو ما كان له تأثير كبير في انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية».
أما أونال طانق، رئيس تحرير موقع «روتا خبر» الإلكتروني، فقد رأى أن «المؤثر الفعال والوحيد في نتائج الانتخابات القادمة هو الإرهاب ثم الإرهاب ثم الإرهاب». وتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «بدأ هذا بتفجيرات بلدة سروج بين الشباب الذي ذهب ضحيتها 35 شابًا». وأشار إلى مقالة نشرها في شهر أبريل (نيسان) الماضي وركز فيها على أن العدالة والتنمية «يفقد تأييد الشارع، ولهذا فإنهم في حالة فقدهم للسلطة سيلجأون إلى معاقبة وتأديب الشارع بطريقتين، الأولى الإرهاب. وإذا لم تجدِ نفعا فإنهم سيستخدمون مطرقة الاقتصاد، أي افتعال أزمة اقتصادية، لكنهم اليوم فقط يستخدمون ورقة الإرهاب ولم يحتاجوا إلى ورقة الاقتصاد. والسبب أنه يمكن أن تبدأ أزمة اقتصادية في البلاد ولكن لا يمكن أن تتحكم في نتائجها أو متى يمكن ان توقفها».
ورأى طانق - المناوئ للعدالة والتنمية - أن مسؤولي الحزب «استطاعوا أن ينجحوا في توصيل الرسالة للناخب بأنه إذا لم أستطع أن أحكم البلاد وحدي فإن الإرهاب سيعم جميع أنحاء البلاد، ولهذا سيشهد الأول من نوفمبر عودة العدالة والتنمية إلى السلطة من جديد، ومن الممكن أن يستطيع إدخال ما يقارب 300 عضو إلى البرلمان، وهو عدد كاف جدا لتشكيل حكومة وحده».
أما رئيس جمعية الصحافيين الحضارية أحمد اباكاي فقد توقع حدوث انشقاق في الحزب الحاكم إذا لم يحصل على الأكثرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» شارحًا: «يوجد توجهات يتزعمها بولاند أرينج وبعض المتمثلين في العدالة بتعليمات من (الرئيس السابق للجمهورية) عبد الله غُل بأن يحدث انشقاق في الحزب إذا لم يستطع الحصول على عدد نواب يخوّله تأليف الحكومة وحده، أو إذا لم يستطع تشكيل حكومة ائتلاف مع الأحزاب الأخرى. وهكذا سيعلن ما يقارب الـ30 عضو انشقاقهم عن الحكومة والاشتراك مع حزب الشعب الجمهوري وديمقراطية الشعوب لتشكيل حكومة ائتلاف قوية»، معتبرا أن هذا سيعني نشؤ حزب خامس داخل البرلمان بعد الانتخابات.
ومن جانبه، يرى مفيد يوكسال الكاتب في جريدة «يني شفق» أن «العامل المؤثر والفعال في انتخابات الأول من نوفمبر سيكون المعضلة الكردية والوضع في سوريا.. إنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بعضهما ببعض ويجمعهما شيء واحد هو الإرهاب». وخلال حديث مع «الشرق الأوسط» قال يوكسال إن «الأكراد هم الآن الذين يمتلكوا زمام الأمور في تقرير من سيترأس الحكومة المقبلة أو من سيتصدر الانتخابات. فقبل شهر انخفضت أصوات حزب ديمقراطية الشعوب بدرجتين مئويتين، ولكن بعد أن قامت قوات الأمن بعمليات عسكرية في جنوب وجنوب شرقي البلاد كانت هناك عمليات ردود فعل واستياء كبير جدا من قبل الأهالي على هذه التصرفات، ما حدا بالشارع الكردي سواء في الشرق أو الغرب بالعودة للتصويت لصالح حزب ديمقراطية الشعوب، والاستطلاعات تشير إلى أنه استعاد، بل تعدى النسبة التي حصل عليها في يونيو».
أما بالنسبة إلى الوضع السوري وكيف سيؤثر على نتائج الانتخابات فحسب، فرأى يوكسال أنه «إذا قبلت حكومة العدالة والتنمية بالمرحلة الانتقالية في سوريا ووقف إطلاق النار وبدء عودة المهجرين في تركيا إلى أراضيهم في سوريا، فإن هذه الخطوة ستنعكس إيجابيا على الأصوات التي سيحصل عليها العدالة والتنمية، وسيغلق الباب أمام المعارضة التي تتهمه بأنه عمل على استمرار الحرب في سوريا ما سيترتب علية موجات من الهجرة الجديدة».
وتوقع يوكسال أنه في حالة عجز العدالة والتنمية عن تعدي حاجز الـ276 عضوا فإن الحزب سيكون مضطرًا لتشكيل حكومة ائتلاف، وسيقوم بتغيير جميع كوادره الريادية بما فيها زعيم الحزب»، لكنه رأى أن هذا لا يعني وجود انقسامات في الحزب الذي سيعيد بناء نفسه من جديد».
الانتخابات التركية: حكومة معارضة أو انتخابات ثالثة
المعارضة تتوقع إقدام إردوغان على حل البرلمان الجديد إذا تكررت نتائج الربيع الفائت
الانتخابات التركية: حكومة معارضة أو انتخابات ثالثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة