حذرت الولايات المتحدة الأميركية، أمس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من فكرته حول سحب الإقامة من عشرات ألوف الفلسطينيين سكان القدس الشرقية الذين يعيشون وراء الجدار.
وقال الناطق بلسان الخارجية الأميركية جون كيربي: «إذا صح هذا القول فإنه، بالتأكيد، يعتبر مصدر قلق بالنسبة لنا». وأوضح الناطق بلسان البيت الأبيض جوش إرنست أنه، حسب ما يعرفه، فإن «إسرائيل لا تنوي القيام بخطوة كهذه بشكل فعلي، لكنها إذا أقدمت على خطوة كهذه «فسيشكل ذلك مصدر قلق بالنسبة لنا».
وكان نتنياهو أعلن صراحة نيته سحب بطاقات الإقامة من نحو ربع سكان القدس الشرقية المحتلة، وإخراجهم من مسؤولية إسرائيل الفعلية، ليحقق بذلك حلما قديما بدأ بتطبيقه عندما تسلم رئاسة الحكومة أول مرة سنة 1996، بغية تقليص عدد العرب في المدينة. ويطرحه اليوم في إطار ما سماه «الإجراءات الضرورية لمعاقبة من يمس بسيادة إسرائيل وأمن سكانها». لكن حلفاءه في اليمين يخشون من أن يكون بداية لتقسيم القدس رسميا.
وقد رد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، على ذلك متهما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بممارسة «التطهير العرقي». ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المسؤول الفلسطيني قوله لإذاعة «موطني» المحلية في رام الله، إن «تفكير ودراسة نتنياهو إلغاء إقامة الفلسطينيين في القدس الساكنين خلف الجدار الفاصل يمثل تطهيرا عرقيا». ووصف الخطوة الإسرائيلية بـ«الجريمة المخالفة للقوانين والمواثيق الدولية كافة»، محملا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن تداعياتها. وشدد على أن «تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية».
وكان نتنياهو أدلى بتصريحه هذا في جلسة الحكومة الإسرائيلية العادية، الأحد الماضي، وتبين أنه كان قد طرحه أول مرة، بشكل صريح، أثناء جلسة للحكومة عقدت قبل أسبوعين. فقال يومها إنه «يفحص إمكانية سحب الإقامة التي تمنحها السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين لأهالي القدس الشرقية والقرى المحيطة بها بدوافع أمنية»، وفقا لما أورده مصدر في ديوان نتنياهو. وقد كرس الاجتماع يومها لمناقشة تصاعد العنف في القدس الشرقية. وقال نتنياهو إنه ينبغي النظر في إمكانية إلغاء الإقامة الممنوحة للفلسطينيين في القرى خارج الجدار الفاصل حول القدس. ودعا إلى عقد اجتماع منفصل لمناقشة هذه المسألة. ونقل مسؤولون في ديوان رئيس الوزراء عن نتنياهو أنه قال خلال اجتماع لمجلس الوزراء إن «فلسطينيي تلك القرى لا يوفون بواجباتهم كبقية السكان الإسرائيليين، ولذلك فلا ينبغي أن يتمتعوا بالحقوق التي تمنحها دولة إسرائيل لسكانها».
وقال مصدر حضر الجلسة المذكورة لموقع «واي نت» العبري، أمس، إن عددا من الوزراء الحاضرين فوجئوا بتصريحات نتنياهو، ولكنهم لم يناقشوه. إذ ارتبكوا كيف يتعاطون مع الموضوع. فمن جهة هم يريدون رؤية القدس بعدد قليل من السكان العرب، ومن جهة ثانية يخشون أن يكون الهدف هو سلخ بلدات مثل كفر عقب وشعفاط وغيرهما عن القدس، وبالتالي التوجه نحو تقسيم القدس بشكل رسمي. فهذه هي المرة الأولى التي يثير فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو أي شخص في حزبه، إمكانية الفصل بين سكان القدس الشرقية وسكان القدس الغربية بهذه الصراحة. وقال وزراء شاركوا في الجلسة إن المقصود هو خطوة «ذات أبعاد سياسية دراماتيكية».
وكانت صحيفة «هآرتس» قد نشرت الأسبوع الماضي، أنه خلال جلسة لإدارة بلدية القدس، طرحت على الطاولة، مقترحات بعيدة المدى للفصل بين شقي المدينة. ومن بين الأفكار التي نوقشت بشكل جدي، كان اقتراح تقييد انتقال السكان من الشرق إلى الغرب، باستثناء المستخدمين الملحين، ووفقا لقائمة يتم إعدادها مسبقا. وليس من الواضح ما إذا كان القصد تطبيق هذه الخطة قريبا، أم أن رئيس البلدية وجهات أخرى، قاموا بعرضها كإمكانية مستقبلية. يشار إلى أن الشرطة أقامت في الأسبوع الماضي، جدارا يفصل بين جبل المكبر وحي قصر المندوب السامي، بهدف منع رشق الحجارة والزجاجات الحارقة باتجاه البيوت الواقعة على أطراف الحي اليهودي. ويذكر هذا الجدار بالجدار القائم إلى الشرق من القدس. وخلال جلسة للمجلس الوزاري السياسي - الأمني، عقدت في الأسبوع الماضي، اندلع نقاش حاد بين الوزراء حول الموضوع. فطلب رئيس الحكومة إحضار صورة جوية للمنطقة التي أقيم بها الجدار كي يفهم ما الذي يجري الحديث عنه. وبعد تلقي توضيحات، أمر بوقف إنشاء الجدار والبحث عن بدائل أخرى.
المعروف أن إسرائيل كانت قد ضمت القدس الشرقية إلى تخومها، بشكل رسمي، في سنة 1967، بعد أيام من احتلالها. في حينه لاقى القرار معارضة دولية شاملة، إلا أن هذا لم يمنعها من سن قانون خاص بهذا الشأن، ومعه تم ضم 70 ألف دونم من الأراضي في قضاء المدينة، شمل 11 قرية فلسطينية. وتم منح السكان بطاقة هوية بمكانة «مقيم»، وهي البطاقة التي تعطى لمن يهاجر إلى إسرائيل من غير اليهود، ويستطيع صاحبها التنقل بحرية في إسرائيل، ويتمتع بما يتمتع به المواطن العادي من حقوق، باستثناء الترشيح والتصويت للكنيست (البرلمان). وقد استغل هذا القانون لتفريغ القدس من ألوف من سكانها، إذ ينص على سحب الجنسية ممن تغيب عن البلاد أكثر من سبع سنوات.
وعلى الرغم من أن سحب الهويات من فلسطينيي القدس الشرقية بدأ حال احتلالها عام 1967، فإنه تزايد بشكل كبير جدا في زمن حكومة نتنياهو الأولى في عام 1996 (980 مواطنا فقدوا هذه البطاقة)، وتفاقم في سنة 2006 (1363 مواطنا)، عندما تولى رئاسة الحكومة أيهود أولمرت. وبلغ أوجه في آخر سنة من حكم أولمرت (4577 مواطنا)، في سنة 2008. وبلغ مجموع الهويات المسحوبة 14 ألفا و84 هوية حتى الآن، علما بأن عدد سكان القدس الشرقية العرب اليوم هو 380 ألفا حسب إحصائيات 2014. ووفقا لجمعية حقوق الإنسان، فإن تطبيق فكرة نتنياهو ستقلص عدد سكان القدس الشرقية بنحو الربع (نحو مائة ألف نسمة).
وقد سخر الفلسطينيون من حديث نتنياهو بأنهم سوف يخسرون حقوقهم في إسرائيل، حيث إن كل الإحصائيات الرسمية، تشير إلى أن السياسة الإسرائيلية تجاههم هي سياسة تمييز عنصري مكشوفة. وحسب تقرير جمعية حقوق الإنسان في إسرائيل، تبلغ نسبة الفقر بين صفوف الفلسطينيين في القدس 78 في المائة من مجموع السكّان؛ 84 في المائة من الأطفال؛ وفي مكاتب الخدمات الاجتماعيّة تتم معالجة 38 في المائة من السكّان الذين يعيشون في ضائقة، وهناك 6.150 ولدًا في دائرة الخطر؛ ويوجد نقص في الغرف التدريسيّة بشكل مزمن، إذ يقدر بنحو ألف (1.000) غرفة تدريس. وهناك نقص في رياض الأطفال (6 روضات بلديّة للمرحلة قبل الإلزاميّة في القدس الشرقيّة، مقابل 66 روضة كهذه في القدس الغربيّة). ولا يُسمح للفلسطينيّين بالبناء إلاّ على 17 في المائة من مساحة القدس الشرقيّة، وقد جرى استغلال غالبيّة هذه المساحة للبناء؛ والخرائط الهيكليّة المفصّلة غائبة في جميع الأحياء: نِسَب البناء المسموح به في الأحياء الفلسطينيّة تصل، غالبًا، إلى 35 في المائة - 75 في المائة مقابل 75 في المائة - 150 في المائة في الأحياء اليهوديّة. ومنذ عام 1967، صودر ثلث أراضي الفلسطينيّين. ويخنق جدار الفصل العنصري، الذي يمتد على طول 142 كيلومترًا المدينة اقتصاديا، وينهك المواطنين في تنقلاتهم. هذا عدا عن إغلاق المعابر، وتطبيق سياسة تصاريح الدخول، لعزل القدس عن الضفة الغربيّة.
ألف مقدسي سيفقدون تصاريح الإقامة في القدس إذا طبق نتنياهو مخططه
واشنطن تحذر نتنياهو من مخطط سحب هوياتهم.. وعريقات يتهمه بالتطهير العرقي
ألف مقدسي سيفقدون تصاريح الإقامة في القدس إذا طبق نتنياهو مخططه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة